أخبار
مواجهات بين الجيش المالي ومتمردي أزواد: الفاعليين الدوليين وتداعيات الصراع على المنطقة
ومنذ انسحاب القوات الدولية، خاصة الفرنسية، تشهد مالي تصاعدا في المواجهات بين الجيش المالي وحركات التمرد في أزواد. وتعد معركة تينزاواتين مثالا صارخا على ذلك، حيث تكبدت القوات المالية، بدعم من القوات شبه العسكرية الروسية التابعة لمجموعة فاغنر السابقة والفيلق الإفريقي حاليا، خسائر فادحة ضد المتمردين الطوارق التابعين للإطار الاستراتيجي الدائم (CSP) والجهاديين التابعين لمجموعة الدعم للإسلام والمسلمين (JNIM)، حيث تم الإعلان عن سقوط ما يقارب 84 قتيل من نخبة فاغنر ومن ضمنهم قيادات المتمركزة بليبيا ومالي، وما يقارب 47 قتيل من الجيش المالي، وقد أعلنت المخابرات الأوكرانية عن دروها في دعم الأزواد بمعلومات استخبراتية مهمة مكنتهم من النجاح في الحاق الهزيمة بالجيش المالي وفاغنر، وقام على إثرها المجلس العسكري بمالي بالإعلان عن قطعها العلاقات مع كييف واتهمها بالتعاون مع الأزواد وتزويدهم من قبل الأوكرانيين بالأسلحة ومنها الطائرة المسيرات والقيام بتدريبهم على استعمالها.
وهنا يمكن التسؤل حول ماهية الدور الاوكراني في الصراع الدائر في شمال مالي بين الجيش المالي وفاغنر من جهة وحركة أزواد والجماعات الجهادية من جهة أخرى، أيضا الدور الفرنسي والجزائري في هذا الصراع، حيث أن هذا الصراع الدائر مباشرة على حدود الجزائرية والتي يعتبر تهديد رسمي لأمنها القومي لا يمكن أن للجزائر أن تبقى طرف محايد أمام تداعيات هدا الصراع الأمنية والاستراتيجية، وأخير كيفية تأثير هذا الصراع على منطقة الساحل الإفريقي وشمال إفريقيا.
الدور الفرنسي:
ولا تزال فرنسا، بالرغم من طردها من مالي سنة 2022 من قبل المجلس العسكري المالي بسبب خلافات سياسية وأمنية، تتمتع بنفوذ قوي في المنطقة. وعلى الرغم من عدم تأكيد التعاون المباشر مع حركات المتمردة في شمال مالي رسميا، إلا أن هناك شكوكا حول وجود اتصالات بين أجهزة المخابرات الفرنسية وجماعات مسلحة معينة. ويمكن أن يكون الدافع وراء هذا التعاون هو الرغبة في الحفاظ على استقرار معين في المنطقة ومواجهة النفوذ المتزايد لروسيا وحلفائها الدوليين.
فعلى امتداد السنوات الطويلة التي قضتها فرنسا في مالي وتحديدا بشمال البلاد، تمكنت الجهات الامنية الفرنسية من خلق نسيج وشبكات علاقات كبيرة جدا داخل مجتمع الطوارق أو حركة أزواد، فلطالما كانت باريس حليفا للأزواديين في حروبهم مع الجماعات الجهادية في المنطقة، كما أنها في فترات ما كانت تقوم بصفقات تبادل أسرها الذين يتم اختطافهم في منطقة الصحراء الكبرى من قبل التنظيمات الجهادية عبر وسطاء من مجتمع الأزواد.
فعلى سبيل المثال في سنة 2012 عندما قامت حركة تحرير أزواد من السيطرة على شمال مالي لم تتدخل باريس عسكريا في البداية من رغم أن حكومة المركزية في تومبكتو كانت حليف استراتيجي لها، وذلك معرفة فرنسا بتعقيدات المجتمع الأزوادي ومصالحها الاتسراتيجية معهم وخاصة في مجال تعاون ضد الجماعات الجهادية. ومع صعود الجماعات الجهادية على مسرح الأحداث وقتها في شمال مالي تدخلت حينها القوات الفرنسية.
ولذلك لا يستبعد أن يكون لباريس دور غير مباشر بالرغم من عدم وجود أدلة صريحة على ذلك في دعم حركة تحرير أزواد في حربها مع الجيش المالي ومجموعة فاغنر الروسية، وخاصة ان رقعة الصراع الدولي والإقليمي قد اتسعت في منطقة الساحل الإفريقي.
تدخل الجزائر:
من المعلوم أن الجزائر تلعب دور كبير جدا في منطقة الساحل الإفريقي بصفة عامة ومالي بصفة خاصة، التي لها حدود طويلة معها ما يقارب 1328 كم، فالجزائر كلاعب إقليمي رئيسي في المنطقة تعتبر مالي جزء من أمنها القومي، فالمنطقة الحدودية الفاصلة بينهما تعتبر أكبر مسرح في العالم لانتشار الجماعات الجهادية وعصابات الجريمة المنظمة (تهريب)، فقد كان للجزائر دورا حاسما في الوساطة وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وكثيرا ما عملت الجزائر كوسيط بين الحكومة المالية وجماعات الطوارق المتمردة، وخاصة تلك التابعة للحركة الوطنية لتحرير أزواد. وخاصة حين تم الاتفاق سنة 2015 على ما يسمى بإتفاق الجزائر بين الحكومة المالية وحركة تحرير أزواد، حيث تظمنت بنود عديدة أهمها إدماج مقاتلي أزواد ضمن الجيش المالي ولكنها هذا البند عرف مسار بطيء وطويل جدا.
وفي مطلع سنة 2023 مع تفجر الأزمة بين الحكومة المالية والأزواد في شمال البلاد، استقبل الرئيس الجزائري مجموعة من مشائخ وقادة حركة تحرير أزواد، هذه الحركة لاقت ردة فعل قوية من قبل المجلس العسكري في مالي، إذ أعلن عن ايقاف العمل باتفاق الجزائر في مطلع سنة 2024.
هذا الانهاء يحيل مباشرة إلى قيام مواجهات بين الحكومة المالية وحركة أزواد وهو ما حدث، فقد أسفرت هذه المواجهة عن موجة هجرة كبيرة، كما وصولت الجماعات الجهادية على الحدود الجزائرية.
فتشير العديد من المصادر أن الجزائر اتفقت مع الروس في 2022 على أن تتم عملياتهم في العمق المالي وابقاء على منطقة عازلة عن الحدود الجزائرية ما بين 80 و200 كم، ولكن المجلس العكسري والروس وصلت عملياتهم إلى منطقة تين زواتين أي على الحدود الجزائرية مباشرة وهو ما يعتبر تهديد مباشر للجزائر ولأمنها القومي.
كما أن العلاقات الجزائرية متوترة مع بعض من الدول الساحل الإفريقي بسب التغييرات الأخيرة التي قامت فيها، فعلى غرار أزمتها مع مالي فهي أيضا شهدت أزمة حادة مع المجلس العسكري المنقلب في النيجر، كما أن الجزائر لم تبدي أي تعليق رسمي حول قيام كونفدرالية دول الساحل إلا أن الجزائر يبدو أنها غير راضية عنها ويتبلور هذا في طريقة تعاطي الإعلام الجزائري مع المسألة، إذ هاجمت جلّ الوسائل الإعلامية الجزائرية كونفدرالية دول الساحل الإفريقي.
كل هذه العوامل تدفع إلى أن تكون الجزائر فاعل رئيسي في الأحداث الأخيرة غير أن الأمر غير واضح أو معلن، مع عدم وجود أي أدلة ملموسة حول ذلك، لكن الجزائر لا يمكن أن تتساهل مع المساس من أمنها القومي أو حدوث اضطرابات على حدودها الجنوبية، وخاصة أن طوارق مالي لهم إمتدادات عرقية وعائلية داخل التراب الجزائري، وأن المنفذ الوحيد جغرافيا الذي يمكن أن يصل منه الدعم لشمال مالي هو الجزائر.
المشاركة الأوكرانية
زعمت كييف أنها قدمت معلومات استخباراتية هامة ساهمت في هزيمة القوات شبه العسكرية الروسية التابعة لفاغنر في تنزاواتين. هذا التدخل الأوكراني، على الرغم من نفيه من قبل متمردي CSP-DPA، يؤكد البعد الدولي للصراع ورغبة أوكرانيا في محاربة روسيا على عدة جبهات. وبالرغم من تأكيدهم أن هذه المعركة الأخيرة التي دارت كان الأزواد وحدهم المهندسين الفعليين لها، إلا أن المتحدث الرسمي باسم CSP-DPA، محمد المولود رمضان لا يزعجه هذا الإدعاء الأوكراني، وصرح في لقاء صحفي مع مجلة فرنسية قائلا : “نحن لسنا منظمة معزولة عن بقية العالم. بالطبع، لدينا اتصالات مع الأوكرانيين، ومع الجميع، وخاصة مع أولئك الذين يعانون من إرهاب فاغنر. واليوم لا يزعجنا ما يقال خلفه، المهم بالنسبة لنا هو النتيجة، لمحاولة الدفاع عن سكاننا، ومواجهة العدو وإخراجه من أراضينا.”
من خلال هذه التصريحات يفهم أنه هناك تنسيق بين كل من الأوكرانيين والأزواد في المعارك ضد مالي، ودخول كييف في هذا الصراع بمنطقة الساحل الإفريقي لاستهداف مصالح الروسية في المنطقة لا يمكن أن يتم إلا عن طريق دعم أمريكي وأوروبي، وهنا يمكن أن نتتبع الدور الفرنسي من خلال هذه النقطة في هذا الصراع ودور واشنطن وأيضا، كما يمكن لألمانيا أن تكون فاعلا أيضا في هذا لأنها خلال السنوات الاخيرة شهدت منطقة الساحل دخول ألماينا إليها كلاعب دولي، وكل هذه الدول تتخفى خلف أوكرانيا عبر دعمها ودعم أزواد لمحاربة النفوذ الروسي المتزايد بالساحل.
تداعيات الصراع المالي:
إن تورط جهات دولية مختلفة في الصراع المالي يزيد من تعقيد الوضع. ومن الممكن أن يؤدي الدعم الأوكراني لمتمردي أزواد إلى تكثيف الأعمال العدائية بين القوات المالية المدعومة من مجموعة فاغنر الروسية والجماعات المتمردة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون المحتمل بين متمردي أزواد والحركات المسلحة الأخرى في المنطقة، مثل الجماعات الجهادية، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار.
وهذه الصراعات ستزيد من تفاقم موجات الهجرة نحو الدول المجاورة وخاصة نحو الجزائر، كما أنها يمكن أن تسبب في مجاعات وتفاقم من الأنشطة الاجرامية كتهريب الممنوعات وتهريب البشر.
كما أن هذا الصراع يمكن أن يمتد إلى الدول المجاورة لعدة اعتبارات، أولا وقعت كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو اتفاقية دفاع مشترك في آواخر سنة 2023، ومنذ شهر تقريبا تم الإعلان عن قيام كونفدرالية الساحل وأهم توجهاتها هي القضاء على الجماعات المتمردة والمسلحة بالمنطقة، وهو ما يرجح إمكانية دخول هذه الدول لمساندة الجيش المالي وفاغنر، وهو ما ينذر بتوسع رقعة الصراع، فعلى سبيل المثال منذ أيام قليلة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لجماعات طوارق مسلحة بجنوب غربي ليبيا تعلن عن انضمامها إلى حركة تحرير أزواد في شمال مالي، واتساع رقعة النزاع يمكن أن يحرك أيضا بقية الطوارق المتمركزين في الساحل الإفريقي (شمال النيجر وتشاد، جنوب الجزائر)، أيضا تحرك حفتر حليف روسيا ضد طوارق غرب ليبيا يمكن أن يزيد من اشعال فتيل الصراع الإقليمي في المنطقة.
لذلك فإن تداعيات الصراع المالي التي يمكن أن تمتد أزمته إلى كامل الإقليم يهدد منطقة الساحل الإفريقي ككل، كما أن أزمته وخاصة تزايد موجات الهجرة تصل تداعياتها إلى شمال إفريقيا وحتى دول أوروبا.
التعاون بين أزواد والحركات المسلحة الأخرى:
وهناك مؤشرات على وجود تعاون بين متمردي أزواد وبعض الجماعات الجهادية المسلحة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين JNIM. ويسمح لهم هذا التحالف التكتيكي بتعزيز مواقعهم في مواجهة الجيش المالي والقوات المتحالفة معه.
ولجماعة نصرة الإسلام والمسلمين دور كبير جدا في المعارك مع القوات المالية ومجموعة فاغنر، فهي تنشر بصفة يومية عبر ذراعها الإعلامي ” الزلاقة” عديد البيانات جول كمائن قامت بها ضد فاغنر والجيش المالي وسيطرتها على ثكنات ومقرات أمنية وعسكرية تابعة لكليهما، وأيضا تؤكد سيطرتها على قرى ومدن عديدة في مختلف أنحاء شمال مالي.
هذا التحالف الحالي القائم بين كل من جماعات الجهادية والحركات الأزودية لا يعتبر الأول من نوعه، ففي سنة 2012 شهدنا نفس هذا التحالف حين تمكنت حركة الأواد من السيطرة على شمال مالي رفقة جماعة أنصار الدين وحركة مرابطيين وهم أحد أذرع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب AQMI، ولكن فيما بعد دارت مواجهات بينهما لتسيطر الحركات الجهادية على المنطقة وتعلن عن قيام إمارة مالي.
إذ أن هذه التحالفات غالبا ما تكون هشة ومدفوعة بمصالح مشتركة قصيرة المدى بدلا من التقارب الأيديولوجي الحقيقي، وتكون فقط في بدايتها حول نقاط مشتركة منها العداء لمجلس العكسري في مالي وقوات فاغنر وإقامة حكم ذاتي شمال البلاد وأيضا تترابطات العرقية بين هذه التنظيمات التي تنتمي جلّها إلى مناطق شمالي مالي (الطوارق تحديدا)، وبعد تحقيق هذه الأهداف يخرج العامل الأيدولوجي إلى سطح ليتسبب في صراع بين الحلفاء وهو ما حدث سنة 2012 بين حركة الأزواد وجماعة أنصار الدين وحركة مرابطيين اللتان تحولتا بعد التحالف مع مجموعات أخرى مثل جبهة تحرير ماسينا ( من الفولان) وجماعة إمارة جبهة الصحراء التابعة ل AQMI في سنة 2017 إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
خاتمة:
لا يزال الوضع في مالي معقدا للغاية، حيث يشارك فيه العديد من الجهات الفاعلة الوطنية والدولية. وتتأثر تداعيات الصراع بالمنافسات المحلية والإقليمية والدولية، مما يجعل التوصل إلى حل دائم أمرا صعبا. إن تورط أوكرانيا، على الرغم من كونه حديثا، يوضح عولمة الصراعات والترابط بين مناطق الحرب المختلفة في جميع أنحاء العالم، ودخول بقية الدول الغربية التي تقف خلف كييف وتريد القضاء على النفوذ الروسي المتزايد في القارة الإفريقية بصفة عامة والساحل الإفريقي بصفة خاصة.
لذلك كل هذه التداخلات الإقليمية والدولية في الصراع المالي لا يمكن إلا أن تزيده تعقيدا وتفاقم الأزمة الانسانية وتساهم في انتشار رقعة هذا الصراع إقليميا.
المصدر/ افروبوليسي