أثيوبيا
معضلة إثيوبيا فى تحقيق الأمن والاستقرار
نشرت مؤسسة Institute of Security Studies مقالا للكاتب سمير يوسف تناول فيه الأزمة الراهنة فى إثيوبيا والصعوبات التى يواجهها رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد فى تحقيق الاستقرار.
تسببت الاغتيالات الأخيرة لعدد من القادة السياسيين والعسكريين فى إثيوبيا فى إحداث اضطرابات أثرت على العملية الانتقالية وعكست الكثير من المشاكل التى تواجهها إثيوبيا. لقد حدث التغيير السياسى بسرعة، ما زاد من الشعور بأن البلاد أصبحت أخيرا على طريق الديمقراطية. ولكن هناك تحديات تتمثل فى الإرث الإثيوبى الذى لطالما كانت فيه الدولة قوية.. والتى يُنظر إليها الآن على أنها هشة وغير راغبة فى استعادة الأمن وسيادة القانون.
بعد تولى أبى أحمد رئاسة الوزراء فى عام 2018، بدأت سلسلة من الإصلاحات السياسية. زادت حرية الصحافة مع إلغاء حظر 264 موقعًا إخباريًا. تم إطلاق سراح الآلاف من السجناء السياسيين وسمح لجميع الأحزاب السياسية المحظورة بالعمل بحرية وتم استبدال القوانين القمعية بقوانين أكثر ليبرالية.
يواجه الإصلاح الديمقراطى العديد من التحديات.. ويتمثل التحدى الرئيسى فى ابتعاد الدولة عن الهيمنة. فإثيوبيا على مدار التاريخ كانت دولة قوية ذات قدرة هائلة على قمع منافسيها وتعبئة الموارد لتحقيق أهدافها. فهى دولة حكمها نظامان عززا من سيطرة ومركزية الحكومة ــ الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية والتى أطلق عليها (ديرج) فى عام 1974 والجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية فى عام 1991.
هذا لم يمنع تعرض الـ«ديرج» لتحديات خطيرة من قبل مجموعة من القوى القومية العرقية مثل الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا وجبهة تيغريان لتحرير الشعب. وبدلا من فتح المجال السياسى، أدت هذه المنافسة إلى اشتعال حرب أهلية حالت دون ظهور قوى ديمقراطية ــ مجتمع مدنى قوى وطبقة متوسطة ومعارضة سياسية سلمية.
بعد هزيمة النظام العسكرى، زادت الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية من الأجهزة القمعية فى الدولة لتأمين السيطرة على البلد. على الرغم من أن الحزب الحاكم كان أكثر استجابة لمطالب الجماعات العرقية من الحكومة السابقة.. إلا أنه حافظ على مركزية الدولة من خلال بنية حزبية هرمية سيطرت على جميع القطاعات ولم تسمح للمتنافسين بالظهور. من غير المرجح أن يكون هناك عودة إلى الاستبداد، لكن التحول إلى الديمقراطية ليس بالضرورة فى أيد أمينة. ذلك يعتمد إلى حد كبير على إرادة الحزب الحاكم.
مع ما تمتلكه إثيوبيا من تاريخ طويل من الاستبداد، يصبح من الساخر أن تكون هشاشة الدولة هى التحدى الرئيسى الثانى الذى يواجه الانتقال الديمقراطى. خلال الـ 27 عامًا الماضية، حكمت الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية من خلال نظامين متعارضين: دولة شديدة المركزية إلى جانب هيكل فيدرالى مقسم على أساس اللغة والعرق. وعندما قلت سيطرة المركز ووجود دولة قوية قادرة على ضمان الأمن فى جميع أنحاء البلاد، أدت تطلعات المجموعات العرقية المختلفة إلى اشتباكات عنيفة.
منذ أن تولى آبى منصبه، تعرضت إثيوبيا للعديد من الصراعات العرقية. اندلعت اشتباكات عنيفة فى أنحاء مختلفة من البلاد، مما تسبب فى مقتل العديد من الأشخاص والتسبب فى نزوح أعداد كبيرة من الأقليات العرقية.
لكى تحقق إثيوبيا الديمقراطية والأمن وسيادة القانون، يجب أن تعيد سيطرتها على القوى العرقية السياسية المتصارعة. وهذا يتطلب إعادة تنظيم جذرى للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية لتحقيق اتفاق داخلى حول رؤيتهم لنظام ديمقراطى جديد. وهناك حاجة للمشاركة المستمرة بين حكومة آبى والطبقة الوسطى والمنظمات المدنية والأحزاب السياسية. فيصبح على رجال الأعمال ونشطاء المجتمع المدنى والسياسيين المعارضين تعزيز وجودهم والمساعدة فى بناء بيئة سياسية سلمية.
تتطلب معضلة الديمقراطية والأمن فى إثيوبيا أن تكون الدولة حازمة واحتوائية فى نفس الوقت. الفشل فى أى من المهام سيعرض الانتقال الديمقراطى للخطر. هناك حاجة إلى قيادة قوية تدفع إلى التحرر السياسى والتنسيق بين الحزب الحاكم والحكومة. فالانقسام الحالى فى الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية يولد الحاجة إلى إحداث تعديل جذرى للحزب.
(الشروق)