أخبار
زيارة مدير جهاز المخابرات الأمريكية السرية إلى الصومال وسط توترات ومخاطر تهدد المنطقة
زار مدير وكالة المخابرات الأمريكية وليم بيرينز مقديشو وعدد من العواصم الإفريقية سرا، في مطلع نوفمبر الحالي في ظل حالة من عدم القين، وتصاعد التوترات وتخلق اصطفافات قد تقود إلى مواجهات تزيد حالة الفوضى وعدم الاستقرار، خاصة وأن البحر الأحمر على ضفتيه الجنوبيتين، في اضطراب منذ بداية حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فما هي سياقات الزيارة والأجندة التي قادت بيرينز إلى القرن الإفريقي للمرة الثانية خلال هذا العام حيث كان في مقديشوا أيضا في يناير بداية العام لأسباب ودواع أخرى، يسلط فريق افرو بوليسي الأضواء على طبيعة الزيارة ويحلل بواعث القلق عند الولايات المتحدة، وأهم اتجاهات وتطورات الأحداث التي تقف وراء ذلك؟
سياقات الزيارة
• ليس غريبا بطبيعة الحال زيارة مدير المخابرات الأمريكية إلى الصومال، حيث تعتبر الولايات المتحدة شريكا رئيسيا في عمليات محاربة حركة الشباب والمنظمات الشبيهة لها، فضلا عن عملها في تقديم الدعم مع شركائها في بناء قدرات الأجهزة الأمنية والعسكرية الصومالية في مسار إدارة بناء الدولة وتعزيز قدرتها على بسط سيطرتها في البلاد، إضافة مراقبة الديناميكيات الأمنية في البحر الأحمر واليمن الذي أصبح في حالة اشتباك مباشر في الحرب الدائرة ضد غزة.
• تتواجد عدد من القواعد لوكالة المخابرات الأمريكية في الصومال، حيث يعمل ما مجموعه 500 عنصر تقريبا ينخرطون في الشأن الأمني الخاص بتتبع عناصر المنظمات المتطرفة، وعملياتها، وتقديم المساعدة في بعض العمليات التي لا تملك فيها أجهزة الحكومة الصومالية الأمنية، مثل الدرونز، وتبادل المعلومات بشأنها بما يمكن من مواجهتها، وتحييد عملياتها قبل وقوعها، فضلا هن وجود أكبر القواعد الأمريكية في إفريقيا في جيبوتي (أفريكوم)، وهي التي تشرف على أنشطة وأعمال القوات الأمريكية في إفريقيا.
أجندة الزيارة
جاءت زيارة بيرينز في سياق سري غير معلن عنه وقد جاء في بيان الرئاسة الصومالية أن الرئيس حسن شيخ التقى المسؤول الأمريكي برفقة مدير المخابرات والأمن الوطني الصومالي عبد الله سنبلوشي وأن الطرفين ناقشا عددا من القضايا المشتركة كان ملخصها على النحول التالي:
• تعزيز الشراكة بين الصومال والولايات المتحدة الأمريكية
• التعاون الاستخباراتي بين الطرفين
• مناقشة استراتيجيات مكافحة الإرهاب
• التوترات في منطقة القرن الإفريقي
• دعم الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب الدولي
• تعزيز الاستقرار الإقليمي
هذه عناوين ما رشح عن زيارة رئيس المخابرات الأمريكية، وهي الأجندة الراتبة التي درجت الأطراف على العمل عليها، ولكن ثمة تطورات تشكل مبعث قلق للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وتخشى أن تتفاقم وتخرج عن نطاق السيطرة.
بواعث القلق الأمريكي
تضع الولايات المتحدة الأمريكية استقرار وأمن منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر في أولويات أمنها القومي وفي مقدمة اهتماماتها واستراتيجياتها، للأهمية الجيوسياسية التي تتمتع بها المنطقة، في ظل تنافس محموم مع أكثر من فاعل دولي وعدد من الفاعلين الإقليميين، وتحرص على المحافظة على تفوق استراتيجيتها، بالتوازي مع هيمنتها على نطاق أمن الخليج العربي، وأرست لذلك وجودا معززا في منطقة القرن الإفريقي، مع حلفاء محليين يحققون بعض أبعاد رؤيتها للمنطقة.
• تطور ديناميكيات الإقليم:
جرت في منطقة القرن الإفريقي تطورات خطيرة وضعت المنطقة على حافة الحرب وهاويتها، تداخلت فيها عناصر عديدة، أضيفت إلى الزعازع الداخلية لعدد من الدول، ففي السودان تدور حرب طاحنة ومتعددة الأطراف والأهداف منذ ابريل 2023، وإثيوبيا، خرجت من حرب استمرت سنتين في إقليم التقراي لتدخل حرب أخرى في إقليم الأمهرا، إلى جانب مواجهات متقطعة في إقليم الأرومو بوتيرة اقل، فيمكن رصد عدد من التطورات المقلقة بالنسبة للولايات المتحدة:
• تداعيات اتفاق التعاون المصري الصومالي:
ترتب على اتفاقية التعاون بين مصر والصومال حضور مصري أمني وعسكري متوقع في أي لحظة أثار مخاوف إثيوبيا بقوة وهددت بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي، وأنه يشكل تهديدا لأمنها القومي ما صعد الموقف بين البلدين، تحركت على إثره إثيوبيا عبر حلفائها المحليين في الصومال باعتبارها ضامن لأمن عدد من الأقاليم فيما يخص محاربة الحركات المتطرفة، أدى إلى توتر العلاقات بين تلك الأقاليم والحكومة الفيدرالية.
• التحالف الثلاثي بين مصر وإرتريا والصومال:
في إطار محاصرة إثيوبيا ومنعها من تنفيذ مذكرة التفاهم مع أرض الصومال، وربما يستبطن أجندة تخص إرتريا تجاه إثيوبيا، نشأ تحالف بين الدول الثلاث شكل مصدر قلق لإثيوبيا، وهو ما دعاها أن تحذر الولايات المتحدة من نشر قوات مصرية في الصومال، وبالتالي يشكل قلقا لها لجهة أن الولايات المتحدة فشلت سابقا في تقديم مقاربة لحل الخلاف حول سد النهضة الذي يقف خلف كثير من التحركات المصرية مؤخراً، ولا يبدوا حتى اللحظة أن هناك تصور لحل ودي تفاوضي.
• بعثة الاتحاد الإفريقي وبوادر أزمة جديدة:
من المقرر ان تنهي بعثة “أتميس” مهامها بنهاية هذا العام، وتخلفها بعثة أطلق عليها “أوصوم” مع بداية العام الجديد وترغب مصر في المشاركة فيها مع إصرار الصومال على عدم التجديد للقوات الإثيوبية التي تطالبها بالمغادرة، وتحاول إثيوبيا الالتفاف على الرغبة الصومالية، بالتواصل مع وإقناع الأقاليم التي تتواجد فيها، وهو ما نجحت فيه إلى حد الآن حسب مراقبين، أضاف هذا مزيدا من التوتر في المنطقة، ومرشح للمزيد لوجود تباينات داخلية في الصومال حول الأمر، وقد قام الرئيس حسن شيخ مؤخرا بجولة للدول المساهمة في القوات الإفريقية في محاولة لإقناعها بعدم التجديد للقوات الإثيوبية، ونعتقد أـن تأسيس البعثة الجديدة قد يقود الأزمة إلى مستوى أعلى يقترب من المواجهات الفعلية إن لم يكن كذلك فعلا، وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تثق في شراكة إثيوبيا فيما يخص مواجهة حركة الشباب وتخشى في حال انسحابها تحت إلحاح الصومال خسارة الخبرة التي تراكمت لدى إثيوبيا أمنيا وعسكريا، وحدوث فراغ تستغله الحركة للتمدد مرة أخرى بشكل أوسع.
• أزمة أرض الصومال:
يواجه أرض الصومال عددا من الأزمات التي تهدد المنطقة إذا قدر لاتجاهات الأحداث فيها أن تكون متصاعدة وتتسع رقعتها:
• الاضطرابات الداخلية: يواجه الإقليم أزمة أمنية وخلافات بارزة مع محافظة “خاتوم” منذ ما يزيد على عامين، زادته المذكرة التي وقعها رئيس الإقليم السيد “موسى بيحي” مع إثيوبيا في مطلع العام، مستوى آخر من التوتر، عبر إثارة مكونات أخرى ضد حكومة بيحي وهو ما يوسع نطاق الاضرابات في الإقليم، وتلعب فيه فواعل أخرى لها مصلحة دورا إضافيا.
• تداعيات فشل بيحي في الانتخابات: تأجلت انتخابات الإقليم عدة مرات بسبب تدهور الأحوال الاقتصادية وسوء الإدارة والخلافات الداخلية، في الإقليم، وبعد ضغوط كثيرة تقرر انعقادها في 13 نوفمبر الجاري، وفي ظل التوتر الذي سببته المذكرة الشهيرة، مع الحكومة الفيدرالية والحراك الذي أحدثته، بات نجاح الرئيس الحالي للإقليم على المحك وهو ما يكمن أن يبعثر كثيرا من الأوراق، ويدفع باتجاه تصعيد أمني يتسبب في انزلاق المنطقة باسرها نحو حرب شاملة.
• أزمة المذكرة: ترتبط أزمة المذكرة وتنفيذها بقضايا يعتبرها طرفي المذكرة أمرا مصيريا بالنسبة لهما، ومخرج من عدد من الأزمات لدى كلا الطرفين ولذلك هناك إصرار للوصول بها إلى نهايتها مهما كلف الأمر، بينما يعتبر الصومال بالنسبة له قضية وجود، وبدأ في بناء استراتيجية لحماية مياهها ومنع الطرفين من الوصول إلى مبتغاهما، عبر الشروع في تحالفات مع تركيا ومصر وإرتريا وربما أطراف أخرى، وهي بلا شك قنبلة خطيرة بحاجة إلى نزع فتيل، ولكن الملاحظ أن الولايات المتحدة هنا لم تبد اي مبادرات للحل وهو أمر استغربه المراقبين.
• مخاطر التدخل الإرتري:
تدرك الولايات المتحدة الأمريكية الدور الإرتري في المنطقة والذي برز كدور قائد ومبادر خاصة في الفترة الأخيرة، لا سيما وأن التحالف الثلاثي نشأ في عاصمتها أسمرا، مع وجود خلاف كبير مع إثيوبيا التي تتهمها بدعم وإسناد مليشيا “فانوا” في إقليم الأمهرا، ويزيد هذا قلقا لدى الإدارة الأمريكية لجهة كونه اتجاه يدفع إلى مزيد من التوتير في المنطقة، وقد رشح في بعض الوسائط الإعلامية أن مدير المخابرات الأمريكية بيرينز أظهر للرئيس الصومالي عدم ارتياحهم لوجود إرتريا القوي في القضايا التي تشكل المشهد في المنطقة في الوقت الراهن.
• تهديدات المنظمات المتطرفة:
تشكل حالة الاضطرابات التي تعتري المنطقة لعوامل متعددة، فرصة لتمدد المنظمات المتطرفة، فقد رشحت تقارير عدة منذ منتصف هذا العام تتحدث عن تحركات لهذه المنظمات على ضفتي جنوب البحر الأحمر ويمكن رصد بواعث القلق لدى الإدارة الأمريكية في التالي:
• تنظيم الدولة الإسلامية: أصدرت مجموعة الأزمات الدولية في سبتمبر الماضي تقريرا عن تنظيم الدولة الإسلامية والمعروف اصطلاحا بـ “داعش” قائلا إن التنظيم قد أعاد تشكيل نفسه في الصومال كجزء من شبكة الجماعات الجهادية العالمية، وأنه يمتلك قوة كبيرة في الصومال رغم أنه لا يشكل تهديدا مباشرا في الوقت الراهن مقارنة بحركة الشباب، وأن التنظيم قد وجد فرصة لإعادة تموضعه بعد ازدياد الفجوة بين الحكومة الفيدرالية وإقليم بونت لاند الذي يتمركز فيه التنظيم، وحذر التقرير من طموح التنظيم المستقبلي بالتخطيط للسيطرة على بونت لاند كمقدمة للتمدد في كافة الجغرافية الصومالية ومنطقة شرق إفريقيا.
• تحالف الأضداد: في تطور لافت، تحدثت منذ فترة عدد من التقارير عن محادثات بين جماعة أنصار الله ” الحوثيين” في اليمن وحركة شباب المجاهدين الصومالية، تم بموجبها حسب التقارير تزويد الحوثيين بصواريخ وعتاد عسكري بملايين الدولات لحركة الشباب، إضافة إلى التنسيق وتبادل الخبرات مع تنظيم القاعدة، وهو ما يرفع وتيرة القلق الأمريكي بطبيعة الحال في ظل انشغال دول المنطقة، بالمستجدات البينية، عن مواجهة تهديد هذه المنظمات، مع أخبار تم تداولها على نطاق واسع بإشراف إيران على تأسيس تحالف أطلق عليه “جبهة مقاومة” في المنطقة، بل وذهبت بعض التقارير إلى تأسيس الحوثيين لشبكة استخباراتية في عدد من دول القرن الإفريقي.
خلاصة
ما لا يختلف عليه المتابعون لشأن المنطقة هو أنها في حالة غليان حقيقي، وتفاعلات وتحركات قد يدفع ثمنها الإقليم، إذا لم تتحرك الأطراف التي يعنيها استقرار المنطقة، مثل عودة مسار الوساطة التركية أو مبادرة تهدئة تسبق محادثات يتوسط فيها الاتحاد الإفريقي، إذ أن مجريات الأحداث ومسارات تطورها لا تدل على مؤشرات إيجابية، فما هي التوازنات التي تسعى الولايات المتحدة أن تحافظ عليها، إزاء التطورات السلبية المتسارعة في المنطقة والتي تتفاعل كالبركان.
وأخيرا وليس آخرا هل سنرى تراجع إثيوبيا عن المذكرة مقابل بقاء قواتها في الصومال، أم أن سقوط موسى بيحي سيكتب نهاية تداعيات المذكرة، وهل لدى الولايات المتحدة الأمريكية رؤية للحل أم أن اعتمادها المقاربات الأمنية سيكون هو المسار الوحيد، للتعامل مع هذه التطورات وكيف ستتعامل مع خلافات حلفائها في المنطقة؟.