في اليوم الذي كان يستعد السنغاليون لإطلاق الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسيات للعام 2024، فاجأ الرئيس السنغالي “ماكي سال” مواطنيه والعالم أجمع بتاجيل الانتخابات دون تحديد موعد آخر لقيامها، فما هي الأسباب التي دفعت سال لتأجيلها، وما هي مواقف القوى السياسية المختلفة من التاجيل، وما هي التوقعات لبروز أمزة سياسية جديدة، وهل سيتمكن السنغاليون من توظيف تاريخهم السلمي في تجاوزها؟؟
أول سابقة تأجيل في تاريخ الانتخابات السنغالية
لم يشهد السنغال تأجيل انتخابات في تاريخه منذ حكومات ما قبل الاستقلال، على الرغم من حدوث توترات سياسية وخلافات قبل أي انتخابات ولكن قرارات الرئيس ماي سال تعتبر تاريخية في السجل السياسي السنغالي، ما دفع بعض المحللين الذهاب إلى تفسير ذلك بأن السنغال، أيضا لم تعد بالمثالية التي وُصفت بها بل أن الرئيس سال يمارس دكتاتورية ربما تقود إلى أوضاع سياسية مختلفة في المستقبل القريب.
دوافع التأجيل
تعددت التفسيرات والتاويلات للاسباب التي دفعت الرئيس سال لتأجيل الانتخابات، ويبدوا للمراقب أن جملة من الدواعي الموضوعية والذاتية المرتبطة بالمناخ السياسي العام والمرتبط ارتباطا قويا بتداعيات استبعاد مرشحين من السباق الرئاسي وحالة الشكوك المتبادلة بين الائتلاف الحاكم والمعارضة بشكل عام:
• اتهام قضاة في المحكمة العليا بتلقي رشاوى مالية ما يطعن في نزاهة الانتخابات والجهات العليا المعنية بالأمر
• مطالبة الحزب الديمقراطي بتأجيل الانتخابات، بزعم وجود وقائع تضر بنزاهة وشفافية االتانتخابات في البلاد
• تداعيات استبعاد مرشحين في السباق الرئاسي وعلى راسهم كريم واد ابن الرئيس السابق عبد الله واد ووريث الحزب الديمقراطي تالسنغالي بسبب ازداوج الجنسية وقد نفى ذلك بزعم انه قد تنازل عنها في الشهور الماضية.
• وحسب تصريحات الرئيس سال فإنه أعلن إطلاق حوار وطني مفتوح بهدف تهيئة الظروف لإجراء انتخابات حرة وشفافة وشاملة”.
إضافة إلى استبعاد المرشح العنيد عثمان سونكوا وخليفته، باسيرو ديوماي فاي
• بروز أزمة بين البرلمان والمجلس الدستوري، بعد تشكيل البرلمان لجنة للتحقيق مع قاضيين عضوين في المجلس مشكوك في نزاهتهما بشأن ملف الاستحقاقات.
• تخوفات ماكي سال من انزلاق الوضاع السياسية إلى أزمة بسبب الاضطرابات التي يمكن أن تحدث قبل الانتخابات مما يؤثر على الانتخابات بسبب الخلافات والنزاعات بين مختلف القوى السياسية، وهو حريص على نزاهة وشفافية الانتخابات.
• تزايد الشكوك المتبادلة واتساع حالة عدم الثقة بين اطراف العملية السياسية في السنغال في ظل الاتهامات الأخيرة للحزب الحاكم باقصاء الخصوم الأقوياء
ردود الأفعال على قرار الرئيس
عاد التوتر إلى الشارع السنغالي متزامنا مع الشحن السياسي المتبادل، ما فجر الوضع وفتحه على احتمالات مزيد من تعميق الخلافات والتباينات، ما يضع التجربة السياسية السنغالية الطويلة في التبادل السلمي والانتقال السلس للسلطة على المحك
غضب واحتجاجات الشارع
تداعى المتظاهرون الغاضبون إلى شوارع العاصمة داكار محتجين على تأجيل الاستحقاق الانتخابي إلى أجل غير مسمى، وتدخلت الشرطة السنغالية لفض الاحتجاجات بإلقاء القنابل المسيلة للدموع، وقد أوقفت الشرطة عددا من المتظاهرين، الذي هتفوا ضد الرئيس ماكي سال ” ماكي سال دكتاتور”
الانقلاب المؤسسي
وصفت المعارضة السياسية السنغالية الرئيس سال بأن القرار ما هو إلا انقلاب مؤسسي، كما يتهمه بعض المعارضين، بمحاولة تمديد فترة حكمه، وهو أمر ترفضه المعارضة، وتعتبره غير قانوني حسب تصريحاتها، ومن بين المؤسسات التي تتهم الرئيس سال بالانقلاب المؤسسي مجموعة F24 وهي مجموعة كبيرة من منظمات المجتمع المدني التي تدعم المرشح الرئاسي المعارض “خليفة سال” كما انها تقف وراء التظاهرات المندلعة في العاصمة.
دعت المعارضة إلى الهدوء مؤكدة التزامها بالجداول الزمنية المعتمدة للانتخابات، وقد أوقفت الشرطة السنغالية السياسية المعارضة ورئيسة الوزراء السابقة أميناتا توري، إلى جانب مرشحين آخرين للانتخابات الرئاسية، كما أحرق الغاضبون العلم الفرنسي أثناء الاحتجاجات. كما أكدت المعارضة على الذهاب للطعن في قرار الرئيس سال لدى المحكمة
تعليق خدمة الانترتين
أعلنت وزارة الاتصالات في بيان لها أنها أقدمت على تعليق خدمات الانترنيت في الهواتف المحمولة، مؤقتا منذ مساء الأحد بسبب ما وصفته برسائل الكراهية التي يتم إرسالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تحدد السلطات أجلا لإعادة الخدمة، ما اعتبره المعارضون محاولة لحجب حجم الاحتجاجات وكتم الحريات.
مخاوف المؤسسات الاقليمية والدولية
أصدر الاتحاد الإفريقي بيانا عبر فيه رئيس المفوضية السيد موسى فكي داعيا السنغال إلى إجارء الانتخابات في أسىع وقت، جاء فيه إن على إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، في شفافية وسلام ووئام وطني، وأضاف البيان (الاتحاد الأفريقي) يشجع بقوة كافة القوى السياسية والاجتماعية على حل أي نزاع سياسي من خلال التشاور الحضاري والتفاهم والحوار”.
أما المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا”إيكواس” فقد دعت إلى الحوار لحل الأزمة السياسية في السنغال. وحثت إيكواس السلطات السنغالية على “تسريع العمليات المختلفة لتحديد موعد جديد للانتخابات” من أجل حماية “الديمقراطية الراسخة” في البلاد، في منطقة شهدت انقلابات في عدة دول، بما في ذلك بوركينا فاسو ومالي. والنيجر وغينيا.
موقف الاتحاد الأروربي
دعا الاتحاد الأوروبي في بيان له جميع الأطراف الفاعلة إلى العمل من أجل إجراء انتخابات واضحة وشاملة وذات مصداقية في أسرع وقت ممكن، وقال الاتحاد إن تأجيل الانتخابات في السنغال يفتح فترة من عدم اليقين.
مخاوف التمديد
ظلت الساحه السياسية في السنغال، في حالة شد وجذب منذ الانتخابات التشريعية التي فقد فيها الائتلاف الحاكم الأغلبية المطلقة في العام الماضي كسابقة في التاريخ السنغالي، حيث لم يحكم أي تكتل سياسي دون أغلبية مريحة، وجرت مطالبات أحزاب المعارضة الرئيس ماكي سال بإعلان عدم ترشحه لولاية ثالثة، خاصة وأنه لم يصرح بإجابة تطمئن المعارضة، أو الوسط السياسي ما زاد من عدم اليقين حتى نوفمبر 2023 حيث أعلن عدم ترشحه لولاية ثالثة.
وبعد إعلان سال وتقديم الحزب الحاكم مرشحه للرئاسيات القادمة رئيس الوزراء الحالي أمادو با، عمل على توفير وتهيئة، المسرح السياسي لضمان الفوز ولكن يبدوا ان ظهور كريم واد وخليفة سال ومرشح حزب باستيف وخليفة عثمان سونكو مع احتمال تكتل المعارضة وتحقيق فوزها على مرشح الحكم، دفع الرئيس سال في اتجاه كسب بعض الوقت وإجراء مزيد من المناورات ربما بحثا عن مزيد من الأحزاب التي ترجح ميزان وكفة الأحزاب الحاكمة.
أزمة ما قبل الانتخابات أم أزمة مختلفة
الأزمات الانتخابية حالة مترافقة مع أغلب الانتخابات في الدول الإفريقية، وفي السنغال سوابق لأزمات مماثلة ولكن تم تجاوزها بعد وساطات من حكماء وكبار المجتمع السنغالي الذي يملك إرثا في تجاوز الخلافات، ولكن تثير الأزمة الحالية مخاوف حقيقية، من أن السنغال ربما تتدحرج إلى ذات التجارب المضطربة التي اجتاحت منطقة غرب إفريقيا في السنوات القليلة الماضية، ويرى المراقبون تراجع مستوى الأداء الذي درجت علية الأنظمة المختلفة منذ الاستقلال، وكونها نموذج للاستقرار السياسي والتدوال السلمي للسلطة، وسلاسة الانتقال، وهي المخاوف التي تشير إليها المعارضة بأنه توجه لاستمرار الحزب الحاكم في الحكم.
مخاوف خسارة الانتخابات
يؤكد مختصون في الشأن السنغالي أن هناك مخاوف حقيقية لدى الحزب الحاكم من الخسارة الحتمية على إثر حدوث انشقاقات في الحزب الحاكم وتقديم مرشح ليس في وزن الرئيس مع كتلة نيابية لا تملك أغلبية مطلقة في البرلمان، إضافة إلى تكتل المعارضة وقوة طرحها، خاصة وأن حظوظها ستكون كبيرة، إذا تكتلت حول مرشح واحد من أحزاب المعارضة، في ظل وجود احباطات كبيرة لدي قطاعات واشعة من الشباب السنغالي الذي لا يجد فرص عمل ويواجه مستقبلا مجهولا، يدفعه للتصويت بقوة لاي مرشح ينازل مرشح الرئيس كل هذا دفع الرئيس الدخول إلى الدهليز بحثا عن حل لأحجية الصندوق الأبيض
سوابق جديدة
فتحت قرارت الريس تكهنات متشائمة خاصة وأنها جاءت بعد فترة وجيزة من إعلاته عدم الترشح لولاية ثالثة، وتردد واضح في إفساح المجال لغيره، وهو ما أكد مخاوفه الآن للتأجيل إلى نهاية العام الجاري حسب قرار البرلمان الذي استبعد عنه نواب الكتل المعارضة حسب تصريحات مراقبين ما يؤشر إلى حالة الاستبداد التي يمارسها الرئيس سال من أجل البقاء والاستمرار في السلطة رغما عن خيارات الشعب وفق محللين، فهل يواجه السنغال سابقة أخرى، بعد سابقة التأجيل التي اجترحها الرئيس ماكي سال، أم تسبق الحكمة السنغالية في تجاوز الأزمات بحكمة وحنكة أهلها، الذين قدموا نموذجا فريدا في إفريقيا.
أبرز السيناريوهات المتوقعة
يتوقع المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات عدة سيناريوهات قد تحصل مستقبلا نتيجة هذا القرار المفاجئ، ويمكن ذكرخا فيما يلي:
1. التسوية السلمية والانتقال الديمقراطي: يعتمد هذا السيناريو على تحقيق حوار بناء بين الأطراف المعنية، يؤدي إلى تحديد موعد جديد للانتخابات. قد يشمل هذا الحوار إصلاحات سياسية وتعديلات في النظام الانتخابي لضمان شفافية ونزاهة العملية الانتخابية.
2. زيادة التوتر والاحتجاجات: في حال استمرار عدم وضوح موعد الانتخابات، قد تشهد السنغال تصاعدًا في التوترات وزيادة في الاحتجاجات. قد تتسارع هذه الأحداث إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع وفعال.
3. تشكيل تحالفات جديدة وتكتلات سياسية: قد يؤدي التأجيل المفاجئ إلى ظهور تحالفات جديدة داخل الحزب الحاكم وتكتلات جديدة في المعارضة. قد يكون لهذه التحولات تأثير كبير على توزيع القوى ونتائج الانتخابات.
تدخل دولي ووساطة إقليمية: قد يتدخل الوسطاء الإقليميون والدوليون لتسوية الأزمة، سعيًا لتجنب التصاعد السلبي للأحداث. يمكن أن يكون لهم دور في تسهيل حوارات بناءة وتقديم حلاً قبل تفاقم الوضع.
4. حدوث تحول سياسي غير مسبوق: قد يفتح التأجيل الطريق لتحول سياسي في السنغال، حيث قد ينشأ نمط جديد للسياسة والحكم. قد يتسبب في ظهور قادة جدد أو تحالفات غير متوقعة.
وفي نهاية المطاف، ينبغي متابعة التطورات بعناية لفهم كيفية تشكل هذه السيناريوهات وتأثيرها على مستقبل السنغال السياسي.
ختاما
تتسم الساحة السياسية في السنغال بالتوتر وعدم اليقين نتيجة تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 25 فبراير 2024. قرار الرئيس ماكي سال بإلغاء هذه الاتخابات أثار مخاوف حول تمديد فترة حكمه، خاصةً بعد تأكيده سابقًا على عدم الترشح لولاية ثالثة. فالأزمة الحالية تعكس التحديات السياسية والانقسامات في البلاد، مع احتمالية حدوث انشقاقات داخل الحزب الحاكم وتكتل المعارضة.
فالمخاوف من فقدان الانتخابات وظهور كتلة معارضة قوية تعكس توجهات جديدة في المشهد السياسي. ويظهر القرار أيضًا مخاوف من تجاوز السنغال لتجارب مضطربة تشهدها مناطق أخرى في غرب إفريقيا.
في الوقت ذاته، الوسطاء الإقليميين والدوليين يدعون إلى الحوار والتسوية السلمية، وتظهر المخاوف من تأثير الأزمة على استقرار السنغال، الذي كان يُعتبر نموذجًا للاستقرار السياسي والتدوال السلمي للسلطة في الماضي.