جغرافياسلايد 1شئون اجتماعية
مهاجرون أفارقة.. من قهر السجون إلى الاستعباد والاتّجار بالبشر
مهاجرون أفارقة حلموا بعبور البحر الأبيض المتوسّط نحو أوروبا، انطلاقا من ليبيا، غير أن الأمواج العاتية لفظت أحلامهم لينتهي بهم المطاف في تونس.
تفاصيل مريرة يرويها عدد من الحالمين بأوروبا، انطلاقا من الفترة التي يقضّونها في مراكز تجميع المهاجرين غير الشرعيين بليبيا، وما يتعرّضون له من فظائع تصل حدّ الاستعباد، والاتّجار بهم، قبل رحلة العبور الفاشلة نحو جزيرة “لامبيدوسا” الإيطالية.
** السجن.. أوّل فصول المعاناة
“هربتُ من سجون صبراتة اللّيبية (غرب طرابلس) حيث الفظاعة وتجارة العبيد، فحملتني أمواج البحر بحثا عن الحلم الأوروبي لكني فشلت، لأجد نفسي هنا في تونس”.
بنبرة خافتة يخيّل للمرء أن صاحبها يكابد من أجل نطق كلماته، روى الغيني محمّد يحيى، للأناضول، معاناة الأفارقة في السجون الليبية.
وتم مقابلة الشاب الإفريقي القادم من غينيا كونكري، في محافظة “مدنين” جنوب شرقي تونس، وتحديدا في مبيت خاص بمهاجرين لفظهُم المتوسّط عقب محاولة هجرة غير شرعية فاشلة نحو “لامبيدوسا” أو “لامبادوزا” كما يسميها سكان شمال إفريقيا.
وبذات الصوت الخافت، استطرد محمد:”عند الوصول إلى مراكز تجميع المهاجرين غير الشرعيين في مدن الغرب الليبي، يقوم منظّمو تلك العمليات بسلب المهاجرين (من جنسيات إفريقية مختلفة) ما يملكون من أموال وهواتف وأي ممتلكات.”
وأضاف أنه يتم الزج بالمهاجرين في السجن لعدم امتلاكهم أوراقا ثبوتية، غير أن من يمكنه الهرب من البلاد، لا ينجو من الاعتقال.
ووفق محمد، فإنه “سجن المهاجرين الأفارقة غالبا ما يكون لإرغام أسرهم على دفع فدية مقابل إطلاق سراحهم”.
و”في حال لم يحصلوا على فدية”، يتابع، “فإنه يتم بيعه كالعبيد لأشخاص آخرين أو إرغامهم على العمل دون مقابل”.
** 400 دولار للشخص الواحد
محمد قال إنه تم بيعه أكثر من مرة في صبراتة الليبية، فعقب وصوله إلى المدينة، “وضعت في سجن لمدة شهر تعرضت خلاله لأبشع أنواع التعذيب، من ضرب على الرأس والركل على القدمين”.
وتابع: “تعرّضت أيضا للتعذيب باستعمال الكهرباء، وتركت دون طعام أو شراب، قبل أن يقدّم لي أشخاص هاتفاً وطلبوا منّي الاتصال بعائلتي، وسداد مبلغ 4 آلاف دينار ليبي (ما يعادل نحو 3 آلاف دولار) لإطلاق سراحي”.
وأمام عجز عائلة محمد عن تأمين المبلغ المطلوب، بيع لشخص ليبي.
وتوضيحا لذلك، قال محمد “بدأت بالعمل لحساب الرجل الذي اشتراني دون أن أتقاضى راتبا، قبل أن يبيعني بدوره لشخص آخر، إلى أن تمكّنت من الهرب”.
وبحسب محمد، يتراوح ثمن بيع المهاجر الإفريقي الواحد من 200 إلى 400 دولار.
** فظائع واستعباد وتجارة بالبشر
حكاية إسماعيل صابا، القادم أيضا من غينيا كوناكري، لا تختلف كثيرا في تفاصيلها عن محمد يحيي، فهذا الإفريقي عاش نفس المعاناة، وتعرّض بدوره للبيع.
وقال إسماعيل: يوجد سجن كبير في مدينة الزاوية الليبية، تسيطر عليه جماعة يترأسها شخص يلقبونه بـ “أبو عيسى”.
ففي هذا السجن، يتم جمع المهاجرين، الذين تقدّر أعدادهم بالمئات، وفق إسماعيل، ويطلب منهم توفير مبلغ معين لإطلاق سراحهم.
و”في حال عدم تأمين المبلغ المطلوب”، يضيف، “يقع بيعهم لتجار آخرين، وهو ما حصل معي أيضا حيث اشتراني شخص ليبي”.
ومضى قائلا: ” فظائع كثيرة واجهتها في السجن، وأثناء عملي لفائدة الشخص الذي اشتراني، فقد عاملني على أنّي عبد، ولهذا قررت الفرار، وفشلت 3 مرات في الوصول، عبر البحر، إلى إيطاليا أو تونس بطريقة غير شرعية”.
وتنشط الهجرة غير الشرعية في مناطق الغرب الليبي بشكل كبير، خصوصًا عقب الإطاحة بنظام الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي، في 2011، مستفيدة من تدهور الوضع الأمني وحالة الفوضى بالبلاد.
وتقول حكومة الوفاق الليبية إنها تعمل جاهدة على وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا، عبر أراضيها، وتعمل على إعادة المضبوطين إلى بلادهم.
غير أن جماعات مسلحة، خارجة عن سيطرة الحكومة، تتحمل المسؤولية عن ابتزاز المهاجرين، وتعمل الحكومة على الحد من أعمالهم، وفق تصريحات سابقة لمسؤولين.
** منظمة الهجرة الدولية تؤكّد
وتؤكد تقارير سابقة للمنظمة الدولية للهجرة شهادات المهاجريْن.
ففي إبريل/ نيسان الماضي، قال رئيس بعثة المنظمة إلى ليبيا، عثمان بلبيسي، إن “المهاجرين يُباعون في ليبيا بأسعار تتراوح بين 200 و500 دولار، ويحتجزون لشهرين أو ثلاثة في السجون”.
وأشارت المنظمة أنه يتم “الاتجار بالمهاجرين الأفارقة الذين يقصدون ليبيا في اتجاه أوروبا٬ عبر أسواق خاصة تسمى بأسواق العبيد، بعرضهم للبيع”.
وتستقبل سواحل تونس الجنوبية، سنويا، مئات المهاجرين غير الشرعيين، إثر تعطل قواربهم في المياه الإقليمية.
ويتم إيواء المهاجرين غير الشرعيين في مبيت خاص بهم في منطقة قريبة من قرية “بني خداش” بمحافظة مدنين، في انتظار تسوية وضعيتهم القانونية.
وقال عصام عبد الكبير٬ عضو منظمة الهلال الأحمر التونسي: “يضم المبيت نحو 200 شخص، وهنا، نقدم لهم المواد الأساسية كالحليب والأرز والخضروات، وهم يقومون بإعداد طعامهم بأنفسهم”.
وبحسب عبد الكبير، فإن منظمته توفِّر لهؤلاء المهاجرين الرعاية الصحية والنفسية، بالتعاون مع المنظمات الدولية الناشطة في مجال الهجرة.
الأناضول