أخبار

كيف يمكن لجوازات السفر البيومترية لتحالف دول الساحل أن تعيد تشكيل المنطقة ؟

يُعَدُّ قرار إصدار جوازات السفر البيومترية لدول الساحل من قبل مالي وبوركينا فاسو والنيجر جزءً من استراتيجية عملية انسحابها من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي انبثق عنها تشكيل تحالف جديد يُعرف باسم “تحالف دول الساحل، ويختصر بـ (AES)”.

أُعلن هذا التطور من قبل قائد الجيش المالي ورئيس المجلس العسكري الانتقالي، العقيد عاصمي غويتا، في 15 سبتمبر 2024، في وقت تواصل فيه الدول الثلاث، التي تخضع جميعها لحكم عسكري، الابتعاد عن إيكواس، وهي كتلة إقليمية تتهمها هذه الدول بأنها تحت تأثير القوى الاستعمارية السابقة، لا سيما فرنسا.

تأسس تحالف الساحل  رسمياً في 16 سبتمبر 2023، ويهدف إلى تعزيز التعاون بين دوله الأعضاء. ويعكس هذا التحالف تحولاً في الديناميكيات الجيوسياسية لمنطقة الساحل؛ حيث يركز على التكامل الداخلي ويرفض التأثيرات الخارجية، خاصة من الدول الغربية. وفي هذا السياق الجديد، من المقرر إصدار جوازات السفر البيومترية في الأيام المقبلة لتوحيد وثائق السفر وتسهيل التنقل داخل دول التحالف وعلى مستوى العالم.

ويأتي هذا التحرك بعد إعلان بوركينا فاسو في أوائل سبتمبر 2024 عن إصدار جوازات سفر جديدة دون شعار إيكواس، مما يمثل خطوة مهمة في إعادة تعريف هوياتها الوطنية وقطع العلاقات مع إيكواس. ويتزامن الإعلان مع الذكرى السنوية الأولى للتحالف، الذي يخطط أيضًا لإطلاق قناة معلومات مشتركة لتوحيد وسائل الإعلام عبر مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وقد قوبل قرار الانسحاب من إيكواس بمخاوف من قبل الكتلة الإقليمية، التي طالما كانت موجودة لمدة 49 عامًا وتعمل ككتلة اقتصادية وسياسية في المنطقة. وأشارت إيكواس إلى أنّ انسحاب هذه الدول يمكن أن يعطل حرية حركة الأشخاص والبضائع لما يقرب من 400 مليون مواطن داخل الدول الأعضاء.

وللتحالف الجديد تداعيات أكبر تتجاوز مجرد السياسة الإقليمية. فقد واجهت هذه الدول الثلاث تهديدات مستمرة من الجماعات المتمردة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، التي أدت أنشطتها إلى زعزعة استقرار المنطقة منذ عام 2012. وقد اتهم أعضاء تحالفُ الساحلِ إيكواسَ بعدم دعم جهودهم ضد هؤلاء المتمردين، وبدلاً من ذلك، تقربوا بشكل أكبر من روسيا بعد قطع العلاقات مع فرنسا. وقد تصاعدت التوترات أكثر بسبب اتهامات وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، الذي زعم أن أوكرانيا تدعم الجماعات المسلحة الإرهابية في منطقة الساحل، مما دفع مالي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا، واتخاذ دول أخرى، مثل النيجر، مواقف مماثلة.

ويشير هذا التحالف الجديد وخطواته، مثل جوازات السفر البيومترية، إلى إعادة توجيه كبير للمشهد السياسي في منطقة الساحل، مما يعكس رفض النفوذ الغربي والتركيز على الاستقلال الذاتي والتكامل الداخلي الإقليمي. ويهدف تحالف الساحل إلى تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والأمن والاقتصاد، مع التأكيد على حق تقرير المصير ومقاومة التدخلات الخارجية.

التداعيات، الآثار، والنتائج المحتملة لهذه الخطوة

إن إنشاء تحالف دول الساحل (AES) من قبل مالي وبوركينا فاسو والنيجر يمثل انحرافاً كبيراً عن النظام الإقليمي القائم في غرب إفريقيا. إذْ يسعى هذا التحالف الجديد، الذي بادرت به الحكومات العسكرية لهذه الدول الثلاث، إلى إعادة تعريف الديناميكيات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية من خلال الابتعاد عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) والبحث عن بدائل للنفوذ الغربي التقليدي.

ومن أجل فهم أوسع لتداعيات هذه الخطوة المثيرة، سيناقش فريق المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات أفروبوليسي) خمس وجهات نظر مختلفة حول الآثار والنتائج المحتملة لهذه الخطوة:

1. القبول المحلي والإقليمي لقرار إصدار جواز سفر بيومتري جديد

في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يُنظر إلى إنشاء تحالف دول الساحل من قبل العديد من المجتمعات المحلية على أنه تأكيد قوي للفخر الوطني والسيادة. إذْ يشعر المواطنون في هذه البلدان بالإحباط المتزايد من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا؛ حيث يرون أنها غير فعالة وتخضع بشكل كبير لتأثير القوى الأجنبية، وخاصة فرنسا. فيُعدّ قرار إصدار جواز سفر بيومتري جديد بدون شعار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا خطوة رمزية لاستعادة السيادة وإعادة تعريف الهوية الوطنية.

ومع ذلك، فإنّ هذه الخطوة الجريئة لا تخلو من تحدياتها. قد يؤدي الابتعاد عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى تراجع التضامن والتعاون الإقليمي، مما يؤثر على سبل العيش لملايين الأشخاص الذين يعتمدون على التجارة عبر الحدود وحرية الحركة.

ففي المجتمعات الزراعية الحدودية، على سبيل المثال، يخشى المزارعون والتجار أن يؤدي الخروج من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى فرض تعريفات جمركية أو قيود جديدة، مما يعقد الوصول إلى الأسواق والخدمات الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن يؤدي الخروج من المجموعة إلى عزل هذه الدول اقتصادياً وسياسياً، مما يقلل من قدرتها على التأثير في شؤون غرب إفريقيا بشكل أوسع.

أما ردود الفعل الإقليمية الأوسع فهي تبدو مختلطة. في حين تُعْجب بعض الدول المجاورة بجرأة مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تخشى أخرى من الآثار المحتملة المزعزعة للاستقرار في غرب إفريقيا. فتخشى الدول الأصغر، خاصة تلك داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، أنْ يشجع هذا الانشقاق دولاً أخرى على إعادة النظر في عضويتها، مما يضعف القوة الجماعية وتماسك الكتلة.

2. التداعيات الجيوسياسية

جيوسياسياً، يمثل تشكيل تحالف دول الساحل إعادة ترتيب للتحالفات وديناميكيات القوة داخل منطقة الساحل وغرب إفريقيا الأوسع. فمن خلال الابتعاد عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، تُعبِّر كلٌّ من مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى استيائها من الهياكل الإقليمية القائمة ونيتها إنشاء نظام جديد يتماشى أكثر مع مصالحها الاستراتيجية. لقد اقترنت هذه الخطوة بتحول واضح بعيداً عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، وتحول نحو روسيا التي أصبحت نشطة بشكل متزايد في المنطقة.

إعادة رسم التحالفات هذا يمثل تحدياً للتوازن القائم للقوى في غرب إفريقيا. ويثير تساؤلات حول الدور المستقبلي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وقدرتها على الحفاظ على نفوذها دون مشاركة ثلاث من أكبر دولها الأعضاء. من المحتمل أن يجذب تحالف دول الساحل دولاً أخرى في المنطقة تشترك في الإحباط من الوضع الراهن، مما يؤدي إلى إنشاء كتلة جديدة تتنافس مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على القيادة الإقليمية. ومع ذلك، يظل هذا التحالف الجديد هشاً، حيث يعتمد بشكل كبير على السلطة الشخصية للقادة العسكريين وقدرتهم على تحقيق نتائج ملموسة لشعوبهم.

علاوة على ذلك، قد يؤدي التحول في التحالفات إلى دعوة لاعبين خارجيين جدد إلى المنطقة. وقد يشير تزايد تورط روسيا وتعميق العلاقات مؤخراً مع الصين إلى منافسة جيوسياسية أوسع في منطقة الساحل، حيث تتنافس القوى العالمية على النفوذ. وقد يؤدي ذلك إلى شكل جديد من المنافسة يشبه ديناميكيات الحرب الباردة، مما قد يعقد المشهد الدبلوماسي للمنطقة.

3. التحديات الاقتصادية والفرص المحتملة

اقتصادياً، يمثل الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مجموعة معقدة من التحديات والفرص لمالي وبوركينا فاسو والنيجر. إذْ كانت توفر إيكواس إطاراً حاسماً للتكامل الاقتصادي وتسهيل التجارة وقوة التفاوض الجماعي. فقد يهدد الخروج من هذه الكتلة هذه الفوائد، مما يؤدي إلى تقليل الوصول إلى الأسواق الإقليمية والشبكات المالية وتمويل التنمية. فعلى سبيل المثال، قد تواجه الصناعات مثل صناعة النسيج في بوركينا فاسو وتربية الماشية في النيجر والتعدين في مالي، التي تعتمد بشكل كبير على طرق التجارة والشراكات الإقليمية، عوائق جديدة.

ومن ناحية أخرى، يفتح هذا التحول أيضاً فرصاً لهذه الدول لاستكشاف شراكات ونماذج اقتصادية بديلة. ويتمتع تحالف دول الساحل بإمكانية تعزيز التجارة والتعاون داخل المنطقة، لا سيما في القطاعات مثل الزراعة والمعادن والطاقة، حيث تمتلك الدول الأعضاء قدرات تكاملية.

لكن، سيعتمد نجاح هذه الاستراتيجية بشكل كبير على قدرة التحالف على بناء البنية التحتية اللازمة — مثل شبكات النقل وأنظمة الخدمات اللوجستية التجارية — وتأمين الاستثمارات من الشركاء غير الغربيين، خصوصاً روسيا والصين، اللذين أبديا اهتماماً متزايداً بتوسيع نفوذهما في إفريقيا.

وعلى الرغم من ذلك، فإن تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قد يكون مكلفاً ويستغرق وقتاً طويلاً. سيحتاج تحالف دول الساحل إلى التفاوض بشأن اتفاقيات تجارية جديدة وإنشاء آليات لتبادل العملات والمعاملات المالية، التي كانت تُيسر سابقاً من خلال أطر المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. ومن دون تخطيط دقيق، يمكن أن يؤدي التأثير الاقتصادي إلى التضخم وتباطؤ معدلات النمو وارتفاع البطالة، مما قد يزيد من حدة التوترات الاجتماعية.

4. الآثار الأمنية

إن المشهد الأمني يُعدّ بُعداً آخر حيوياً حيث ستتجلى آثار التحالف الجديد بوضوح. فقد عانت منطقة الساحل من التطرف العنيف والتمرد لأكثر من عقد من الزمان، حيث استغلت الجماعات المرتبطة بالقاعدة وداعش الهياكل الضعيفة للدولة والتظلمات المحلية. وانتقدت الدول الثلاث الأعضاء في تحالف دول الساحل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لفشلها في توفير الدعم الكافي ضد هذه التهديدات، بحجة أنها كانت تعتمد بشكل كبير على الاستراتيجيات العسكرية الغربية التي أثبتت عدم فعاليتها.

ومن خلال تشكيل تحالفها الخاص، تهدف هذه الدول إلى تطوير نهج أكثر توحيداً ومصمماً للأمن الإقليمي. من المحتمل أن يتبعوا استراتيجية تركز على العمليات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية وإنشاء قوة استجابة سريعة. ومع ذلك، يأتي هذا النهج الجديد مع مخاطر جمّة. فبدون دعم إقليمي ودولي أوسع، قد يواجه تحالف دول الساحل صعوبة في الحفاظ على جهوده العسكرية ضد الجماعات المسلحة والتنظيمات المتشددة المنظمة.

علاوة على ذلك، فإن إعادة التوجه الجيوسياسي نحو روسيا والابتعاد عن الحلفاء الغربيين التقليديين قد يقلل من الوصول إلى المساعدات والدعم العسكري الحيوي، بما في ذلك التدريب والمعدات والتمويل. قد يؤدي هذا إلى إضعاف قدرة دول التحالف على مكافحة التمرد بفعالية، مما قد يؤدي إلى تصاعد العنف الذي يمكن أن يمتد إلى الدول المجاورة، مما يهدد أمن المنطقة بأكملها.

5. التداعيات العالمية واختبار مرونة النظام الدولي

إن إنشاء تحالف دول الساحل ليس مجرد مسألة إقليمية؛ بل يحمل دلالات عالمية كبيرة. يُظهر هذا التحالف بانحرافه عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وتحوله نحو شركاء عالميين جدد مثل روسيا رفضاً للنظام الدولي القائم الذي تأثر بشكل كبير بالقوى الغربية. قد تشجع هذه الخطوة دولاً أخرى في إفريقيا وخارجها على تحدي التحالفات التقليدية والبحث عن شراكات جديدة تتماشى بشكل أكبر مع مصالحها وقيمها.

ومع ذلك، فإن هذه الجرأة الجديدة تقدم أيضاً اختباراً لقدرة هذه الدول على التحمل. فعلى الرغم من أن التحالف مع قوى جديدة قد يوفر مكاسب قصيرة الأجل من حيث الدعم العسكري أو الاقتصادي، فإنه قد يؤدي أيضاً إلى ظهور أشكال جديدة من الاعتماد. إن تورط روسيا، وربما الصين، في المنطقة يُضيف طبقة من التعقيد والمنافسة التي قد تُزعزع السلام الهش في منطقة الساحل.

علاوة على هذا، فإن الاستجابة العالمية لهذا التحالف الجديد ستحدد مستقبل تحالف دول الساحل. إذا اختارت القوى الغربية عزل هذه الدول دبلوماسياً أو اقتصادياً، فقد يدفعها ذلك أكثر نحو حلفائها الجدد، مما يؤدي إلى تشكيل كتلة أكثر مقاومة للتأثير الغربي. وفي المقابل، فإن استراتيجية الحوار والانخراط قد تساعد في تخفيف التوترات والحفاظ على مستوى من التعاون في القضايا الرئيسية مثل مكافحة الإرهاب والتنمية.

خلاصة

إنّ قرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر بإنشاء تحالف دول الساحل يمثل مخاطرة كبيرة بنتائج غير مؤكدة. وبينما يوفر هذا التحالف وعداً بسيادة أكبر وتكامل إقليمي، فإنه يطرح أيضاً مخاطر العزلة الاقتصادية وزيادة عدم الاستقرار الأمني وظهور أشكال جديدة من التبعية. وبينما تسير هذه الدول في هذا المسار المعقد، فإن نجاحها أو فشلها سيكون له تداعيات عميقة ليس فقط على مواطنيها، بل على المنطقة بأسرها، وهي تواجه أسئلة حول الاستقلال والتعاون والمقاومة أمام النفوذ الخارجي.

المصدر / افروبوليسي

اترك تعليقاً

إغلاق