أخبار

الخلافات الإثيوبية الصومالية تشعل التوتر في القرن الإفريقي

ظلت منطقة القرن الإفريقي، ومنذ توقيع مذكرة التفاهم بين صومال لاند وإثيوبيا في حالة حراك مستمر لم يتوقف، فعلى الجانبين ظلت التحركات المكوكية، هي سيدة الموقف، حاولت الصومال حشد الإقليم ودوله لصالحها، بينما ظلت إثيوبيا تعمل بإصرار من أجل الوصول غلى الاتفاق النهائي فيما يخص المذكرة وصولا لتنفيذه، وتدخلت تركيا بين الدولتين، وجرت ثلاث مراحل من المحادثات، تداولت أنباء بإحراز تقدم في الجولة الخيرة دون الإفصاح عن ماهية ذلك التقدم، ومن هذه الأحداث ظهر الاتفاق المصري الصومالي في منتصف أغسطس 2024، واستعداد مصر بالمشاركة في القوات التي ستخلف القوات الإفريقية المعروفة بـ(أتميس) ATMIS وهي ما أطلق عليها “أوسوم”  AUSSOM بقوات مقدراها 10 آلاف جندي، ما صاعد التوتر مع إثيوبيا التي تعتبر ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومي، في بيان أصدره الناطق باسم الخارجية الإثيوبية في 28 أغسطس 2024.

شرعت مصر في إرسال طائرات عسكرية تحمل معدات عسكرية، وخبراء للإشراف على إعداد الأرضية لقدوم قواتها التي ستشارك في البعثة الجديدة أوصوم، في ظل توقع سحب القوات الإثيوبية التي ظلت مرابطة منذ قدوم القوات الإفريقية في بعثة أميصوم ولاحقا أتميس نسلط في أفرو بوليسي على ما وراء التوتر وماهي الأجندة التي تحرك الأطراف ولماذا وصلت المنطقة إلى هذا المستوى من التوتر وما هي آفاق الحلول الممكنة؟ عبر عدد من المسارات التي تفسر طبيعة الخلاف المتصاعد.

خلاف قديم يتجدد

الخلافات المصرية الإثيوبية لا تهدأ إلا لتشتعل من جديد، فبين البلدين مشكلة سد النهضة الذي لم تتوصل فيه كل المحادثات وكل الوساطات غلى حل يرضي الطرفين، فإثيوبيا شرعت تنفذ ما تراه أمراً يخصها، مع تطمينات ل تثق فيها مصر بعد الإضرار بحصتها في المياه، ما أغضب مصر وحاولت بشتى السبل إيقاف الخطوات الإثيوبية، أحادية الجانب، واتهمتها إثيوبيا بدعم جبهة تحرير التقراي إبان تفجر الحرب هناك في خواتيم 2020، وعلى الرغم من اللقاءات الثلاثية التي جرت بين إثيوبيا ومصر والسودان بوساطة وبدون وساطة، وفاقم الأمر، توقيع دولة جنوب السودان على اتفاقية عنتبي والتي بتوقيعها دخلت حيز التنفيذ، وتتهم مصادر مصرية إثيوبيا بتحريض جنوب السودان من أجل الاضرار بمصر وحصتها التاريخية في مياه النيل، وفي ظل عدم التوصل إلى حل للخلافات التي نشأت في قضية سد النهضة فإن تصاعد التوتر يصبح الصل وليس الهدوء، كما ان الأمر ليس بمستغرب للمتابع والعارف ببواطن الأمور في المنطقة.

مذكرة التفاهم وفتيل الاشتعال

شكلت مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع صومال لاند في الفاتح من يناير 2024، الفتيل الذي اشعل كل هذه التوترات، في المنطقة، ذلك لاحتجاج الصومال على انتهاك إثيوبيا لسيادته بالتفاوض مع إقليم صومالي متجاوزة القانون الدولي، الذي لا يعترف بصومال لاند كدولة، وبدأ الصومال في حشد التأييد الإقليمي والدولي وهو ما نجحت فيه بدرجة كبيرة، ووضع إثيوبيا في موقف حرج، حاولت معه أن تطمئن الصومال، ولكن رفض الصومال أي تفاهم واعتبره خط أحمر، واحتشد الصوماليون في موقف موحد ضد إثيوبيا من الداخل والخارج، ليتشكل موقف مشحون يتجه نحو التصعيد والتوتير أكثر من كونه يميل إلى التفاهم.

تداعيات المذكرة

اتفاقيات وتعزيزات وحشد للإقليم:
على إثر تفاقم الأوضع بين الصومال وإثيوبيا وفشل الطرفين في الوصول إلى تفاهمات عبر الحوار والتفاوض، بدا الصومال في عقد اتفاقيات استباقية، تقطع الطريق على إثيوبيا من أن تتخذ أي خطوة عملية في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع أرض الصومال، فكانت الاتفاقية الأولى مع تركيا حيث وقع الصومال مع تركيا اتفاقية دفاع مشترك تقوم بموجبها القوات البحرية التركية بحماية السواحل الصومالية، من قوى خارجية، لديها نوايا بالتواجد على سواحلها، والمقصود هنا هو إثيوبيا التي كانت تؤكد دوما بأنها ماضية في اتفاقيتها مع أرض الصومال، وبهذه الاتفاقية عززت الصومال وضمنت حماية أمنها البحري، وتبعتها اتفاقية التنقيب عن البترول والغاز كتعزيز للاتفاقية الأولى، وهو ما يرفع مستوى العلاقات إلى الشراكة القوية بين الدولتين، انزعجت إثيوبيا من هذه الخطوة بطبيعة الحال باعتبارها خطوة معيقة لطموحات إثيوبيا في الوصول إلى البحر والتوقيع على دفتر الحضور في التدافع الدولي والاقليمي في البحر الأحمر والمداخل الاستراتيجية جنوبا.

سحب القوات الإثيوبية من الصومال

في إطار عمليات إنهاء بعثة الاتحاد الافريقي أتميس واستبدالها بأوصوم، في نهاية العام الجاري طلبت الصومال سحب القوات الإثيوبية البالغ تعدادها وهي حولي ستة آلاف، وهي من الدول التي ساهمت في قوات حفظ السلام منذ 2007، وعدم التجديد للتواجد الإثيوبي، حرك في إثيوبيا كوامن الشكوك، باعتبار أن قواتها التي ترابط في الصومال تمثل جبهة متقدمة لها وخطوط دفاع تحفظ لإثيوبيا بعض الحضور في الشأن الصومالي، كل هذا وغيره خفض منسوب الثقة بين الدولتين، وازدادت الفجوة بينهما، في ظل الرغبة المصرية في المشاركة في القوات الإفريقية لأول مرة.

برتوكول تعاون عسكري مصري صومالي

في 14 أغسطس 2024، وقت الصومال بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، في ظل استمرار الخلاف بين الصومال وإثيوبية وتصاعد التوترات، ومتزامنة أو متقاطعة مع الجهد الذي قامت به تركيا، عبر جولات من المحادثات التي لم تسفر عن نتائج ملموسة غير تصريحات مقتضبة بحدوث تقدم في الجولة الأخيرة، ودخل البروتوكول، حيز التنفيذ بسرعة كبيرة، ما صعد مواقف الأطراف المعنية خاصة إثيوبيا بعد تصريحات الرئيس السيسي لأننا لن نترك الصومال وحده، ونرفض أي تدخل خارجي في شأنه إشارة إلى التربص الإثيوبي بالوصول إلى البحر باي ثمن، وفي بداية العام تم توقيع بروتوكول تعاون بين “وزارة الثقافة” المصرية، ووزارة “الإعلام والثقافة والسياحة” بحكومة جمهورية الصومال الفيدرالية؛ وذلك لتعزيز التعاون الثقافي المشترك بين البلدين. ووقع مذكرة التفاهم كلا من الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، وداؤود أويس جامع، وزير “الإعلام والثقافة والسياحة” بجمهورية الصومال الفيدرالية.

مشاركة مصر في القوات الإفريقية في الصومال

 وفي مساعي الاتحاد الإفريقي لإعادة تشكيل بعثة الاتحاد لحفظ السلام في الصومال ابدت مصر رغبة في المشاركة في قوات حفظ السلام وتحدثت تقارير عن مشاركتها بعشرة آلاف جندي، ما اعتبرته إثيوبيا تهديدا لها وتدخل في شؤون المنطقة، واشعل الموقف وصول معدات عسكرية مصرية إلى مطار مقديشوا عبر طائرتين عسكريتين، وهي مقدمة للحضور المصري في الصومال، ما ابرز الموقف الإثيوبي الرافض لهذا التطور تصريح الناطق الرسمي لوزراة الخارجية والذي حمل لهجة قوية تصف البعثة التي ستخلف أتميس بأنها تهديد للمنطقة كما أنه تهديد للأمن القومي الإثيوبي.

الموقف الإثيوبي

بدا الموقف الإثيوبي رافضا للتطورات على الأرض الصومالية، وأنه يعتبر تهديد مباشر للأمن القومي الإثيوبي ما يعني أنها ستتحرك بالمقابل عبر إجراءات تحفظ بها أمنها القومي، وبأن نداءاتها والدول الأخرى التي تشترك في نفس الهواجس لم تجد الاهتمام المطلوب، وقال التصريح بأنه يجب ألا يتوقع أحد تسكت إثيوبيا، على التصريحات العدائية، والمحاولات المستمرة لتقويض تضحيات قوات الدفاع الإثيوبية إشارة إلى الجهود التي بذلتها في البعثات التي تتالت على الصومال منذ بدايتها.

هل تصبح الصومال مسرحا لحرب مصرية إثيوبية

المتابع لأوضاع المنطقة يدرك دون عناء مستوى التوتر البالغ الذي وصلت إليه والاصطفافات التي انتظمتها، منذ توقيع المذكرة، بين إثيوبيا وأرض الصومال، بلغت ذروتها بوصول الطائرات العسكرية المصرية أمس الصومال، وبادرت إثيوبيا بموقف لا لبس فيه، مفاده أنها لن تسكت على ما يجري في المنطقة، في ظل غياب كامل للاتحاد الإفريقي أو المؤسسات الدولية المعنية بمنع الضوع من الانزلاق نحن حرب قد تُعرف بدايتها ولكن لا أحد يدري أين ومتى تنتهي.

خاتمة

تتصاعد التوترات بين مصر وإثيوبيا ولكن في الواقع هي حلقة من حلقات التشكلات التي نشهدها في المنطقة، كما أنه جزء من صناعة التحولات الجيوسياسية، رغم أن بذرة الخلافات بين الدولتين قديمة جداً، تتمظهر في اشكال عديدة، ولكن الثابت فيها أن المحيط والمنطقة ظلت تدفع فاتورة الصراع البني بين إثيوبيا والصومال.

المصدر / افروبوليسي

اترك تعليقاً

إغلاق