أخبار

بعد 30 سنة من الهيمنة: حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يفقد أغلبيته

تمثل الانتخابات التشريعية في جنوب أفريقيا في مايو 2024 نقطة تحول تاريخية بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وهو الحزب الذي يتولى السلطة منذ نهاية الفصل العنصري. وتشير النتائج  إلى أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قد خسر أغلبيته المطلقة في البرلمان، وهو وضع غير مسبوق سيجبر الحزب على تشكيل تحالفات للحكم. وتأتي هذه النكسة الانتخابية على خلفية خيبة الأمل المتزايدة بين مواطني جنوب أفريقيا إزاء التحديات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة، مثل البطالة، وتزايد الفقر، وتفشي الجريمة.

وأدى الانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء، إلى جانب فضائح الفساد التي تورط فيها كبار قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، إلى تآكل ثقة الناخبين. وتتناقض هذه الخسارة في الشعبية بشكل حاد مع الدور التاريخي الذي لعبه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي كمحرر من نظام الفصل العنصري.

ويتسم المشهد السياسي أيضا بظهور أحزاب جديدة وزيادة انقسام الناخبين. ولن تحدد نتائج هذه الانتخابات تشكيل البرلمان القادم فحسب، بل ستحدد أيضاً الاتجاه المستقبلي للبلاد وقدرة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على الحفاظ على نفوذه السياسي في بيئة متزايدة التنافسية وغير مؤكدة.

السياق الانتخابي:

جاءت هذه الانتخابات ضمن سياقات وتحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية تعيشها جنوب إفريقيا، كل هذه التحديات كانت ملقاة على عاتق حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وهو الحزب الذي يتولى السلطة منذ نهاية الفصل العنصري في عام 1994. ولعدة سنوات، كانت البلاد تواجه تحديات كبرى التحديات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة وتزايد الفقر وارتفاع الجريمة. وفاقمت هذه المشاكل إحباط المواطنين الذين يرون أوضاعهم المعيشية تتدهور.

وتعاني البنية التحتية في جنوب إفريقيا، وخاصة إمدادات المياه والكهرباء، من الانقطاعات المتكررة، مما يعقد الحياة اليومية لمواطني جنوب إفريقيا ويؤجج الاستياء. بالإضافة إلى ذلك، شوهت فضائح الفساد التي تورط فيها كبار مسؤولي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي صورة الحزب، الذي كان يحظى بالاحترام في السابق لدوره في محاربة نظام الفصل العنصري.

ووعد الرئيس الحالي سيريل رامافوسا بإصلاحات لتنشيط الاقتصاد ومكافحة الفساد، لكن جهوده تعرقلت بسبب الانقسامات الداخلية داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والمعارضة المتزايدة. وفي مواجهة هذا الوضع، يتسم المشهد السياسي في جنوب أفريقيا بالتشرذم المتزايد، مع ظهور أحزاب جديدة وتزايد الدعم للمعارضة. ويبحث الناخبون، الذين يشعرون بخيبة الأمل إزاء الوعود التي بذلها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، عن بدائل لتحسين مستقبلهم، الأمر الذي يجعل هذه الانتخابات حاسمة بشكل خاص بالنسبة للمستقبل السياسي للبلاد.

المشاركة والنتائج:

وفي يوم 29 ماي 2024 توجه ما يقرب من 28 مليون ناخب مسجل في جنوب إفريقيا نحو مراكز الاقتراع لاختيار تمثيلياتهم البرلمانية التي تسمى الجمعية الوطنية وفيها 400 مقعد والهيئات التشريعية لدى الأقاليم التسع والتي بها 430 مقعد، إذ بلغت نسبة إقبال الناخبين 58.5%، بانخفاض عن 66% في الانتخابات السابقة.
أما نتائج الانتخابات التي تم إعلان عنها رسميا يوم 2 ماي فقد شهدت لأول مرة تراجع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بعد 30 عام من فوزه بالأغلبية الساحقة التي تتجاوز 50% وكانت نتائج كالآتي:

*المؤتمر الوطني الأفريقي: 40% ( تأسيس نيلسون مانديلا وهو من أنهى الفصل العنصري في جنوب إفريقيا)

*التحالف الديمقراطي: (DA)21.26%(حزب ليبرالي تأسس سنة 1959 تحت اسم الحزب التقدمي المناهض للفصل العنصري وهو مؤيد لقطاع الأعمال بقيادة البيض).

*أومكونتو وي سيزوي (MK): 14.71%( تأسيس الرئيس السابق لجنوب أفريقيا جاكوب زوما، واسم الحزب مشتق من ” رمح الأمة ” الذي كان في سابق جناح العسكري لحزب المؤتمر إبان الكفاح ضد نظام الفصل العنصري الذي حكم البلاد بين 1948 و1994).

*المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية (EFF): 9.5%( تأسس سنة 2013 وهو حزب يساري متطرف بقيادة مؤسسه جوليوس ماليما) .

وتعكس هذه النتائج تراجع هيمنة حزب المؤتمر الوطني طيلة 30 سنة، فعلى سبيل المثال فقد حقق الحزب في الانتخابات الاخيرة نسبة 57.5 %، وهو ما يشير إلى نسبة تراجع الكبير للحزب الذي لطالما كان يحظى بأغلبية مريحة، وعدم تحصل الجزب على هذه الأغلبية سيدفعه إلى تشكيل التحالفات السياسية.

السيناريوهات المحتملة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي

ومن أجل البقاء في السلطة، سيضطر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى تشكيل ائتلافات. وتشمل الخيارات المتاحة للحزب إجراء مفاوضات مع حزب التحالف الديمقراطي، الذي يقترح سياسات ليبرالية للخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية، أو التقارب مع مؤسسة الحدود الإلكترونية، التي تدعو إلى إعادة توزيع الأراضي وتأميم القطاعات الاقتصادية الرئيسية. ومن الممكن أيضا النظر في التحالف مع حزب MK بزعامة جاكوب زوما، على الرغم من صعوبته بسبب العداء بين زوما والرئيس الحالي سيريل رامافوسا.

وقد أعلن حزب المؤتمر الوطني انفتاحه على جمع الأحزاب من أجل التفاوض معها لتشكيل حكومة ائتلافية، حتى مع تحالف المعارضة الرئيسي، والذي قاد حملات انتقادات مستمرة منذ سنوات ضد المؤتمر الوطني، وينظر إليه المحللون، بان الائتلاف بين حزبي الأغلبية هو الخيار الأفضل، بالنسبة لاستقرار جنوب إفريقيا. ويواجه حزب المؤتمر الوطني ضغوطا كبيرة لضيق الوقت خاصة وأن انعقاد البرلمان لانتخاب الرئيس لا بد وأن يكون في غضون 14 يوما من الانتخابات.

وقال الأمين العام للحزب فيكيلي مبالولا، إن “حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لن ينظر في مطالب حزب أومكونتو وي سيزوي (MK) الذي يتزعمه الرئيس السابق جاكوب زوما والذي اشترط تنحي رامافوسا لبدء المحادثات

تأثير جاكوب زوما وMK:

لعب حزب أومكونتو وي سيزوي (MK)، بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما، دورا حاسما في انتخابات عام 2024، وعلى الرغم من استبعاده من الاقتراع بسبب عدم أهليته، إلا أنه لا يزال شخصية مؤثرة وشعبية، ولا سيما في مقاطعة الزولو. معقل تاريخي لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي. ويبدو أن عضو MK مستعد للفوز بهذه المقاطعة بأكثر من 44% من الأصوات، وهو ما يتجاوز إلى حد كبير حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي حصل على أقل من 19% فقط.

إن اسم أومكونتو وي سيزوي، المقتبس من الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي أثناء النضال ضد الفصل العنصري  “رمح الأمة”، يتردد بقوة بين الناخبين، مستفيدا من ماضي زوما الناشط وشخصيته الجذابة. وتشهد شعبيتها المستمرة، على الرغم من الخلافات واتهامات الفساد، على تأثيرها الدائم في بعض المناطق.

وقد يؤدي تقدم أعضاء MK في إقليم الزولو إلى إضعاف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بشكل خطير، ليس فقط من خلال تقليص قبضته على أحد معاقله التقليدية، بل وأيضا من خلال المزيد من تفتيت المشهد السياسي في جنوب أفريقيا. قد يجبر نجاح عضو MK حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على إعادة النظر في استراتيجياته وتحالفاته، وتسليط الضوء على الانقسامات الداخلية والتحديات التي يواجهها الحزب في جهوده للحفاظ على هيمنته السياسية.

خاتمة:

تمثل الانتخابات التشريعية في مايو 2024 في جنوب أفريقيا نقطة تحول تاريخية محتملة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي تبدو هيمنته السياسية مهددة بشكل خطير. ومع ظهور النتائج التي تشير إلى خسارة الأغلبية المطلقة، يواجه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاجة إلى تشكيل تحالفات للحكم، وهو وضع لم نشهده منذ نهاية الفصل العنصري. وتعكس هذه الاضطرابات خيبة الأمل المتزايدة في جنوب أفريقيا إزاء المشاكل الاقتصادية المستمرة، والانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء، وسلسلة من فضائح الفساد التي أدت إلى تقويض الثقة في الحزب.

إن صعود الأحزاب الجديدة، مثل حزب MK  الذي يتزعمه جاكوب زوما، وتشرذم الناخبين يشير إلى تحول كبير في المشهد السياسي في جنوب أفريقيا. إن نتائج المفاوضات الائتلافية والخيارات الاستراتيجية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي لن تحدد استقرار الحكومة فحسب، بل وأيضا الاتجاه المستقبلي للبلاد. سيحتاج الرئيس سيريل رامافوسا، الذي يسعى لولاية ثانية، إلى الإبحار بمهارة في هذه البيئة السياسية الجديدة للحفاظ على قيادته وتلبية التوقعات المتزايدة للناخبين.

اترك تعليقاً

إغلاق