أثيوبياسلايد 1سياسة

رؤية إثيوبيا لـ”سد النهضة”: درع عسكري محكم وباب موارب للتفاوض

تمضي إثيوبيا قدما في بناء سدها المائي المثير للجدل “سد النهضة”، متجاهلة اعتراضات مصر، وتنطلق في ذلك من موقف مبدئي يتمثل في حقها في انجاز هذا المشروع على أراضيها، بتمويل إثيوبي فقط، لأغراض التنمية وتوليد الطاقة الكهربائية، دون الإضرار بدول المصب (مصر والسودان)، إلا أنها تتحضر في الوقت نفسه لأي سيناريوهات محتملة، ومنها مهاجمة السد.

وخلال يومي 11 و12 نوفمبر/تشرين ثان الجاري، عقدت اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بالسد الإثيوبي اجتماعها، بالقاهرة، لكن وزراء ري الدول الثلاث لم يتوصلوا إلى توافق بشأن اعتماد تقرير مبدئي أعده مكتب استشاري فرنسي حول سد النهضة.

وأعلنت كل من إثيوبيا والسودان رفضهما للتقرير المبدئي لدراسات السد المائي، فيما وافقت عليه مصر، ما دفع الأخيرة لإعلان تعثر المفاوضات ودراسة الإجراءات اللازم اتخاذها بعد تحفظ أديس أبابا والخرطوم على التقرير.

وبدأت الحكومة الإثيوبية إنشاء سد النهضة في أبريل/نيسان 2011، على النيل الأزرق(أحد روافد نهر النيل)، بمدينة “قوبا” على الحدود الإثيوبية- السودانية. ويتركز الجانب الفني من الخلاف حول طريقة وتوقيت تخزين وملء المياه خلف السد لتوليد الطاقة الكهربية. وتتطلع الحكومة الإثيوبية

لأن تبلغ سعة السد التخزينية 63 مليار متر مكعب من المياه ليصبح واحد من أكبر الخزانات في القارة الإفريقية ويسمح بتوليد حوالي 5200 ميجاوات في مرحلة أولي.

وتتخوف مصر من تأثيرات سلبية محتملة للسد الإثيوبي على حصتها المائية 55.5 مليار متر مكعب، فيما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، بينما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصر، وإن الطاقة الكهربائية التي سيولدها السد (منها 6000 ميغاوات داخليا و2000 بيع للدول المجاورة) ستساعد في القضاء على الفقر، وتعزيز النهضة التنموية في إثيوبيا.

صمت إثيوبي حيال التصعيد

التزم رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلي ماريام ديسالين، الصمت حيال التصعيد المصري بشأن تعثر مفاوضات سد النهضة، خلال الأيام الماضية.

وقال وزير الري والمياه والكهرباء الإثيوبي، سيلشي بيكالي، في تصريح لصحيفة “ذي مونيتور” الإثيوبية(محلية)، إن “اللجنة الفنية المشتركة اتفقت على تأجيل مناقشة القضايا الخلافية إلى القمة المقبلة”. دون تحديد موعد أو مكان انعقادها.

وعادة ما تتجاهل إثيوبيا تعثر المفاوضات مع مصر حيال إنشاء سد النهضة وحتى انتقاداتها، وتركز اهتمامها على توفير التمويل اللازم للمشروع.

* باب موارب للتفاوض

في يوليو/ تموز الماضي، قال رئيس مجلس النواب(احدى غرفتي البرلمان) الإثيوبي أبادولا جميدا(استقال مؤخرا) إن بلاده ملتزمة بالمسار التفاوضي مع مصر حول سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا.

جاء ذلك في بيان للخارجية المصرية، عقب استقبال جميدا، سفير مصر لدى إثيوبيا أبو بكر محمود، في مكتب الأول بالعاصمة أديس أبابا، لبحث تطورات المفاوضات بين بلديهما حول سد النهضة.

ووفق البيان، أكد رئيس مجلس النواب الإثيوبي التزام بلاده بالمسار التفاوضي مع مصر حول سد النهضة والتعاون في المجالات المشتركة.

وأوضح أبادولا جميدا أن “بلاده لا يمكن لها بناء تنميتها ورخائها على حساب أي من شعوب المنطقة ومنهم الشعب المصري الشقيق”.

وأشار إلى ثقته في “قدرة الحوار البناء والشفاف الحالي بين البلدين على تحقيق المنفعة المتبادلة دون الإضرار بأي طرف”.

* درع عسكري محكم

وفي أبريل/ نيسان الماضي أكد العقيد، أرقاوي كيداني، قائد الفرقة السادسة بالجيش الإثيوبي في إقليم (بني شنقول جمز)، غربي البلاد، أن القوات السودانية والإثيوبية تتعاونان لتأمين الحدود المشتركة، وتعملان معا من أجل محاربة المجموعات المناوئة للسلام والاستقرار.

وفي تصريحات نقلتها عنه وكالة الأنباء الإثيوبية وقتها، أضاف المسؤول العسكري أن قوات بلاده جاهزة، و”ستقوم بما يلزم، من أجل التصدي لأي مجموعات مناوئة (لم يسمها) حاولت الاعتداء على سد النهضة”.

وجدد تأكيده على أن قواتهم “قادرة على تدمير كل من يحاول الاقتراب من السد، قبل وصوله لهدفه”.

ولفت الى أن “إثيوبيا والسودان لديهما تعاون أمني وعسكري؛ ولعل عملية تسليم 7 من المجموعة التي حاولت الهجوم على سد النهضة من قبل الحكومة السودانية مثالا للتعاون بين البلدين”.

واشار الى أن رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلي ماريام ديسالين، والرئيس السوداني، عمر البشير، اتفقا على أهمية تفعيل اتفاق التعاون العسكري والأمني بين البلدين.

وقال وزير الدولة الإثيوبي في مكتب الاتصال الحكومي، زادقي أبرها، في بيان له، مطلع مارس/آذار الماضي إن “الأجهزة الأمنية الإثيوبية تصدت لهجوم مجموعة مسلحة تتبع لحركة تحرير بني شنقول الإثيوبية المعارضة”.

ولفت أن “المجموعة المهاجمة كانت تتكون من 20 فردًا، انطلقوا من دولة إرتيريا؛ للاعتداء على سد النهضة، لكن القوات الأمنية تصدت لهم وقتلت 13 مهاجمًا وهرب 7 إلى داخل الأراضي السودانية، لكن الخرطوم سلمت المهاجمين فورًا إلى الحكومة الإثيوبية”.

وفي أكتوبر/تشرين أول الماضي، وقعت إثيوبيا والسودان مذكرة تفاهم في أديس أبابا، لتعزيز التعاون العسكري والأمني المشترك لمكافحة الارهاب.

وأكد البلدان أن مذكرة التفاهم “تعمل على تأمين الحدود، وتبادل المجرمين، ومنع أي نشاط معادٍ للبلدين، وخاصة من الجماعات المناوئة للسلام”.

* حظر جوي “غير معلن” لأجواء السد

ورغم أن القاهرة لم تلوّح صراحة باللجوء إلى استخدام القوة في التعامل مع أزمة “سد النهضة” وأكدت على لسان كبار مسؤوليها اعتمادها “فقط” الطرق الدبلوماسية في حلها، إلا أن مراقبين يرون أن الجانب الإثيوبي يتحسّب لأي “مغامرة مصرية” قد تشمل استخدام القوة في معالجة الأمر،

خاصة مع دعوات تطلقها بين الفينة والأخرى جهات إعلامية مصرية بضرورة شن ضربات جوية على سد النهضة كونه يمنع “شريان الحياة” (نهر النيل) أو مورد المياه الرئيسي عن البلاد.

وقال مصدر دبلوماسي غربي في وقت سابق، إن إثيوبيا قلقة من صفقة وقعتها مصر مؤخراً لشراء عدد من طائرات “رافال” الهجومية من فرنسا والتي تستطيع بلوغ الاجواء الإثيوبية دون توقف، وهو ما يرفع في تقدير المراقبين “درجة الحساسية” بين القاهرة وأديس أبابا.

فيما تعاقدت إثيوبيا من جهتها على شراء منظومة دفاعات جوية مضادة للطيران من ذات المصدر(فرنسا) لحماية السد من أي مخاطر محتملة تهدده.

مصدر سياسي إثيوبي كان اتهم في وقت سابق مصر وإرتيريا بإقامة حلف عسكري وأمني وثيق، ولم يخف المصدر قلق بلاده من أن يشكل هذا التعاون تهديداً مباشراً لمشروع بناء السد في حال استخدامه لتنفيذ ضربات عبر الأجواء السودانية الخارجة عن سلطة الدولة، ثم العودة لقاعدة الانطلاق باستخدام الأجواء والقواعد الإرتيرية.

ويضيف ذات المصدر بأن الحظر الجوي غير المعلن فوق منطقة سد النهضة يمتد إلى عمق الحدود السودانية، إضافة لعمق مماثل لأجواء داخل حدود دولة جنوب السودان تحوطاً وحذراً من أي محاولة لاختراق الطوق الاحترازي المضروب حول السد لتأمينه، ويشمل الحظر أيضاً الطيران المدني إلا بإذن من السلطات، وفق قوله.

وأشار إلى أن أديس أبابا تراقب عن كثب تطور العلاقات بين مصر ودولة جنوب السودان التي قد تكون حدودها المتاخمة للحدود الإثيوبية “نقطة ضعف هشة” يمكن عبورها إذا تطورت الأمور إلى حد المواجهة العسكرية مع مصر رغم استبعادها حالياً.

وفي الوقت نفسه تراقب إثيوبيا بحذر شديد الحدود السودانية التي لا تبعد عن منطقة سد النهضة سوى كيلومترات قليلة (حوالي 20 كليومتر)، وذلك لوجود معسكرات تابعة للحركة الشعبية (قطاع الشمال) في المنطقة التي تخضع لسيطرة الحركة التي لا تزال تقاتل الخرطوم، وهو ما يعني بالتالي سهولة التسلل من تلك المنطقة إلى منطقة السد.

تمويل اثيوبي بامتياز

أما عن كلفة مشروع السد، فتقدر مبدئيا بنحو 4.8 مليار دولار أمريكي، ومتوقع أن تصل في نهاية المشروع إلى حوالي 8 مليار دولار أمريكي.

وتؤكد الحكومة الإثيوبية دوما ان تمويل المشروع يتم من جانب الشعب والحكومة في إثيوبيا فقط وليس من أي مصدر خارجي آخر. وسبق أن نفت أديس أبابا تثارير إعلامية مصرية عن إسهام قطر في تمويل بناء السد.

الأناضول

اترك تعليقاً

إغلاق