أخبار

قمة الاتحاد الإفريقي 38: إصلاحات إفريقيا والمنظومة الدولية والتحديات الماثلة

طالما طرقت إفريقيا منذ إطلاق أجندة إفريقيا 2063، أبواب مراجعات متعددة الاتجاهات، هدفت في مجملها إلى البحث عن تقدم إفريقيا، والإصلاح المؤسسي لها وتعزيز دورها عالميا، إلى جانب إصلاحات المنظومة الدولية، وتصحيح الأخطاء التاريخية التي تضررت منها القارة الإفريقية بشكل كبير، وشكل الاتحاد الإفريقي عددا من الغرف المعنية بدراسة وتقديم المقترحات بشأن ذلك.

طرح الاتحاد الإفريقي في شعار قمته الراهنة، شعار “تعويض الأفارقة جراء ما لحق بهم طيلة قرون مضت كنقطة انطلاق، مهمة لتصحيح العلاقات وبناء الثقة، إضافة إلى تعزيز موقع إفريقيا في الخارطة العالمية، وهو ما يعتقد الأفارقة أنه قد حان وقته. فما هي القضايا الرئيسية المطروحة على مستوى القارة والمطالب الرئيسية التي يطرحها الأفارقة لإصلاح المنظومات الدولية السياسية والاقتصادية.

العدالة للأفارقة نقطة بَدْءُ التصحيح

انطلقت القمة الثامنة والثلاثون في العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” تحت شار “العدالة للأفارقة والأشخاص ذوي الأصول الأفريقية من خلال التعويضات” وتقصّد القادة الأفارقة، ضِمن حزمة الإصلاحات التي تفتح الطريق نحو انطلاق القارة وتبوء موقعها في عالم جديد، يتجاوز التحيزات القديمة، والمنطلقة من ذهنية الاستعلاء، التي ما زالت تشكل التوجهات الغربية وسياسات دوله عند التعامل مع الشأن الإفريقي، سواء كان على مستوى القارة، أو على مستوى الدول منفردة.

وذهب القادة الافارقة في تعريفهم بالعدالة المطلوبة والتعويض إلى مفردات محددة لا تقبل التأويل مثل: الاعتراف التاريخي بالظلم على الأفارقة والتعويضات المالية جراء معاناتهم وإعادة الأراضي التي صودرت منهم في فترة الاستعمار والحفاظ على الثقافة الإفريقية والمساءلة الدولية للجرائم التي ارتكبت في حق الأفارقة حتى لا تتكرر مرة أخرى وتمكين المجتمع الإفريقي.

مطالب الإصلاح الإفريقي

يتبنى الإتحاد الإفريقي منذ فترة طويلة عددا من القضايا، يُنظر إليها باعتبارها جسر عبور للشعوب الإفريقية في طريق التطور والازدهار. ولكن أعاقه في الدورات الماضية، عدم الوصول إلى تعريف ماهية الإصلاحات المطلوبة على الرغم من اجماع القادة الأفارقة على أهمية ذلك، وتناول الجميع أهمية ذلك في خطاباتهم، وضرورة انتقال الاتحاد الإفريقي إلى مستوى أفضل من حيث الأداء، وارتقاء الشعوب الإفريقية إلى المستوى الذي تستحقه. وابرز هذه القضايا ما يلي:

  • تطوير الأداء: ظل الاتحاد الإفريقي يطرح أهمية تطوير أداء الاتحاد الإفريقي باعتباره الجزء الأهم في إصلاح المؤسسة القارية، وقد بادر في الدورات السابقة باختيار عدد من الخبراء لتشكيل آلية إشراف لاختيار أفضل الكفاءات الإفريقية. من حيث القدرات وتوافر المواهب، ولتسهم في تطوير الاتحاد، ومؤسساته المختلفة. لا شك أن هذا يعتبر مؤشر مهم في توجه الاتحاد الإفريقي، إذا ما تم إنجازه بالمعايير التي يضعها القادة الأفارقة، مع تجاوز الإخفاقات المتكررة في هذا الصدد، إذْ يعاني الاتحاد الإفريقي ضعفا واضحا في الكم والكيف فيما يخص القادة الذين يمثلون إفريقيا بحجم تطلعاتها وطموحها في تحقيق أن تكون إفريقيا لاعبا مؤثرا على الساحة الدولية وليس تابعا.
  • قضايا التمويل: تعتبر قضية التمويل من القضايا المقلقة والمؤثرة جدا على الاتحاد الإفريقي، وعلى استقلالية قراره، وتنفيذ خططه وبرامجه المختلفة، في ظل تكاثر النزاعات والصراعات، والانقلابات العسكرية أو ما يُصطلح عليه في الاتحاد الإفريقي بالتغييرات غير الدستورية، ووجود عدد من بعثات السلام التي تمولها أطراف خارجية وبالتالي تؤثر على سياساتها وتغير استراتيجياتها في كثير من الأحيان لصالح أجندة قد تضر بالمصلحة الإفريقية، وتعيق تحقيق الاستقرار في كثير من الأقاليم التي تعاني من الزعازع السياسية وتنافس القوى العالمية التي تتداعى اليوم على إفريقيا. يبذل الاتحاد الافريقي في هذا المجال جهدا مقدرا، وبادرت بعدد من المشاريع الإصلاحية، مثل:

– منطقة التجارة الحرة الإفريقية: وهي إحدى المشاريع الرئيسية لأجندة 2063، تهدف إلى تحقيق التكامل عبر تدفق السلع والخدمات عبر القارة، وتعزيز التجارة البينية بين الأفارقة، وبتقديرات أشارت إلى رفع نسبة التبادلية بدرجة تتجاوز الـ 50% وأن ترفع هذه المبادرة حجم الاقتصاد الإفريقي إلى 29 تريليون دولار بحلول عام 2050

– إنشاء وكالة تصنيف ائتماني إفريقية: مبعث المبادرة هو معاناة إفريقيا وموقفها من الحوكمة العالمية، ومن أجل تحقيق التكامل الاقتصادي بين الأفارقة، وهي مبادرة متقدمة إذا استطاع الأفارقة أن يصلوا بها إلى غاياتها، ولا شك أنها بحاجة إلى خطط جادة يقوم على تنفيذها خبراء وكفاءات تعرف كيف تتعامل مع المؤسسات الدولية المتحيزة، وتعمل بجد على توطينها إفريقيا.

  • الأمن والسلام: من القضايا المعيقة للقارة الإفريقية، والمساحة الأكثر تعطيلا للاتحاد الافريقي، في تحقيق أهدافه، وهي كثرة النزاعات في القارة، وتحولها إلى ساحة للصراع الدولي، وحورب الوكالة، مع عجز إفريقي تام من الاقتراب من الحلول الناجعة والدائمة، ولعل الإصلاحات المطلوبة في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، تبدوا ملحة باعتباره الآلية التي ستحقق الاستقرار والسلام المفضيين للازدهار والتنمية، التي تتطلع إليها الشعوب الإفريقية. طرح الاتحاد الإفريقي مبادرة اسكات البنادق منذ 2013، كمدخل ضروري لتحقيق الاستقرار والإنطلاق نحو آفاق الأجندة القارية الكبيرة، ولكن تعثرت لتعطل عمل آلية مجلس السلم والأمن الإفريقي في التعامل مع الصراعات التي تتوالد في في الدول الإفريقية مع كل يوم. ويعتبر كثير من الخبراء داخل القارة الإفريقية أن تقاصر مجلس الأمن الإفريقي وعجز الأفارقة عن منحه التفويض الكامل والأدوات الكفيلة عبر اتفاق تاريخي لمقاربات وتصورات في حل النزاعات الإفريقية وكيفية التدخل لحلها، ستكون أكثر ثغرات التدخلات الخارجية لإبقاء إفريقيا تحت بند المتلقي للمساعدات وسياسات الابتزاز واستغلال مقدراتها.
  • إضافة إلى عدد من مبادرات الإصلاح التي تعزز الوحدة الإفريقية مثل مبادرة تنقل الأفارقة دون تأشيرة بين الدول الإفريقية، ما يسهل التبادل الاقتصادي ويعزز من الاكتفاء بالمنتجات الإفريقية وبالتالي يقوي مبادرات أخرى مثل المنطقة الحرة القارية، إذ أن تعقيدات تنقل الأفارقة بين الدول الإفريقية يخلق عدد من الإشكاليات على المستوى الفردي والجمعي.

إفريقيا وإصلاح المنظومة الدولية

منذ مطلع الألفية الثالثة، يطرح الأفارقة أهمية إصلاح المنظومة الدولية وإعادة الاعتبار للقارة الإفريقية وإخراجها من تصنيفات مرحلة الاستعمار، والمطالبة بعالم متعدد الأقطاب، لا يحتكر قيادته اتجاه واحد، والعزم على تبوء إفريقيا موقعها الذي تستحقه، وأبرز النقاط فيهذا الشأن هي:

  • تمثيل إفريقيا في مجلس الأمن الدولي: ظلت القارة التي تمثل حوالي خمس سكان الكرة الأرضية لا تملك مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وقد نهض الأفارقة بمطلبهم الرئيس في هذا المجل، بأن تنال إفريقيا مقعدين دائمين، بكامل الصلاحيات المتصلة بالفيتو، وسيعيد هذا بعض الاعتبار وليس كله للقارة الإفريقية، ومن الأهمية بمكان ممارسة المزيد من الضغوط، عبر الأقطاب الدولية التي تعترف بهذا الاستحقاق ففقارة السمراء.
  • إصلاح المؤسسات المالية العالمية: يعتبر مطلب إصلاح المؤسسات المالية العالمية مطلبا ملحاً لدى الأفارقة، خاصة مع تصاعد الشكاوى المتعلقة بتحيز المؤسسات المالية العالمية عند التعامل مع ما يتعلق بالدول الإفريقية، سواء كان في تمويل المشروعات، أو الاشتراطات التي تعانيها إفريقيا في هذا الصدد وما يتعلق بذلك من التصنيفات التي يصفها الأفارقة بالتحيز ضدهم، ولم يخل منبر دولي إلا وطرق الأفارقة هذا الأمر، ويعتقد الكثير من المتخصصين والخبراء الفارقة أن هذه المؤسسات بحاجة إلى أهمية إعادة هيكلة النظام المالي العالمي، ليُصبح أكثر مرونة واستدامة وعدالة، واستجابة لتحديات الدول النامية والاقتصاديات الناشئة في ظل ما يواجهه العالم من تغيرات مناخية شديدة، وتطورات وتحديات تتفاقم يومًا بعد يوم، مؤكدين أن إعادة بناء النظام المالي، يُعزز الاستقرار المالي، ويدعم النمو المستدام، ويُقلل التفاوت بين الدول، فضلا عن تمثيل الدول النامية فيها، وهو ما تطالب القارة الإفريقية التي تدفع ثمن الانبعاثات الحرارية التي تتسبب في التغيرات المناخية الحادة، دون اكتراث من الدول الكبرى المتسببة في ذلك ودون تعويضات مجزية للأفارقة، وغيرها من القضايا المتصلة بذلك.

وبين هذه العناوين الرئيسية، لا ينسى القادة في إفريقيا أبرز التحديات التي تواجههم في القارة، وهي كثيرة ولكن لا يخلوا حديث لشخص مسؤول إلا وتحدث عن قضايا الهجرة وتحديات التحولات المناخية، والعقبات التي يواجهها القادة الأفارقة في تنفيذ البرامج والإصلاحات المطوحة.

الخاتمة

ومع تزايد المخاطر الجيوسياسية في مواجهة الصراعات المتزايدة لا يعول الأفارقة أن تكون قمة الاتحاد الأفريقي الحالية بمثابة لحظة فاصلة في السياسة الأفريقية. ومبعث ذلك ما يحدث من تصاعد الصراعات في مختلف أنحاء القارة.

إن الأزمة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعدم الاستقرار السياسي في منطقة الساحل، والحرب المستمرة والأزمة الإنسانية في السودان، والتوترات المتزايدة في منطقة القرن الأفريقي والبحيرات العظمى، تؤكد الحاجة الملحة إلى استجابات إقليمية قوية، خاصة مع تراجع دور الأمم المتحدة، وهو ما يعزز مبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية وهو أمر لا يمكن تحققه إلا بتقوية مؤسسات الاتحاد الإفريقي المعنية ابتداء من المنظومة القيادية، وآلياته في تحقيق الأمن والسلم الإفريقيين، والمؤسسات الداعمة لها على مستوى الأقاليم.

لأن حل المشكلات الإفريقية داخليا سيمنح القارة الإفريقية آفاقا جديدة لتموضعها في عالم اليوم، ولديها من الإمكانات البشرية والمادية والجيوسياسية، ما يؤهلها لتكون رقما مهما في المعادلة الدولية، للقناعة التامة لدى الشعوب الإفريقية أن العوامل الداخلية تعتبر ركنا أساسيا فيما تعانيه إفريقيا، فهل نحن على موعد للتغيير في إفريقيا أم سيظل الأفارقة في مدارات تصنعها أجندات الآخرين.

اترك تعليقاً

إغلاق