أخبار
الانتخابات الرئاسية التونسية 2024
تأتي الانتخابات الرئاسية التونسية المقرر إجراؤها في 6 أكتوبر 2024 في مرحلة حرجة بالنسبة للبلاد. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، اتسمت إدارة الرئيس قيس سعيد باضطرابات سياسية كبيرة وقرارات مثيرة للجدل، مما أثار تساؤلات حول الاتجاه المستقبلي لتونس. لقد أثار ترسيخ سعيد لسلطته منذ انتخابه في عام 2019 والإجراءات اللاحقة، بما في ذلك حل البرلمان في عام 2021، جدلا واسع النطاق على المستويين المحلي والدولي. تقدم هذه المقالة لمحة عامة عن الأحداث الرئيسية خلال رئاسة سعيد، والمناخ السياسي الحالي، وآفاق الانتخابات المقبلة.
المشهد السياسي ورئاسة سعيد
بدأت رئاسة قيس سعيد بوعد بالإصلاح وتدابير مكافحة الفساد. ومع ذلك، اتسمت فترة ولايته بزيادة مركزية السلطة. في 25 يوليو 2021، قام الرئيس التونسي بتفعيل قانون الطوارئ لإقالة رئيس الوزراء المعين من طرفه وتعليق البرلمان، وقام بإلغاء دستور سنة 2014 وتعويضه بمرسوم رئاسي واجراءات استثنائية، وهي الإجراءات التي بررها بأنها ضرورية لمكافحة الفساد السياسي والركود الاقتصادي. ومع ذلك، فقد اعتبر معارضوه والمراقبون الدوليون هذه الخطوة على نطاق واسع بمثابة انقلاب. وبقية البلاد قرابة الشهر ونصف من دون حكومة إلى حدود 12 أيلول 2021. وفي مارس 2022 أعلن سعيد عن إلغاء البرلمان ودعا إلى استفتاء دستوري على دستور جديد عوض دستور 2014.
وتم إجراء هذا الاستفتاء الذي عرف نسبة اقبال هي الأضعاف في تاريخ الانتخابات التونسية بصفة عامة، حيث بلغت نسبة مقاطعة 72 % من نسب المسجلين، وبعدها أجريت انتخابات تشريعية في أواخر سنة 2022 عرفت هذه الانتخابات نسبة إقبال هي الأضعف في تاريخ الانتخابات التونسية حيث بلغت نسبة المشاركين 11% ونسبة المقاطعين قرابة 89 %.
تعكس هذه الأرقام والنسب تراجع الإقبال الشعبي على الشأن السياسي العام، وتعكس دعوات أحزاب المعارضة لمقاطعات كل هذه الأنشطة الانتخابية والسياسية، كما أناه تمكننا من قراءة تراجع شعبية الرئيس التونسي. ففي بداية فترة حكم الرئيس قيس سعيد في سنة 2019 كان يتمتع بشعبية كبيرة إلى حدود عشية 25 أيلول 2021 كان شعبية قيس سعيد قد ازدادت بعد الاجراءات التي اتخذها.
ولكن مع أواخر سنة 2021 وبداية سنة 2022 بدأت شعبية الرئيس في التراجع وذلك بسبب انفراده بالقرارات السياسية وعودة الآلة القمعية في تونس للفتك بكل الأصوات المعارضة لسياسات قيس سعيد، وفي ظل فشل سياسته الحكومية في حل المعضلة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد التونسية، إذ تدهورت كثيرا المقدرة الشرائية وتفاقمت ظاهرة البطالة كما شهد الأسواق فقدان لمعظم المواد الأساسية خلال سنوات حكمه.
على مدى السنوات الخمس الماضية، أجرى سعيد تعديلات متكررة على حكومته، ففي 2020 قام بتعين هشام المشيشي والذي تم إقالته في 25 يوليو ومن ثم قام بتعيين نجلاء بودن في أيلول 2021 وتم اقالتها في أغسطس 2023 وهي أطول فترة حكومية خلال رئاسة قيس سعيد وفي أغسطس 2023 قام بتعيين أحمد الحشاني والذي أقيل في 25 أغسطس 2024 تزامن إجراء تعديل وزاري كبير في 25 أغسطس 2024، قبل أسابيع فقط من الانتخابات المقبلة. وشهد هذا التعديل استبدال 22 من أصل 30 وزيرا، وهي الخطوة التي فسرها الرئيس سعيد بأنها ضرورية لحماية الأمن القومي على حد تعبيره، في حين تم تفسيرها من قبل المعارضة على أنها محاولة من جانب سعيد لفرض السيطرة والقضاء على المعارضة داخل حكومته، كما يذهب المنتقدون إلى أن هذه الإجراءات تعكس اتجاها أوسع للاستبداد وقمع المعارضة السياسية.
الأزمة السياسية والقمع
واجهت إدارة سعيد أزمات متعددة، بما في ذلك الوضع الاقتصادي المتدهور والقمع السياسي المتزايد. أدت سياسات الرئيس إلى انتقادات واسعة النطاق من جماعات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان. اذ أشار تقرير من هيومان رايتس ووتش الأخير إلى سياسة قمع المعارضين السياسيين، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية واستخدام المراسيم للحد من حرية التعبير.
كما عرفت خلال فترة حكم الرئيس سعيد العديد من الأزمات سواء داخليا أو حتى خارجيا، وتمثلت أكبر أزمة فيما يعرف بملف ” المهاجرين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء”، إذ تم توظيف هذه الظاهرة سياسيا وبطريقة شعبوية، إذ تعتبر ظاهرة الهجرة عالمية ولا توجد قارة لا تعاني من هذه الأزمة، إلا أنه في تونس تم توظيفها للتغطية على المشاكل الأخرى التي تعرفها البلاد، ليتم الإشارة على أنها مؤامرة خارجية بأيادي داخلية ضد تونس بنية تغيير ” بنيتها الديمغرافية”، وهو ما حرك الشارع التونسي ضد المهاجرين، وتسببت هذه الازمة في مشاكل خارجية على غرار مشاكل مع بعض الدول الإفريقية وأخرى مع دول الجوار التي تتشارك نفس الملف مع تونس وخاصة مع ليبيا.
ومن ثم برزت أزمة سياسية أخرى والتي عرفت بملف ” التآمر على أمن الدولة” والذي تم خلالها إلقاء القبض على قيادات سياسية كبيرة في تونس ورجال أعمال في مطلع عام 2023 وهم إلى حد هذه اللحظة في السجن، وتواصلت حملات القبض والاعتقالات ومحاكمات الشخصيات السياسية التونسية، وهو ما جعل الساحة السياسية تقريبا فارغة من أي شخصية أو قيادة سياسية في البلاد.
ومع اقتراب الانتخابات، ألغت الحكومة غالبية الترشيحات، ولم يتبق سوى ثلاثة مرشحين، بما في ذلك سعيد، في المنافسة ليكون الطريق مفتوح أمامه في ظل دعوات المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات. وأشار أخر تقرير لهيومان رايت ووتش لهذا ” قام سلطات التونسية بإدانة أو سجن ومحاكمة على الأقل 8 مرشحين محتملين للانتخابات الرئاسية”.
وقد أدى هذا إلى اتهامات بأن العملية الانتخابية يتم التلاعب بها لصالح الرئيس الحالي. وقد كافحت المعارضة السياسية، المجزأة والواقعة تحت الضغط، لتقديم جبهة موحدة، مع سجن العديد من القادة أو مواجهة تحديات قانونية.
التلاعبات الانتخابية واستبعاد المرشحين
لقد شابت الانتخابات المقبلة اتهامات بالتلاعب بالانتخابات. فقد رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي يُنظر إليها على أنها قريبة من سعيد، العديد من الترشيحات لأسباب فنية، ولم يتبق سوى سعيد ومرشحين أقل شهرة، زهير المغزاوي الأمين العام لحركة العشب ذات التوجه الناصري وهي مناصرة لسياسة الرئيس سعيد وعياشي زامل من حركة تحيا تونس وهو حزب ذو توجه ليبرالي، لخوض الانتخابات. وزعم العديد من المرشحين المحتملين أن العقبات الإدارية، مثل شرط جمع 10000 توقيع، والمطالبة ببطاقة العدد 3 (شهادة خلو من السوابق) قد استُخدمت عمدا لاستبعادهم من السباق، فقد تم عدم تمكين جلّ المرشحين من هذه البطاقة وهو ما حال دون تقديم ملفات ترشيحهم في مواعيد للهيئة.
من جهة أخرى تم اصدار أحكام بالسجن على ما يقارب 6 من أبرز المرشحين الجادين، بتهم تزوير وغيرها واصدار أحكام بمنعهم من الترشح مدى الحياة ومن ضمنهم الوزير السابق عبد اللطيف المكي والكاتب الصحفي أحمد صافي سعيد الذي حاول الفرار إلى الجزائر طالبا اللجوء ولكن السلطات الجزائرية قامت بتسليمه للسلطات التونسية.
في حين تم رفض ملفات بقية المترشحين الذين تمكنوا من استيفاء شروط التي وضعتها الهيئة كاملة، قامت الهيئة بإسقاط التزكيات التي قاموا بتجميعها، وبالرغم من توجه 6 مرشحين بطعون في قرار الهيئة إلى القضاء الإداري، إلا أن الحكم الأولي من المحكمة أيد قرار الهيئة العليا للانتخابات، وهو ما اعتبره المرشحون أنه كان بسبب ضغوط على القضاء.
وقد أثار تشديد العملية الانتخابية، إلى جانب قمع أصوات المعارضة، مخاوف بشأن شرعية الانتخابات المقبلة. وتعبر المعارضة أن هذه التدابير مصممة لضمان فوز سعيد، وتعزيز سلطته وتقويض المعايير الديمقراطية.
مستقبل الديمقراطية التونسية
ستكون انتخابات أكتوبر 2024 اختبارا حاسما للديمقراطية التونسية. ومع سجن العديد من زعماء المعارضة أو منعهم من الترشح، وخضوع العملية الانتخابية نفسها للتدقيق، فقد لا توفر الانتخابات خيارا حقيقيًا للشعب التونسي. أعرب المجتمع الدولي عن قلقه بشأن اتجاه السياسة التونسية، مع دعوات إلى عملية انتخابية أكثر شمولا وشفافية.
إذا أعيد انتخاب سعيد، فمن المرجح أن تستمر إدارته في تعزيز سلطتها، ربما على حساب الحريات والديمقراطية. ومع ذلك، فإن إصرار جماعات المجتمع المدني والضغوط الدولية من أجل الإصلاحات الديمقراطية تشير إلى أن المستقبل السياسي لتونس لا يزال غير مؤكد.
ومع بقاء جبهة المعارضة مشتتة وغير موحدة في ظل الأزمات السياسية التي تعيشها الاحزاب السياسية في تونس إما على مستوى مشاكلها الداخلية وتشتت أغلبها عبر الاستقالات المتكررة، أو القيادات الحزبية الكبيرة التي تم سجنها، كما أن مقاربات المعارضة في تونس لإيجاد حلول تبقى ضبابية ولا تحتكم لأي منهجية واضحة وان كان أكبر فصيل معارض المتمثل في جبهة الخلاص الوطني لا يملك أي استراتيجية واضحة في صراعه مع السلطة الحالية أو باقي مكونات المعارضة والمتمثلة في حزب العمال الذي يتوجه نحو تحريك الشارع لإسقاط الرئيس سعيد، تبقى كل هذه المعادلات التي تنتهجها هذه المعارضة المشتتة غير واقعية في ظل رأي عام شعبي في تونس عازف عن السياسة والشأن العام منشغل بالأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، في حين يطمح أغلب الشعب إلى الهجرة ومغادرة البلاد، إما بطرق شرعية أو غير شرعية.
الخلاصة
ستكون الأسابيع المقبلة حاسمة بالنسبة لتونس مع اقتراب البلاد من انتخابات 6 أكتوبر 2024 وسط مناخ من التوتر السياسي وعدم اليقين. فإرث الرئيس قيس سعيد، الذي اتسم بمركزية السلطة وقمع المعارضة، يثير مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الديمقراطية في تونس. وعلى الرغم من جهود سعيد لتعزيز سلطته، لا تزال البلاد تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية لم يتم حلها، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد السياسي. ومع تصاعد التوترات الداخلية والخارجية، تتجه كل الأنظار إلى الشعب التونسي وكيفية استجابته لهذه الانتخابات، التي قد لا تقدم خيارا حقيقيا أو عادلا. فهل يُعاد انتخاب سعيد، وهل ستستمر إدارته في تعزيز قبضتها على السلطة على حساب الحريات الديمقراطية؟ أم هل سينجح المجتمع المدني والقوى الدولية في الدفع نحو المزيد من الإصلاحات الديمقراطية وعملية سياسية أكثر شمولا؟ ستكون نتيجة الانتخابات حاسمة في تحديد مستقبل تونس السياسي.
المصدر / افروبوليسي