أخبارالنيجربوركينا فاسو

ما الذي يعنيه تشكيل جيش موحد من النيجر ومالي وبوركينا فاسو لمستقبل الاستقرار في المنطقة؟

في 21 يناير 2025، أعلن وزير الدفاع النيجيري، الجنرال ساليفو مودي، عن تشكيل “قوة موحدة” تضم خمسة آلاف (5000) جندي من دول النيجر وبوركينا فاسو ومالي، وذلك في إطار تعاون عسكري جديد لمكافحة الإرهاب والجماعات الجهادية في منطقة الساحل الإفريقي. وجاء هذا الإعلان في وقت حساس حيث تواجه هذه الدول تهديدات متزايدة من جماعات جهادية مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، والتي تتخذ من المناطق الحدودية بين الدول الثلاث مركزاً لها، مما جعل التصدي لهذه الهجمات أولوية قصوى.

ستكون هذه القوة الموحدة مدعومة بقوات برية وجوية وأنظمة تنسيق متقدمة، وتعتبر خطوة هامة نحو تعزيز التعاون العسكري بين دول الساحل لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة. ويُعتبر هذا التحرك جزءاً من تحالف “دول الساحل“(AES) الذي تأسس بين هذه الدول بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية التي شهدتها المنطقة بين عامي 2020 و2023، مما أدى إلى تغيير الأنظمة المدنية لصالح الحكومات العسكرية. وتأتي هذه القوة في سياق متوتر مع القوى الغربية، وعلى رأسها فرنسا، التي كانت تلعب دوراً مهماً في محاربة الإرهاب في المنطقة.

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على هذه الخطوة الأمنية الجديدة في منطقة الساحل، من خلال تحليل خمس نقاط رئيسة، وهي: الظروف السياسية والاقتصادية التي أدت إلى تشكيل القوة الموحدة، والتحول في استراتيجيات التعاون العسكري الإقليمي، وتأثيرات هذه الخطوة على العلاقات بين دول الساحل والغرب، والتحديات اللوجستية والتنفيذية لهذه القوة، وأخيراً الآفاق المستقبلية للتعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب.

1. الظروف السياسية والاقتصادية وراء القوة الموحدة

جاءت المبادرة العسكرية بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو في سياق سياسي حساس للغاية. بين عامي 2020 و2023، شهدت هذه الدول سلسلة من الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالأنظمة المدنية، وهو ما زاد من تعقيد الأوضاع الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي. في هذا السياق، بدأت الحكومات العسكرية الجديدة في الدول الثلاث البحث عن طرق لتعزيز التعاون الإقليمي والاستقلالية في التعامل مع التهديدات الأمنية. وقد كانت هذه الانقلابات ردًا على فشل الحكومات المدنية في التعامل مع تنامي الإرهاب والجماعات المسلحة في المنطقة. بعد هذه التحولات، قررت هذه الدول تشكيل تحالف عسكري جديد لمواجهة التحديات المشتركة، وهي خطوة كانت ضرورية لاحتواء التهديدات المترتبة على هجمات الجماعات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وداعش.

من المهم أن نلاحظ أن هذه المبادرة تأتي في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين هذه الدول والقوى الغربية، وخاصة فرنسا. بعد الانقلاب في النيجر في يوليو 2023، سحبت الدول الثلاث دعمها من “مجموعة الدول الاقتصادية لغرب إفريقيا” (ECOWAS)، والتي كانت تعتبر بمثابة الإطار الإقليمي الرئيسي. هذا الموقف جاء في إطار رفض التدخلات العسكرية الفرنسية، التي طالما كانت حاضرة في المنطقة لمكافحة الإرهاب. ومع التغييرات السياسية في هذه الدول، أصبحت الحاجة إلى تقوية التعاون الإقليمي أكثر إلحاحًا، الأمر الذي دفع إلى إنشاء القوة الموحدة.

وتعكس هذه الخطوة رغبة الدول الثلاث في التصدي للجماعات الإرهابية بطريقة أكثر استقلالية، بعيدًا عن التأثيرات الخارجية. وبذلك، فإن إنشاء القوة الموحدة يعتبر خطوة سياسية مهمة في إطار تحالف “دول الساحل” الذي يهدف إلى تعزيز التنسيق العسكري بين هذه البلدان وتحقيق أكبر قدر من الاستقلالية في التعامل مع الأزمات الأمنية المتواصلة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه المبادرة تمثل بداية جديدة نحو تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، مع العمل على تعزيز القدرات العسكرية المشتركة في مواجهة التهديدات.

2. التحول في استراتيجيات التعاون العسكري الإقليمي

في السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الساحل تحولًا كبيرًا في كيفية التعاون العسكري بين دولها، وهو ما تجسد في تشكيل “التحالف الثلاثي” بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو. سابقًا، كان التنسيق العسكري بين دول الساحل يعتمد بشكل رئيسي على تدخلات خارجية، خاصة من قبل القوى الغربية مثل فرنسا. إلا أن التحولات السياسية الأخيرة أدت إلى تعزيز التعاون بين الدول الثلاث مع التركيز على إدارة أمن المنطقة بشكل مستقل. هذه القوة الموحدة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا تمثل خطوة مهمة نحو خلق إطار إقليمي مستدام لمكافحة الإرهاب، بعيدًا عن الاعتماد على الدعم العسكري الأجنبي.

ويهدف لتحالف العسكري بين هذه الدول إلى تعزيز الاستجابة المشتركة ضد تهديدات الجماعات الإرهابية، التي تعمل في منطقة تعرف بتعدد الصراعات وأزمة الأمن. وعلى الرغم من أن دول الساحل قد قامت من قبل بتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ضد الجماعات المسلحة، فإن إنشاء هذه القوة الموحدة يعكس جهدًا أكبر لتنسيق العمليات العسكرية بشكل أكثر فاعلية. هذه القوة ستكون مجهزة بالقدرات الجوية والبرية والمخابراتية، وهو ما يوفر لدول الساحل قدرة أكبر على مواجهة الإرهاب في مناطق شاسعة وسهلة التضاريس مثل التي توجد بين حدود النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

من جانب آخر، يظهر التحول في استراتيجيات التعاون العسكري أيضًا استعداد هذه الدول للتعاون مع شركاء جدد مثل روسيا والصين، حيث تأخذ هذه الدول مسافة أكبر من فرنسا التي كانت تعتبر شريكًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب. مع انحسار النفوذ الفرنسي في المنطقة، تحاول هذه الدول تعزيز تحالفاتها مع قوى أخرى تبحث عن تعزيز وجودها في الساحل. هذا التحول في تحالفات المنطقة يعكس تحولًا جوهريًا في مفهوم التعاون العسكري الإقليمي، بعيدًا عن التأثيرات الغربية.

3. التأثير على العلاقات مع القوى الغربية

إن تشكيل القوة الموحدة بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو يعكس انقسامًا متزايدًا في علاقات هذه الدول مع القوى الغربية، وخاصة فرنسا. بعد سلسلة الانقلابات التي شهدتها هذه الدول، أصبح من الواضح أن هناك تحولًا في موقف الحكومات العسكرية تجاه القوى الاستعمارية السابقة، والتي اعتبرت على مدى سنوات بأنها الحليف الرئيس في الحرب ضد الإرهاب. بعد الانقلاب في النيجر في يوليو 2023، انسحبت هذه الدول من “مجموعة الدول الاقتصادية لغرب إفريقيا” (ECOWAS)، معتبرة أن هذه المنظمة فشلت في تقديم الدعم الكافي لمعالجة التحديات الأمنية.

كان هذا التحول مدفوعًا بعدم الرضا عن الدعم العسكري الفرنسي في المنطقة، حيث تعرضت التدخلات العسكرية الفرنسية لانتقادات واسعة من قبل الحكومات العسكرية التي ترى أنها لم تساهم بشكل كافٍ في استقرار المنطقة. فبعد إعلان انسحاب هذه الدول من “إيكواس”، وجهت تلك الحكومات اللوم إلى فرنسا على ما اعتبرته تعميقًا للمشكلات الأمنية، مما دفع الدول الثلاث إلى البحث عن شركاء جدد، مثل روسيا، لتعزيز التحالفات العسكرية والاقتصادية في المنطقة. إذْ يسلط هذا التغيير في التحالفات الضوء على الصراع الجيوسياسي المستمر في منطقة الساحل بين القوى الغربية والقوى الساعية إلى زيادة نفوذها في المنطقة.

إضافة إلى ذلك، فإنّ قرار تشكيل هذه القوة الموحدة يشير إلى رغبة الدول الثلاث في تجنب الانصياع للمطالب الغربية والحفاظ على سيادتها في مواجهة التحديات الأمنية. في ظل هذه الظروف، فإن العلاقة مع فرنسا قد شهدت تدهورًا، وقد تشهد توترات متزايدة في المستقبل، خاصة في ظل التحولات السياسية الجارية في دول الساحل. هذا التغيير في الديناميكيات العسكرية والدبلوماسية يعكس تحولًا في المواقف داخل المنطقة، وقد يؤثر بشكل كبير على مستقبل العلاقات الدولية لهذه الدول.

4. التحديات اللوجستية والإدارية لتنفيذ المبادرة

على الرغم من أهمية القوة الموحدة بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، فإن تنفيذ هذه المبادرة العسكرية لا يخلو من التحديات اللوجستية الكبيرة. فالدول الثلاث تواجه تحديات كبيرة في تأمين الإمدادات العسكرية والتنسيق بين القوات المسلحة لهذه البلدان. فالحدود المشتركة بين هذه الدول تمتد على مساحات واسعة وصعبة التضاريس، مما يجعل التنسيق بين القوات العسكرية أمرًا معقدًا. علاوة على ذلك، فإن هذه البلدان لا تمتلك بالضرورة البنية التحتية الكافية التي تدعم تحركات وحدات عسكرية ضخمة في المنطقة.

من التحديات الكبرى أيضًا، توفير الدعم اللوجستي الدائم للعمليات العسكرية، بما في ذلك تأمين الإمدادات الغذائية والطبية، فضلاً عن التدريب المستمر للجنود على استخدام المعدات العسكرية الحديثة. وفي الوقت ذاته، تعتبر القضايا الاستخباراتية من أبرز المعوقات التي قد تواجه القوة الموحدة، حيث تحتاج الدول الثلاث إلى تحسين التعاون الاستخباراتي بينها، خاصة مع وجود جماعات إرهابية تعمل عبر الحدود بين هذه الدول.

أخيرًا، فإن تعزيز التعاون بين هذه القوات يحتاج إلى تبادل مستمر للمعلومات والتكامل بين الأنظمة المختلفة للأجهزة الأمنية. ومع ذلك، فإن التكامل بين هذه القوات سيكون بمثابة نقطة تحول في تحسين التنسيق الأمني بين دول الساحل، مما يعزز قدرتها على مواجهة التهديدات في المستقبل.

5. التحديات المستقبلية وآفاق القوة الموحدة

إن القوة الموحدة بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، ولكن من الصعب تحديد مدى نجاح هذه القوة في المستقبل. التهديدات الأمنية التي تواجه هذه الدول من الجماعات الجهادية لا تزال كبيرة، خاصة مع انتشار هذه الجماعات في مناطق نائية وذات تضاريس صعبة. كما أن تنفيذ العمليات العسكرية المتزامنة عبر هذه الحدود قد يواجه صعوبات في التنسيق بين القوات المختلفة.

من ناحية أخرى، فإن تعزيز التعاون بين هذه الدول يمكن أن يوفر فرصة كبيرة لتطوير إستراتيجيات أمنية فعّالة عبر حدودها المشتركة. فإذا نجحت الدول الثلاث في تأمين التنسيق العسكري والتعاون في الاستخبارات، فإن هذه القوة الموحدة قد تشكل نموذجًا لتعاون عسكري مستدام في المنطقة. ومع ذلك، فإن المستقبل لا يزال غامضًا في ظل الأوضاع السياسية غير المستقرة والصراعات المستمرة في المنطقة. فإذا نجحت هذه المبادرة في تحقيق استقرار طويل الأمد في الساحل، فقد تساهم بشكل كبير في تحسين الوضع الأمني وتعزيز التنسيق بين الدول الأفريقية في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.

في الختام، يتضح أن الدول الثلاث – النيجر، بوركينا فاسو، ومالي – قد اختارت الاستقلالية في التعامل مع التهديدات الأمنية التي تواجهها، وهو خيار يعكس تطورًا في التفكير الاستراتيجي داخل القارة الإفريقية. بينما تظل التحديات اللوجستية والعملية أمام القوة الموحدة قائمة، فإن هذه الخطوة تعكس إرادة قوية في توحيد الصفوف لمواجهة الإرهاب والجماعات المسلحة بشكل مستقل. على المدى الطويل، يظهر أن تعزيز التعاون العسكري الإقليمي بين دول إفريقيا يمكن أن يكون بديلاً أكثر استدامة وفاعلية من الاعتماد على التدخلات العسكرية الأجنبية التي قد تؤدي إلى تعقيد الوضع الأمني أكثر.

اترك تعليقاً

إغلاق