حمل شهر رمضان الحالي، الكثير من البشريات السياسية لإثيوبيا وأحزاب المعارضة على وجه الخصوص، بعد قرابة ثلاث سنوات من التوترات والاحتجاجات المتقطعة التي شهدتها البلاد.
أولى هذه البشريات ظهرت بعد أن أدّى أبي أحمد علي (41 عاماً) اليمين الدستورية، مطلع إبريل/نيسان الماضي، رئيساً للوزراء خلفا لهيلي ماريام ديسالين، الذين استقال من رئاسة الحكومة منتصف فبراير/ شباط الماضي.
وتعهد “أبي أحمد”، في خطاب له عقب أداء اليمين الدستورية، بإتاحة الحريات والممارسة السياسية أمام أحزاب المعارضة ومواطني المهجر، ومحاربة الفساد، وتطوير الاقتصاد، وشدد على ضرورة معالجة التباينات الداخلية عبر الحوار.
ومثّلت تعهدات “أبي أحمد” استجابة لعدد من مطالب المتظاهرين، الذين أطلقوا حركة احتجاجية واسعة النطاق، منذ عام 2015، ارتفعت وتيرتها خلال الأشهر الأخيرة.
وفي 16 فبراير الماضي، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ على خلفية احتجاجات في إقليم أوروميا (جنوب)، للمطالبة بالإفراج عن معتقلين سياسيين، تحوّلت لاحقاً إلى أعمال عنف في بعض المناطق، وأسفرت عن قتلى وجرحى.
– المصالحة الوطنية
ظهرت بوادر المصالحة الوطنية في إثيوبيا بعد أسبوع من تولي أبي أحمد، رئاسة الحكومة، عندما أجرى لقاء مع ممثلي المعارضة وشخصيات وطنية بارزة وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني، بحضور اثنين من زعماء المعارضة، هما ميريرا جودينا، وبيكيلي جيربا.
وفي كلمة مقتضبة خلال اللقاء، تعهد رئيس الوزراء الجديد بإتاحة الحريات السياسية والمشاركة لأحزاب المعارضة، وأعرب عن استعداد حكومته للعمل مع أحزاب المعارضة لتعزيز سياسة التعددية الحزبية.
ودعا رئيس الوزراء، قادة المعارضة إلى فتح صفحة جديدة، واتخاذ مواقف إيجابية للمساهمة في تطوير الديمقراطية في البلاد.
– العفو العام
رغم أن بعض قادة المعارضة الإثيوبية بالداخل والخارج أبدوا “تفاؤلاً حذراً” بالخطاب الأول لرئيس الوزراء الجديد، وشكّكوا في أن يسمح له الائتلاف الحاكم بالوفاء بوعوده، إلا ان مؤشرات كثيرة بدّدت هذه الشكوك.
ومن أهم هذه المؤشرات، أصدرت السلطات الإثيوبية عفواً عاماً عن المعتقلين السياسيين، في 29 مايو/ أيار الماضي، وأطلقت سراح 576 معتقلاً سياسياً، بينهم المعارض البارز، أندر قاشو ظقاي.
وتم توقيف أندر قاشو ظقاي، نائب رئيس “حركة 7 مايو”، في يوليو/تموز 2014، بمطار العاصمة اليمنية صنعاء، بينما كان في طريقه إلى العاصمة الإريترية، ثم تم ترحيله إلى إثيوبيا.
واعتبر تيغيستو أويلو، رئيس حزب أندينت (الوحدة) المعارض، إطلاق سراح ظقاي، “خطوة مهمة للغاية لتحقيق المصالحة الوطنية”.
وقال أويلو، إن “إطلاق سراح ظقاي خطوة جيدة تنبع من محاولة حقيقية لإحداث المصالحة والتعافي من حالة الصراع”.
ويأتي قرار إطلاق سراح السجناء في إطار القرارات، التي اتخذها الائتلاف الحاكم في إثيوبيا “الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية”، من أجل بناء توافق وطني في البلاد.
ولا يوجد تقدير رسمي لعدد المعتقلين السياسيين في إثيوبيا، لكن أغلبهم تم توقيفهم على خلفية احتجاجات مناهضة للحكومة، في مناطق بإقليمي “الأمهرا” و”أوروميا” منذ أغسطس/آب 2016، حيث يتهم المحتجون الحكومة بتهميش الإقليم وإقصائه سياسياً، وهو ما تنفيه الأخيرة.
وسبق هذا الخطوة إطلاق سراح سجناء سياسيين مطلع العام الجاري، بينهم رئيس حزب “مؤتمر الأرومو” الاتحادي المعارض، ميريرا جودينا، الذي سبق أن جرى توقيفه في 2016.
– إسقاط التهم عن قيادات بالخارج
لم تتوقف الإصلاحات والمصالحة الوطنية على إطلاق السجناء السياسيين، وإنما شملت قيادات بارزة تقيم خارج البلاد، حيث أسقطت الحكومة في 29 مايو/ أيار الماضي، التهم عن أبرز اثنين من المعارضين بالخارج، وهما برهانو نيقا، رئيس “حركة 7 مايو” المعارضة المحظورة، وجوهر محمد، مدير شبكة “أرومو” الإعلامية.
ويتخذ برهانو نيقا، من إريتريا مقرا له، بينما يقيم جوهر محمد، في الولايات المتحدة، ويعتبر ناشطاً سياسياً معارضاً ومؤثراً للغاية بتصريحاته المناوئة للحكومة، والاثنان يواجهان تهم “الإرهاب وتقويض النظام”.
وتصنف الحكومة “حركة 7 مايو”، ضمن الحركات المحظورة في البلاد.
كما عاد قبل أسبوع لينشو ليتا، رئيس “جبهة أورومو الديمقراطية” الإثيوبية المعارضة، و4 من قيادات الجبهة إلى العاصمة أديس أبابا، بعد سنوات قضوها في المنفى.
وانفصل ليتا عن “جبهة تحرير أورومو” (OLF)، أواخر تسعينات القرن الماضي، بعد سنوات من إعلان الأخيرة حركة “إرهابية” عام 1993 من قبل السلطات الإثيوبية بسبب ميولها الانفصالية، قبل أن يعلن تأسيس “جبهة أورومو الديمقراطية” في 2013.
وقال ليتا للصحفيين، فور وصوله أديس أبابا، إن حزبه قرر العودة بعد الإصلاحات التي تبنتها الحكومة مؤخراً؛ ما شجعه على ممارسة العمل السياسي من الداخل.
ولفت إلى أن عودته تأتي في إطار مواصلة المفاوضات التي بدأها الحزب مع الائتلاف الحاكم بالبلاد.
وتابع: “بناءً على الظروف سنقرر العمل كحزب سياسي قانوني أو عن طريق تشكيل تحالف مع أطراف أخرى”.
ودعا “ليتا” الأحزاب السياسية الأخرى خارج إثيوبيا، إلى أن تحذو حذو حزبه بالعودة والاستفادة من الظروف المواتية التي تشهدها البلاد.
من جانبه، اعتبر المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، ملس ألم، أن عودة “جبهة أورومو الديمقراطية” تأتي في إطار إعلان رئيس الوزراء، توسيع دائرة المشاركة السياسة وحرية ممارسة العمل السياسي السلمي.
وقال ألم، للأناضول، إن وفد الجبهة سيجري عدة لقاءات مع مسؤولين حكوميين، ويبحث عدداً من القضايا المتعلقة بكيفية توسيع دائرة العمل السياسي.
وضم الوفد الذي عاد مع “ليتا”، أربعة من قيادات حزبه، هم نائب رئيس الحزب ديما نيجو، ورئيس العلاقات الخارجية حسن حسين، ورئيس الشؤون التنظيمية لينشو باتي، والمتحدث باسم الحزب بيان اسوبا.
وفي خطوة أخرى تدعم الأجواء التوافقية بالبلاد، وافق مجلس الوزراء، السبت الماضي، على مشروع قانون رفع حالة الطوارئ، فيما صوّت البرلمان أمس الثلاثاء، بالأغلبية، لصالح المشروع.
وبحسب وكالة الأنباء الإثيوبية، فإن الحكومة اتخذت القرار “بعد أن لاحظت أن القانون والنظام قد تم استعادتهما في البلاد”، وهو ما أكده وزير الدفاع متما مقاسا، في الجلسة البرلمانية أمس.
الأناضول