دخلت الحرب في السودان أسبوعها الثاني عشر وهي تزداد ضراوة وسخونة في صيف السودان الغائظ، وبالتوازي بدأ الجانب السياسي في تطورات متسارعة خاصة بعد أن تمكنت قيادات من قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي الخروج من السودان ووصولها إلى بر الأمان، حيث شرعت في التواصل مع حلفائها ابتداء من أوغندا وإثيوبيا وكينيا، ويبدوا أنها، تستبق الوقت لمنع وقوع أي هزيمة للدعم السريع الذي يعتبر أهم حليف لهم في الوقت الراهن على المستوى المحلي وتبذل كل ما من شأنه إعادة المسار السياسي.
واقع العمليات الميدانية
على الرغم من أن الأسبوع المنصرم لم يشهد استهداف المواقع الرئيسية للجيش من قبل قوات الدعم السريع، إلا أن نطاق العمليات العسكرية كما وكيفا، كان في أعلى مستوياته، بسبب إعلان الجيش تنظيف وتحرير كامل العاصمة من قوات الدعم السريع، وفق خطة محكمة بدأت من أم درمان وبالتوالي انتهاء بالخرطوم:
– شهدت المدن الثلاث عمليات واسعة ويلاحظ أن المبادرات في اغلبها كانت في كفة الجيش ما عدا بعض المحاولات التي قامت بها مجموعات من الدعم السريع مستهدفة سلاح المهندسين ومقر قيادة الاحتياطي المركزي في أم درمان.
– كما لوحظ تركيز الجيش على العمليات الخاصة في الفترة الأخيرة، ويبدوا انها حققت كثيرا من الأهداف، ذلك لكون المواجهات على الأرض كانت نقطة تفوق للدعم السريع ولفترة ليس بالقصيرة منذ اندلاع الحرب في 15 ابريل الماضي
– تداولت الأوساط السودانية وصول المسيرات التركية “بيرق دار” وأن الجيش قد تسلم عدد 50 طائرة، وهو ما خلق حالة من التأثير النفسي البالغ، وربما هزائم تنتظر الدعم السريع حسب أراء المحللين
– شهدت الأسبوع المنصرم تمدد عمليات الدعم السريع العسكرية إلى ولاية شمال كردفان حيث الأبيض وبارا وولاية شمال دارفور التي تدور فيها الحرب بشكل متقطع
– تداولت أوساط سودانية محاولات الدعم السريع لتوسيع المعارك شمالا وشرقا، وقد أفادت مصادر في ولاية نهر النيل ان القوات الأمنية قبضت على متسللين من الدعم السريع وبحوزتهم أسلحة وذخائر كانوا يراقبون المواقع الاستراتيجية.
– اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع بمختلف أنواع الأسلحة في عدد من أحياء الخرطوم والخرطوم بحري.
– اشتباكات عنيفة في محيط الإذاعة والتليفزيون في أم درمان، والجيش يعلن عن محاصرته وتديره لعدد من الارتكازات التابعة للدعم السريع في محيط المنطقة
– الطيران الحربي يقصف مواقع تمركز الدعم السريع في محلية شرق النيل
– الجيش أعلن عن إسقاطه لمسيرة تابعة للدعم السريع في منطقة بحري كانت تستهدف سلاح النقل بالقرب من جسر النيل الأزرق
– أعلن الجيش سيطرته على كبري جبل أولياء وضبط عدد كبير من السيارات المسروقة من المواطنين ومبالغ كبيرة سرقت من مصنع سك العملة قبل اعتمادها للتداول وأموال أخرى تتبع لمواطنين
– أعلنت قوات الدعم السريع في مقطع مصور عن إسقاط طائرة حربية من طراز ميج باستخدام المضادات الأرضية بمنطقة الفكي هاشم شمال الخرطوم بحري
– اشتباكات عنيفة بمختلف أنواع الأسلحة، الثقيلة والخفيفة، في مقر الاحتياطي المركزي في أم درمان
– محاولات دخول قوات الدعم السريع للاستيلاء على مدين الأبيض من الاتجاه الغربي تقول قيادة الهجانة انها تصدت له
– أعلن الجيش عن تدمير قواته الجوية رتلا من امدادات الدعم السريع بمقر هيئة العمليات بمنطقة الرياض شرق الخرطوم.
– أعلن الجيش عن تصديه لهجوم من قوات الدعم السريع على القيادة العامة من محورين بواسطة عدد كبير من العربات القتالية وعدد من الدراجات النارية.
– اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، حول منطقة المهندسين وحمد النيل ومناطق عدة جنوب أم درمان
– قوات الدعم السريع أعلنت استيلاءها على مخازن للصواريخ ومضاد للطائرات والذخائر تتبع للجيش.
الدبلوماسية السودانية
على الرغم من البطء الذي شهدته الدبلوماسية السودانية إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تحركا كبيرا كان طرفاه نائب رئيس المجلس السيادي السيد مالك عقار ووزير الخارجية المكلف السيد علي الصادق علي، حيث التقى وزير الخارجية بعدد من نظرائه في قمة دول عدم الانحياز الذي انعقد في باكو العاصمة الآذرية، وزير خارجية أوغندا الذي أكد له وزير الخارجية السوداني على قبولهم بالحلول الإفريقية وشكك في نهج نيروبي في محاولة فرض حلول غير إفريقية كما التقى وزير الخارجية الإيراني الذي أعلن عن نيتهم استعادة العلاقات الدبلوماسية التي انقطعت منذ سبع سنوات، أما نائب رئيس المجلس السيادي مالك عقار فقد زار أسمرا التي التقى فيها بالرئيس الإرتري أسياس أفورقي الذي وصف المبادرات التي طُرحت لمعالجة الوضع السوداني بالبازارات السياسية رافضا المشاركة فيها.
خروج قائد ثاني الدعم السريع من الخرطوم
أكدت عدد من المصادر تمكن قائد ثاني قوات الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلوا من الخروج من الخرطوم بعد الهزائم المتكررة التي تعرضت لها قواته في الخرطوم ووصوله إلى منطقة الزرق، حيث توجد فيها قاعدة كبيرة لقوات الدعم السريع، وتعتبر من أهم مواقعها الاستراتيجية؛ حيث تقود إلى منطقة الوخايم الليبية ووادي هور، ومن منطقة الزرق تحرك إلى انجمينا العاصمة التشادية، بهدف عقد لقاءات مع حركات دارفور الموقعة على اتفاقية سلام جوبا حسب عدد من المصادر، كما رجحت مصادر أخرى أن يكون سفره بهدف السفر إلى الانضمام للشخصيات السياسية المتحالفة معه، لكن بالمقابل أكدت مصادر موثوقة من تشاد أنه لم يلتق أي من هذه القيادات في انجمينا.
قيادات اتفاق جوبا في انجمينا
بدعوة من الرئيس التشادي محمد إدريس دبي وصل العاصمة التشادية انجمينا الخميس قيادات الحركات المسلحة الدرافورية والموقعة على اتفاق جوبا للسلام للتباحث مع الرئيس التشادي حول سبل إيقاف الحرب باعتبار أن تشاد من الدول المتأثرة بالحرب بشكل مباشر واستقبلت منذ اندلاع الحرب ما يزيد على 200 الف لاجئ سوداني فرو من الحرب التي دارت وتدور في إقليم دارفور، وشارك في الوفد الهادي إدريس عضو مجلس لسيادة ورئيس حركة تحرير السودان، المجلس الانتقالي والطاهر حجر عضو مجلس السيادة ورئيس تجمع قوى تحرير السودان ونائبه عبد الله يحي، والدكتور جبريل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، ومني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان.
تطورات المشهد السياسي
القبائل العربية في جنوب دارفور تعلن دعمها للدعم السريع
في بيان وقعت عليه قيادات من الإدارات الأهلية بولاية جنوب دارفور بثته وسائل إعلام الدعم السريع وتعلن فيه هذه القيادات انحيازها للدعم السريع، ما أثار مخاوف من عرقنة الصراع في دارفور أكثر مما هو عليه الآن خاصة ولديه جذور وسوابق، وناشدت في بيانها ابناء هذه القبائل بترك الجيش والانضمام للدعم السريع، لآن الجيش يسعى لإعادة النظام السابق كما جاء في البيان، والقبائل هي بيني هلبة، الترجم، المسيرية، التعايشة، ورزيقات جنوب دارفور، الهبانية ومن القبائل غير العربية قبيلة الفلاتة.
قلل مصدر بالجيش السوداني وفق عدد من المصادر من أهمية التسجيل ويرى أن الأمر مبالغ فيه، لأن قوات الدعم السريع تبحث عن فرقعة إعلامية، بينما يبحث زعماء القبائل عن مصالحهم الشخصية والتي تلتقي مع مصالح قائد الدعم السريع.
وفد الحرية والتغيير في أوغندا
لعل أبرز تطور شده السودان منذ اندلاع الحرب هو اختفاء وتراجع البعد السياسي وعلو خطاب البندقية ومنذ أسبوع عادت إلى الظهور قيادات الحرية والتغيير على المسرح السياسي خارج السودان في محاولات تسويق روايتها لفصول الحرب وأطرافها ورؤيتها للحل.
– دشنت مجموعة من قيادات الحرية والتغيير تحركاتها بلقاءً مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في العاصمة ألأوغندية كمبالا، وجاء على لسان الناطق الرسمي باسم تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) خالد عمر يوسف إن الرئيس الأوغندي أكد اتصاله بقيادة الجيش السوداني وقيادة قوات الدعم السريع من أجل حثهما على الحل السياسي السلمي.
كما جاء في تعليق الرئيس الأوغندي على اللقاء في تغريدة على توتير على لقائه مجموعة من السياسيين السودانيين قائلا “دعتني مجموعة من المجتمع المدني والقادة السياسيين من جمهورية السودان في مقر الرئاسة في عنتيبي لمناقشة التدخلات المحتملة للحد من تصعيد الضرر المستمر بالبلاد. واضاف “لقد لاحظت اقتراحاتهم للاستفادة من مختلف آليات الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية”
قمة الإيغاد في أديس ابابا
في 10 يوليو 2023 انعقدت في أديس ابابا الاجتماع الأول لمجموعة دول الإيقاد الرباعية لحل الوضع في السودان. وجاء في بيان القمة: اجتمع رؤساء دول وحكومات المجموعة الرباعية للإيقاد يوم الاثنين 10 يوليو 2023 في أديس أبابا ، إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية لمناقشة تنفيذ خارطة طريق إيغاد للسلام في جمهورية السودان، ولوحظ في البيان وصف وفد الحكومة السودانية بوفد القوات المسلحة، الذي تأسفت القمة لعدم حضوره والمشاركة في القمة، ورحب البيان بالقمة التي تعد لها جمهورية مصر في 13 يوليو باعتباره مسارا مكملا للجهود الجارية، ويؤكد البيان أنه لا حل عسكري للحرب في السودان، ويقرر حشد الجهود من أجل عقد لقاء مباشر بين الطرفين، يطلب البيان من القوة الاحتياطية لشرق إفريقيا (EASF) الانعقاد من أجل النظر في إمكانية نشر القوة الاحتياطية لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية. كما يحث البيان جميع الجهات الفاعلة السودانية على الانخراط في حوار شامل للجميع يملكه ويقوده السودانيون من أجل تحقيق سلام مستدام، وفي هذا الصدد، ستبدأ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (الإيغاد) بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي على الفور في عملية مشاركة مدنية تحقق هذه الأهداف.
ومن المهم الإشارة بأن الحكومة السودانية رفضت المشاركة بسبب اعتراضها على رئاسة كينيا واشترطت المشاركة بتنحية الرئيس الكيني عن رئاسة اللجنة الرباعية، كما ان المؤتمر حضره رئيسين فقط من مجموع أربعة رؤساء كان يفترض ان يحضروا القمة، واثار بيان قمة الإيغاد ردودا عنيفة في الأوساط السودانية الرافضة للتدخل في الشأن السوداني. وفي وقت سابق رفض السودان بعض مقررات قمة الإيغاد متهما القمة بعدم مشاورته قبل اتخاذ القرارات التي تخص السودان.
كما ان قمة الإيغاد شاركت فيها السيدة ــ مولي في ــ مساعدة مزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية، باعتبار القمة فرصة لبحث سبل حل الأزمة السودانية سيما بعد تمكن خروج حلفائهم من السودان، وجاء في بيان للخارجية الأمريكية أن مولي ستلتقي بكبار ممثلي الحكومات في المنطقة وممثلي الإيغاد، ومفوضية الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى مدنيين سودانيين ملتزمين بإنهاء الصراع واستعادة الحكم الديمقراطي، وشددت على أن رسالة الشركاء الدوليين أنه لا يوجد حل عسكري مقبول لهذا الصراع.
مصر تستضيف قمة دول الجوار السوداني
بالتوازي مع تحرك المعسكر الداعم لقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وحلفائهم الإقليميين والدوليين أعلنت مصر عن استضافتها قمة لدول جوار السودان في 13 يوليو الجاري، حيث اعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، أن بلاده ستستضيف قمة دول الجوار السوداني، بهدف اتخاذ خطوات لحل الأزمة السودانية وحقن دماء الشعب السوداني وجاء في بيان الرئاسة، أنها ستعمل على صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المباشر للسودان واتخاذ خطوات لحل الأزمة والحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها وتجنيب السودان الآثار السلبية والتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى.
خاتمة
تشهد المواجهات الميدانية منذ نداء الفريق البرهان لانضمام الشباب وقدامى المحاربين للجيش تقدما ملحوظا للجيش إذ وفر تدافع الشباب وقدامى المحاربين فرصة لإعادة ترتيب وتوجيه، قطاعات ومفارز العمليات الخاصة نحو مواقع تمركزات الدعم السريع وأماكن تحركاتهم، ومع تناقص أعداد مقاتلي الدعم السريع، وضعف الإمداد، بدا التراجع واضحا في أدائهم، ويتضح هذا في مساحات التمشيط اليومية للجيش ومفارزه الخاصة في أم درمان والخرطوم على وجه الخصوص، الأمر الآخر هو محاولات بعض قيادات قوى الحرية والتغيير مجموعة الاتفاق الإطاري، بحشد حلفائهم في المنطقة وبحث إمكانية عودة المسار السياسي عبر تدخل قوات إفريقية تابعة لجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي (إيساف ESAF) وهو ما ترفضه الحكومة السودانية عملا بما جرى في إثيوبيا باعتبار أن ما يجري شأن داخلي لا يتطلب التدخل من أية جهة كانت.
وما يمكن توقعه هو أن تحرك الحرية والتغيير وبعض قيادات الدعم السريع في الخارج سيزيد من فرص الحول العسكرية وليست السياسية، لأن المساعي غير محايدة ولا تبحث حلولا وسط، وهو المفتاح الذي يجب ان تحرص عليه أي جهة تبذل مسعى في حل الأزمة، ولأنه ليس هناك حرب تنتهي بحل عسكري كما هو معروف.
المصدر: المركز الإفريقي للابحاث ودراسة السياسات