تنهي بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في ليبيريا مهمتها رسميا يوم الجمعة 30 مارس/آذار 2018، بعد 15 عاما ساعدت خلالها البلاد على التحول من الحرب الأهلية إلى حقبة السلام الواعدة.
يأتي إكمال عمل البعثة بعد الانتخابات الأولى منذ 70 عاما، التي تؤدي إلى انتقال السلطة من رئيس منتخب إلى آخر.
الرئيس الجديد جورج ويا شكر الأمم المتحدة، في مراسم تنصيبه قائلا إنها وقفت إلى جانب ليبيريا في أحلك أوقاتها. ويا، لاعب كرة القدم السابق الشهير، فاز في الانتخابات في جولة الإعادة في ديسمبر/كانون الأول 2017 ليخلف ألين جونسون سيرليف التي تولت المنصب منذ عام 2006.
وفي مراسم عقدت بمناسبة إكمال مهمة البعثة، المعروفة باسم أنميل، تعهد جورج ويا بعدم نسيان عمل الأمم المتحدة في بلاده قائلا “لن نحارب بعضنا مرة أخرى، نتعهد لكم بذلك.”
ليبيريا، وهي أول دولة تحظى باستقلالها في القارة الأفريقية، تمتعت بنحو قرن ونصف من الاستقرار قبل الانزلاق إلى الفوضى لتعاني من حربين أهليتين مدمرتين بين عامي 1989 و2003.
قتل أكثر من 250 ألف ليبيري وشرد حوالي ثلث عدد السكان. ووفق بعض التقارير فقد تضررت 80% من النساء والفتيات الليبيريات من العنف الجنسي المرتبط بالصراع.
وقد أنشأ مجلس الأمن الدولي بعثة حفظ السلام لليبيريا في أكتوبر 2003، في وقت استمر فيه العنف رغم اتفاق الفصائل المتقاتلة على وقف إطلاق النار.
وفيما يظل السلام صعب المنال في كثير من المناطق التي عملت بها قوات الأمم المتحدة لسنوات، فإن إكمال مهمة البعثة في ليبيريا يمثل نجاحا لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام التي يقدر عدد أفرادها بـ 110 آلاف في 15 بعثة بأنحاء العالم.
نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد أشارت، خلال زيارتها إلى ليبيريا الأسبوع الماضي، إلى الأوضاع الصعبة في كل من ليبيريا وسيراليون وكوت ديفوار قبل سنوات. أما الآن فقالت أمينة محمد إن إغلاق بعثة الأنميل يمثل تحولا، في الدول الثلاث، نحو السلام والديمقراطية.
وفي كلمته أمام مجلس الأمن الدولي مؤخرا، أشاد الأمين العام أنطونيو غوتيريش بالنجاح المحرز في غرب أفريقيا ولكنه سلط الضوء على التحديات الخطيرة في عدد من الدول الأفريقية الأخرى.
وأكد الأمين العام أن عمليات حفظ السلام لا يمكن أن تنجح إذا تم نشرها كبديل للحلول السياسية بدلا من أن تدعمها.
الانتخابات من بين نجاحات محرزة في ليبيريا
كان الالتزام المشترك بالنظام السياسي الديمقراطي الجديد، عاملا رئيسيا لتحقيق التقدم في ليبيريا.
وكانت انتخابات العام الماضي، التي فاز بها جورج ويا، نجاحا جماعيا لجميع الليبيريين كما قال فريد ظريف الدبلوماسي الأفغاني السابق الذي عمل ممثلا خاصا للأمين العام في ليبيريا ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة هناك على مدى ثلاث سنوات تقريبا.
تحقيق السلام في ليبيريا تطلب أكثر من إلقاء الأسلحة. كانت إحدى أدوات الأمم بعثة المتحدة، الخدمة الإذاعية العامة بالإنجليزية وعدة لغات محلية.
نابوليون فيبان رئيس إذاعة الأنميل قال إن برامج الإذاعة ركزت على تعزيز السلام والمصالحة الوطنية.
بناء القدرة الوطنية للحفاظ على النظام وسيادة القانون
إحدى المهام الجوهرية لولاية بعثة الأنميل تمثلت في مساعدة الشرطة الوطنية على بناء قدراتها لتولي المسؤوليات الأمنية. في يوليو 2016، سلمت الأمم المتحدة كل المهام الأمنية للسلطات الوطنية.
بنتو كيتا مساعدة الأمين العام لعمليات حفظ السلام شهدت بشكل مباشر نتائج سنوات التدريب وبناء القدرات. وأثناء زيارتها مؤخرا لليبيريا قالت إن الدليل على ذلك يتمثل في عدم وجود مستوى كبير من العنف أثناء التحضير للانتخابات.
وكانت حافظات السلام في البعثة، عنصرا رئيسيا في تحقيق النجاح. كانت البعثة هي الأولى التي تضم وحدة كاملة مؤلفة من النساء من الهند.
وجود عدد كبير من النساء في قوات حفظ السلام في ليبيريا على مر السنين، يقمن بالدوريات وتعزيز قدرة الشرطة المحلية، ألهم السيدات الليبيريات على الانضمام للقطاع الأمني.
السلام والتنمية يسيران جنبا إلى جنب
مع استعادة الاستقرار واستعداد بعثة الأنميل لمغادرة البلاد، عملت البعثة مع المنظمات المحلية على عدة مشاريع لتحسين حياة المواطنين.
تم تنفيذ سلسلة من “مشاريع الأثر السريع” بأنحاء البلاد بما في ذلك في مجال الزراعة المستدامة، وإعادة التدوير، والعمل المناخي، والتنمية الحضرية.
وساعدت البعثة في تمويل مشروع زراعة حضرية في بينسفيل، وهي إحدى ضواحي العاصمة، وفي منطقة نيو كرو العشوائية داخل العاصمة، حيث تم الكشف عن حالات إصابة بالإيبولا، ساعدت البعثة على تمويل مشروع إعادة تدوير بمشاركة شباب من المجتمع المحلي.
يعقوب الحلو منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في ليبيريا، قال إن تلك المشاريع مثال على الدعم المستمر من الأمم المتحدة للسلام والتنمية المستدامين.
وأضاف “صحيح أن البعثة ستغلق أبوابها، ولكن عبر مشاريع مثل هذه يتم فتح أبواب جديدة أمام الليبيريين للتحرك قدما”.
وسيبقى السيد الحلو في منصب منسق الأمم المتحدة المقيم في ليبيريا، ليعمل مع عدد كبير من وكالات الأمم المتحدة من أجل تعزيز تنمية ليبيريا.
الممثل الخاص للأمين العام فريد ظريف قال إن ليبيريا مازالت في وضع هش على كثير من الأصعدة، على الرغم من كل الإنجازات. وأضاف ” يجب ألا نتوقع أن كل شيء سيكون على ما يرام، لنترك البلاد بدون أي مساعدة…ستحتاج ليبيريا إلى التضامن والدعم والمساعدة من المجتمع الدولي على المدى البعيد. ولكن الليبيريين أثبتوا بالفعل أنهم مسؤولون عن مستقبل بلدهم.”