أخبار

العقوبات الأمريكية والبريطانية على المسؤولين الأوغنديين: الأسباب الظاهرة والخفية

في خطوة مشتركة فرضت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات على مسؤولين أوغنديين بارزين. تستهدف هذه العقوبات في ظاهرها الفساد والسياسات القمعية في الدولة الواقعة في شرق إفريقيا.
ولكن في باطنها وأسباب وتوقيتها تزامنت مع إقرار أوغندا لقانون، تسبب هذا القانون في معاقبة أوغندا من قبل العديد من المنظمات الدولية وفي إغلاق الهيئة الأممية لمكتبها في البلاد. ولا يمكن قراءات هذه العقوبات والإجراءات إلا في سياق الحرب الثقافية أو مناهج العلاقات الدولية التي تعرف بما ما بعد الاستعمارية  والهيمنة التي تهدف من خلالها القوى الدولية إلى فرض منظومات ثقافية وأخلاقية من خلال منظورها وحسب معاييرها على دول أخرى، تستهدف تدمير الثقافات المحلية وفرض أنماط ثقافية دخيلة عنها.
يبحث هذا التقرير في الأسباب الخفية الغير المعلنة بصفة مباشرة التي تقف خلف هذه العقوبات والتي استهدفت أساسا المشرعين الأوغنديين على خلاف غيرهم من مسؤولين أخرين.

العقوبات الأمريكية

كانت أولى الإجراءات الامريكية المتخذة ضد أوغندا هي طردها من الاتفاقية التجارية الأمريكية (أغوا)، أما الخطوة الثانية فتمثلت في فرض قيود على التأشيرات لمجموعة من المسؤولين الأوغنديين وطلب جو بايدن الرئيس الأمريكي مراجعة المساعدات الأمريكية الموجهة لأوغندا ومن أهم الذين فرضت عليهم العقوبات:

1. رئيسة البرلمان أنيتا بين وخمسة مسؤولين أوغنديين آخرين بسبب ما تطلق عليه اتهامات بالفساد الكبير والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

2. ومن بين المسؤولين الآخرين؛ زوج السيدة أمونغ، موسى ماغوغو؛ وزير الدولة للشؤون المالية عاموس لوغولوبي؛ الوزيرة السابقة لشؤون كاراموجا ماري غوريتي كيتوتو ؛ وزيرة الدولة السابقة لشؤون كاراموجا أغنيس ناندوتو والنائب السابق لرئيس قوات الدفاع بيتر إلويلو

العقوبات البريطانية

وفي نفس السياق أعلنت المملكة المتحدة فرض عقوبات على رئيسة البرلمان الأوغندي أنيتا أونج واثنين من المشرعين الأوغنديين البارزين، وهما زائد ماري كيتوتو وأغنيس ناندوتو. تشمل هذه العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول بموجب نظام العقوبات العالمي لمكافحة الفساد في المملكة المتحدة.

• فرض قيود على التأشيرات على العديد من المسؤولين الأوغنديين الآخرين لتقويض العملية الديمقراطية وقمع أفراد السكان المهمشين أو الضعفاء في أوغندا.

• هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها المملكة المتحدة نظام العقوبات العالمية لمكافحة الفساد على الأفراد المتورطين في الفساد في أوغندا.

• العقوبات الجديدة هي جزء من جهود المملكة المتحدة المستمرة للقضاء على الفساد الخطير في جميع أنحاء العالم، والشخصيات التي استهدفتها العقوبات البريطانية هم:

• أنيتا أنيت أمونغ، التي كانت رئيسة برلمان أوغندا منذ عام 2022.

• ماري غوريتي كيتوتو، التي كانت وزيرة شؤون كاراموجا بين عامي 2021 و 2024.

• أغنيس ناندوتو ، التي كانت وزيرة الدولة لشؤون كاراموجا بين عامي 2021 و 2024.

الأسباب المعلنة:

• الفساد: استهدفت العقوبات كيتوتو وناندوتو لسرقتهما آلاف الصفائح الحديدية من مشروع إسكان ممول من الحكومة، يهدف إلى مساعدة مخصصة لبناء بيوت الأسر الضعيفة في منطقة كاراموجا.

• التأكيد على محاسبة الفاسدين: أكد نائب وزير الخارجية البريطاني، أندرو ميتشل، أن المملكة المتحدة تبعث برسالة واضحة بأن الفساد له عواقب، وأن تصرفات هؤلاء الأفراد تُمثل فسادًا في أسوأ صوره.

السياق الظاهر:

• التأكيد على مكافحة الفساد: تشدد المملكة المتحدة على أهمية مكافحة الفساد في إفريقيا وتعزيز الشفافية والمساءلة.

السياق الخفي:

• الانتقادات المتزايدة لقوانين مكافحة الشذوذ الجنسي:يرى بعض المحللين أن العقوبات ضد رئيسة البرلمان مرتبطة بالغضب الأمريكي و البريطاني من قانون مكافحة الشذوذ الجنسي الذي تم إقراره في أوغندا.
ففي 2023 تم التوقيع على قانون مكافحة الشذوذ الجنسي (AHA) ليصبح قانونا من قبل الرئيس يوري موسيفيني في مايو، ويقضي هذا القانون بإعدام للممارسة الفعل الجنسي الشاذ و20 سجن لمن يروج لهذه الأفعال من أفراد أو منظمات التي يصل إلى إمكانية حظر نشاطاتها لمدة 10 سنوات.

• بنك النقد الدولي: لم يتوقف الأمر عند العقوبات الأمريكية والبريطانية، فبعد إقرار القانون الأوغندي لمكافحة الشذوذ الجنسي، قام بنك النقد الدولي بتعليق التمويل لأوغندا، وهو ما ندد به الرئيس الأوغندي وأشار بأن السبب الرئيسي وراء ذلك إقراره لقانون مكافحة الشذوذ، وأكد على أن أوغندا لن تلغي القانون وفي وسعها المضي قدما في برامجها من دون تمويل البنك الدولي.

• الأمم المتحدة: وفي نفس الفترة قامت الأمم المتحدة بالإعلان عن إغلاق مكتبها في شمال أوغندا بعد 18 سنة، وأشارت الأمم المتحدة إلى أن سبب إغلاق مكتبها يعود إلى إقرار الرئيس الأوغندي لقانون مكافحة الشذوذ الجنسي الذي اعتبرته الهيئة الأممية حسب رأيها منافي لحقوق الإنسان.

ردود الفعل

• التعليق الرسمي الأوغندي: وصف كريس أوبوري، المتحدث باسم البرلمان الأوغندي، العقوبات بأنها ذات دوافع سياسية وانتقامية، مؤكدًا أن المؤسسات الأوغندية المعنية لم تجد أي دليل على الفساد ضد رئيسة البرلمان.
كما وصف الرئيس الأوغندي كل من قرارات طرد أوغندا من الاتفاقية التجارية الأمريكية وتعليق التمويل من قبل بنك النقد الدولي، بأنها لن تتسبب بتراجع أوغندا عن قرارها على مصادقة القانون وبأن هذه العقوبات بصفة عامة غير مهمة ويمكن لأوغندا أن تمضي قدما في برامجها التنموية من دون هذه الاتفاقيات والمنظمات.

• التأييد الدولي: تلقت العقوبات تأييدا من بعض المنظمات الدولية التي تدعو إلى مكافحة الفساد وتعزيز حقوق الإنسان.

الخلاصة

تعكس العقوبات المفروضة على المسؤولين الأوغنديين من قبل  الولايات المتحدة والمملكة المتحدة  الاستهداف المباشر للمشرعين الأوغنديين الذين صادقوا على هذا القانون. وما يكشف عن حقيقة هذه العقوبات التي لا ترمي أبدا إلى مكافحة فساد أو محاسبة بالرغم أن الأسباب المعلنة تركز على قضايا الفساد، إلا أن السياقات الخفية تشير إلى تداخل هذه العقوبات مع الانتقادات الدولية لقوانين مكافحة الشذوذ الجنسي في أوغندا. وقد انضمت العديد من الدول الأوروبية إلى واشنطن ولندن ونددت بالإجراءات الأوغندية، وهو يندرج ضمن سعي القوى الغربية إلى فرضها لتقاليد وثقافات تتضارب مع المنظومة الاخلاقية والثقافية للدول الإفريقية، إذ أن العديد من الدول الإفريقية انتهجت نهج أوغندا في مكافحة هذه الظاهرة الدخيلة على الأفارقة، كغانا التي أقرت مشروع مماثل لأوغندا وواجهت ضغوطات دولية كبيرة.

كما أن الولايات المتحدة تتعامل بانتقائية مع مثل هذه الحالات، ولعل منطلقها دائما ما يتمحور على ما يرتبط بمصالحها، والقيم التي تسعى لنشرها وليس المصالح المرتبطة بالشعوب ولا القيم التي تحرص عليها تلك الشعوب، فكم من أنظمة باطشة ودكتاتورية تسكت عنها لأنها تحقق مصالحها، ولما ذا الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في أوغندا الآن وقد ظل يحكم الرئيس يوري موسيفني منذ ما يقرب من 40 عاما بمفرده، ولم يشهد العالم عقوبات أو حصار لها.

اترك تعليقاً

إغلاق