أثيوبياالصحة والطبجغرافياسلايد 1
“ناسور الولادة”.. كابوس يؤرق آلاف النساء في إثيوبيا
كثيرة هي الآلام الجسدية والنفسية التي تواجهها آلاف النساء في إثيوبيا، جراء معاناتهن الصحية من الإصابة بـ “ناسور الولادة”، الذي يعد الزواج المبكر، وسوء التغذية، ونقص الرعاية الطبية أثناء الولادة، من أهم أسبابه.
وناسور الولادة (ناسور المهبل)، هو حالة طبية عند النساء يظهر فيها ناسور (فتحة) إما بين المستقيم والمهبل، أو بين المثانة والمهبل بعد ولادة عسيرة أو فاشلة، في حالة عدم توافر الرعاية الطبية الكافية.
ويقول صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، إن ناسور الولادة هو “إصابة أثناء الولادة تم إهمالها إلى حد كبير، رغم الأثر المدمر الذي يتركه المرض في حياة المتضررات، وتحدث غالبا نتيجة ولادة متعسرة لفترات طويلة دون تدخل طبي عاجل في الوقت المناسب”.
وبهدف الوقاية والعلاج من المرض الذي ينتشر في إثيوبيا منذ عشرات السنين، أنشئ عام 1974 مستشفى “هاملين فيستولا” غربي العاصمة أديس أبابا، أول مستشفى متخصص.
ومن داخل تلك المنشأة الطبية، أرجع الجراح “فيكادوا إينا تشو” المدير الصحي، انتشار “ناسور الولادة” في البلاد إلى عدة أسباب، منها “الزواج المبكر للفتيات، وسوء التغذية، والأخطاء الجراحية، وعدم توافر الرعاية الطبية الكافية في أرجاء البلاد”.
وأضاف أن “هناك أسبابا أخرى وراء انتشار المرض، من بينها الجهل، والتأخر في الحصول على المساعدة الطبية أثناء الولادة”.
وحول الخطأ الجراحي، أوضح الطبيب أنه يتسبب بفتح غير طبيعي بين الجهاز التناسلي للمرأة والمستقيم، وبالتالي لن تتمكن المريضة فيما بعد من السيطرة على البول أو البراز.
ولفت المسؤول الطبي “إينا تشو” إلى أن عدد المصابات بناسور الولادة في إثيوبيا سنويا يقدر بحوالي 9 آلاف حالة.
وأكد أن أغلب مريضات ناسور الولادة في إثيوبيا غير متعلمات، ومن النساء الريفيات الفقيرات اللائي أجبرن على الزواج المبكر.
وأضاف مدير المستشفى أنه “للأسف، بعد مرور 7 عقود من العمل الحثيث والمتواصل، لم نتمكن من القضاء على المرض أو الحد منه على الأقل”.
وأشار “اينا تشو” إلى أن أغلب المصابات بمرض ناسور الولادة واجهن الطلاق، وأصبحن منبوذات.
وذهب مختصون طبيون، إلى أن سبب إصابة الفتيات المتزوجات مبكرا بناسور الولادة، أن الأعضاء التناسلية تكون غير مكتملة النضج، وغير مستعدة للحمل والولادة دون أضرار.
وتعهدت إثيوبيا بالقضاء على الزواج المبكر للقاصرات، وختان الإناث، بحلول 2025، وذلك في إطار التزاماتها التي قطعتها على نفسها خلال قمة دولية في لندن لمكافحة ختان الإناث 2014.
ووفقا لآخر مسح للرعاية الصحية أجرته وزارة الصحة الإثيوبية عام 2016، فقد زادت الرعاية الصحية أثناء الولادة بشكل ملحوظ على مدى السنوات الـ 16 الماضية، بسبب التوسع في المرافق الصحية، كما أن نسبة الولادة في المرافق الصحية بمساعدة من مقدمي الخدمات الصحية، زادت بنسبة 28 % في 2016، بعد أن كانت 6 % في 2000.
وعن أضرار المرض الجسدية والنفسية، قال “إينا تشو” إن من “بين اللاتي تم علاجهن عددا قليلا جدا يمكنهن الإنجاب مجددا، وكثير منهن يحتجن إلى رعاية طبية طويلة الأجل وإعادة التأهيل النفسي”.
ولا يقتصر ضرر “ناسور الولادة” على الجسد فحسب، وإنما يتعداه للأضرار النفسية، والتي ربما يدفع المصابة إلى محاولة الانتحار، بحسب المسؤول الطبي ذاته.
وحول معاناتها الشخصية، قالت “أسريت إيالو” (25 عاما) للأناضول، وعلى وجهها ملامح الخجل، “أشعر بالمرارة بسبب إصابتي بالمرض”.
وأضافت “إيالو” التي جاءت إلى مستشفى “هاملين فيستولا” من مدينة “غوندر” بإقليم أمهرا شمالي البلاد: “مررت بآلام المخاض لمدة سبعة أيام وسقطت فاقدة للوعي، وعندما استعدت وعيي تغير كل شيء، كان طفلي ميتا، وكان سريري مبللا وسط رائحة كريهة”.
وتابعت: “حاولت الانتحار عدة مرات، إلا أني فشلت كوني أصبحت مشلولة وألزم الفراش منذ 7 سنوات”.
وأردفت “إيالو” المتزوجة من مزارع: “أقسى ما واجهته بعد إصابتي بالمرض، هو أن زوجي لم يتفهم وضعي، وأخذ يسبني بسبب أعراض المرض، وخاصة مشكلة التبول اللاإرادي، وحتى أسرتي خجلت مني”.
وأردفت: “أصبحت الآن منبوذة من الجميع، ولم يعد أحد يزورني بسبب الرائحة الكريهة، وأعيش وحدي مع أمي الفقيرة”.
ورغم تجربة “أسريت” المؤلمة، إلا أنها أصرت على تلقي العلاج في المستشفى المذكور، وبدأت حاليا بالتحسن والمشي، وترغب في توعية صديقاتها وزائراتها حتى لا تتكرر المأساة.
“وميرون علي” (27 عاما) مرت هي الأخرى بقصة مشابهة في قريتها النائية الواقعة في منطقة “هرار” شرقي البلاد.
وقالت “ميرون”: “كنا بعيدين جدا عن العيادة الطبية، وأصر زوجي على أن ألد بالمنزل بمساعدة القابلة التقليدية (الداية)، وبعد أيام من الولادة أصبت بآلام مبرحة”.
ووفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن “ناسور الولادة” يندرج تحت قائمة أمراض الفقر، كونه ينتشر بين نساء الدول الفقيرة التي لا تملك مصادر طبية مقارنة بالدول المتقدمة.
وتقول منظمة الصحة العالمية، إن ما يراوح بين 50 ألفا و100 ألف امرأة سنويا يتأثرن بناسور الولادة حول العالم.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن أكثر من مليوني امرأة شابة تعيش مع ناسور الولادة غير المعالج في آسيا وإفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى).
الأناضول