غموض يرفع منسوب التوتر والرهانات أيضا، ويرسم بأفق المشهد السياسي الإثيوبي سيناريوهات متعددة لما بعد الإثنين المقبل، تاريخ انتهاء ولاية الحكومة الحالية.
خلافات وتبايانات تنذر بتفاقم الأزمة الناجمة عن تأجيل الانتخابات في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، لم تهدأ وتيرتها رغم تمديد ولاية الحكومة والمجالس الفيدرالية والإقليمية، قبل أن يوافق البرلمان الإثيوبي، سابقا، على إجراء الاقتراع وترك تحديد موعده للهيئة الدستورية المستقلة المعنية به.
فبين من يطالب بتشكيل حكومة انتقالية لقيادة مرحلة تمهد لإجراء الانتخابات، وآخر ما زالت مواقفه تتسم بعدم الوضوح والضبابية، يظل المشهد الإثيوبي مفتوحا على مختلف السيناريوهات المحتملة.
المعارضة وغموض الدستور
حالة من التعقيد والتطورات المتلاحقة تلبد المشهد الإثيوبي، بسبب خلافات حادة وعميقة بين أحزاب المعارضة والحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، بدأت بتمديد إجراء الانتخابات العامة التي كانت مقررة في 29 أغسطس/آب الماضي، قبل إرجائها جراء كورونا.
وتتصدر المعارضة “جبهة تحرير تجراي”، التي قادت المشهد السياسي في إثيوبيا من 1991 إلى 2018، قبل أن تغادره بوصول آبي أحمد لرئاسة الوزراء في أبريل/نيسان 2019.
وترى الجبهة، وقوى المعارضة في إرجاء الاقتراع محاولة من آبي أحمد للالتفاف على الدستور، واستغلال الجائحة لتمديد سلطته.
وعلاوة على الخلافات بين المعارضة والحكومة، تعود جذور الأزمة إلى الدستور الإثيوبي نفسه الذي لم يحدد بشكل واضح الخطوات اللازمة في حال انتهاء الولاية الشرعية للحكومة، والإجراءات اللازمة في حال عدم تمكنها من إجراء الانتخابات في موعدها لأي طارئ.
وفي ظل هذا السجال، يعقد البرلمان والمجلس الفيدرالي في إثيوبيا جلسة مشتركة الإثنين المقبل، كان يفترض أن تكون في إطار حكومة جديدة منتخبة لولا تأجيل الانتخابات.
ومن المتوقع أن تناقش الجلسة الأزمة القائمة، والتأكيد على سريان قرار المجلس الفيدرالي بتمديد ولاية الحكومة ومجالس الولايات وحكوماتها.
واستباقا لانتقادات المعارضة بعدم شرعية الحكومة الإثيوبية الحالية بعد الإثنين، استعرضت قوات الشرطة الفيدرالية قوتها في العاصمة أديس أبابا بحضور آبي أحمد، الذي تعهد -بالمناسبة- بمواصلة الإصلاح الجاري لبناء جيش وشرطة محايدة.
التفاوض مع جبهة تجراي
وفي قراءة للسيناريوهات المرتقبة، يرى أستاذ القانون والفيدرالية بجامعة أديس أبابا سيساي منجيستي أن الوضع السياسي المتوتر بحاجة لحوار بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تجراي.
وقال منجستي، في حديث مع “العين الإخبارية”، إن “المعضلة الكبرى التي تقف أمام الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، والتي قد تجر المشهد السياسي إلى مواجهة لا تحمد عواقبها، تكمن في الجبهة” المذكورة.
واعتبر أن “المعضلة” تتمثل في وضع حكومة آبي أحمد أمام خيارين، إما مواجهة عسكرية بتدخل قوات فيدرالية وحل الحكومة المنتخبة في إقليم تجراي التي أعلنت أديس أبابا مسبقا عدم شرعيتها، وإما الجلوس للتفاوض مع الجبهة لحل الخلافات وإيجاد تسوية سياسية للوضع القائم بينهما.
وأضاف أن الجبهة “نجحت بطريقة ماكرة في حشد شعب تجراي حولها وكسبه على أنها مستهدفة من حكومة آبي أحمد، ما يعقد أي محاولات لتدخل عسكري من أديس أبابا”.
وحذر من أن المواجهة ستضع الحكومة وجها لوجه مع شعب تجراي الذي استطاعت الجبهة كسبه، وهذا ما سيقود إلى نتائج غير حميدة بالإقليم، وقد يؤدي للمطالبة بالإنفصال.
وأكد منجستي أن حل الأزمة السياسية بين الجبهة والحكومة يكمن في مدى جدية رغبة الطرفين بحلها، لافتا إلى أن ما جعل الإقليم عصيا على أديس أبابا هي الخبرة العسكرية والتجربة السياسية المتراكمة لجبهة تحرير تجراي، ما أدى إلى تردد آبي أحمد في اتخاذ أي خطوة عسكرية قد تعقد الوضع.
دولة منفصلة
منجستي حذر أيضا من ترك الوضع على ما هو عليه بين تجراي والحكومة الإثيوبية، معتبرا أن عدم إيجاد أي تسوية للأزمة سيجعل الجبهة تتجه لخلق وضع في إقليم تجراي أشبه بدولة منفصلة داخل إثيوبيا.
ووفق الخبير، فإن الانتخابات التي أجراها الإقليم دون اعتراف أديس أبابا، وتشكيل حكومة الإقليم لولاية جديدة في ظل الانتخابات الوطنية العامة المؤجلة، يمثل دليلا على قدرتها في المضي قدما بكل ما يعقد الوضع السياسي الراهن.
وفي الأثناء، ترفع الأجواء المُلبَّدة من سقف الرهانات على الانتخابات العامة التي صادق البرلمان الإثيوبي على إجرائها الشهر الماضي، وترك تحديد موعد إجرائها للهيئة الدستورية المكلفة بتنظيم الاقتراع.
وتعد الانتخابات المقبلة السادسة من نوعها منذ إقرار البلاد الدستور الإثيوبي عام 1994، وإجراء أول انتخابات في 1995، حيث يعول الكثيرون في الداخل والمحيط الإقليمي على أن تكون فرصة أمام البلاد للخروج كدولة ديمقراطية موحدة.
ولا تزال هناك ضبابية تلف مواقف الأحزاب الإثيوبية من قرار البرلمان بعقد الانتخابات المؤجلة، خاصة أن العديد منها كانت تعارض تأجيل الاقتراع بسبب كورونا.
فيما دعا بعض زعماء المعارضة إلى حكومة تصريف أعمال أو حكومة انتقالية تقود إثيوبيا حتى موعد الانتخابات، وهو اقتراح يلتقي مع جبهة تحرير تجراي، فيما وصفه زعيم حزب الازدهار الحاكم آبي أحمد، بأنه غير قابل للتطبيق.
واستبعد آبي أحمد تشكيل حكومة انتقالية بمجرد انتهاء فترة ولايته، رافضاً الاتهامات بأنه يسيء استغلال وباء كورونا، ويسعى إلى تأجيل الانتخابات لتمديد حكمه.
المصدر: العين الإخبارية