الساحل الإفريقىجغرافياسلايد 1
الإرهاب في الساحل الإفريقي..من حرب منسية إلى تهديد دولي
قبل نحو عقدين، بدأ نشاط الجماعات الإرهابية الموجودة حاليًا في الصحراء الإفريقية الكبرى (الساحل)، ولكنها تحولت اليوم إلى مصدر تهديد للأمن في 6 دول إفريقية.
وأصبحت الآن مشتبكة مع جيوش عدد من دول المنطقة بالإضافة إلى فرنسا، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية اللتين تعتبرانها تهديدًا للأمن الدولي.
150 ألف عسكري لمواجهة التهديد
تشارك قوات عسكرية من 6 دول في حرب منسية في منطقة الصحراء الإفريقية الكبرى ضد جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”.
ويقدر تعداد القوات المشتبكة بشكل مباشر أو غير مباشر مع هذه الجماعة الإرهابية، حسب خبير عسكري جزائري، بما لا يقل عن 150 ألف عسكري ورجل أمن من 7 دول هي: مالي، النيجر، موريتانيا، بوركينافاسو، تشاد، الجزائر، وفرنسا بالإضافة إلى قوات إفريقية لحفظ السلام في شمال مالي.
هذا الحجم الكبير من القوات الأمنية والعسكرية، لم يمنع هذه الجماعة من تنفيذ هجمات عسكرية ضد أهداف في دول مالي والنيجر وبوركينافاسو.
ويقول محمد عبدون، المتخصص في العلوم السياسية من جامعة “وهران” بالغرب الجزائري: “يمكننا تصنيف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموجودة في شمال مالي بأنها تهديد للأمن العالمي”.
وأضاف: “هذه الجماعة أثبتت قدرتها على تنفيذ هجمات في أكثر من بلد إفريقي، وهي الآن تحارب القوات الفرنسية في شمال مالي بالإضافة إلى قوات 6 دول قريبة من صحراء مالي، هي: موريتانيا، النيجر، تشاد، بوركينافاسو، والجزائر”.
وأشار الأكاديمي الجزائري إلى أن “تعداد القوات التي تشارك في عمليات مباشرة أو غير مباشرة، لمواجهة التهديد الذي تمثله هذه الجماعة لا يقل عن 150 ألف عسكري ورجل أمن”.
ونوّه إلى أن “بينهم 50 ألف عسكري ورجل أمن جزائري موجودين على الحدود الجنوبية للجزائر، لمنع أي محاولة تسلل من قبل عناصر هذه الجماعة الإرهابية بالإضافة إلى كل قوات جيش دولة مالي، التي تقدر حسب مراكز دراسات غربية وإفريقية بنحو 40 ألف عسكري، وقوات الجيش النيجيري المكونة من 35 ألف عسكري وقوات من دول أخرى من موريتانيا وبوركينافاسو وتشاد وقوات إفريقية وفرنسية”.
وتابع: “نحن نتحدث هنا عن أكثر من 150 ألف عسكري ورجل أمن وهو تعداد ضخم في مواجهة جماعة لا يزيد عدد عناصرها عن 2000 عنصر”.
مقاتلون من 15 دولة في صفوف “نصرة الاسلام والمسلمين”
تنشط الجماعات الجهادية، اليوم في الصحراء الكبرى الإفريقية، تحت مسمى جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، ويقودها المطلوب بتهم الإرهاب إياد أغ غالي، وهو من مالي من عرقية الطوارق، وتقدر تقارير أمنية وصحفية عدد عناصرها بما بين 1500 و2200 عنصر من جنسيات مختلفة
وأشارت صحيفة لكسبريس ديباماكو (L’Express De Bamako) في ديسمبر الماضي إلى تقديرات أمنية، تؤكد أن عدد عناصر الجماعة يتراوح بين 1800 و2200 عنصر، ينحدرون من أكثر من 15 جنسية من إفريقيا ومن خارجها، من دول عربية وأوروبية.
ونشأت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، التي تتبنى فكر تنظيم “القاعدة” الدولي في شهر يناير/ كانون الثاني 2017، بعد اتحاد 4 تنظيمات هي فرع تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب” و”إمارة الصحراء” وكتيبة “المرابطون” و”جبهة تحرير ماسينا”، و”جماعة أنصار الدين”.
وتعد الجماعة الجديدة مسؤولة عن 3 هجمات كبرى دموية؛ أولها هجوم مسلح في فندق ومنتجع سياحي في عاصمة مالي في يونيو/حزيران 2017، ثم هجوم دموي ثان ضد مطعم في عاصمة بوركينافاسو في أغسطس/آب 2017، ثم هجومين ضد السفارة الفرنسية ومقر قيادة الجيش في عاصمة بوركينافاسو.
كما تبنى التنظيم الجديد سلسلة من الهجمات الدموية ضد أهداف عسكرية تابعة للجيشين المالي والفرنسي.
هذه التطورات الأمنية الخطيرة، دفعت الحكومة الفرنسية للإعلان عن تشكيل قوة تدخل إفريقية تضم قوات من 5 دول في المنطقة من أجل التصدي للتهديدات الإرهابية في نهاية عام 2017 وبداية 2018.
لكن وقبل الهجمات الدموية الكبرى التي نفذتها جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” في مالي والنيجر وبوركينافاسو، نفذ عناصر من جماعة تطلق على نفسها “الموقعون بالدماء”، وهي جزء من الجماعات الجهادية في الصحراء الكبرى في يناير/كانون الثاني 2013 هجومًا على مصنع الغاز في بلدة “عين أمناس”، جنوب شرق الجزائر أسفر عن مقتل 38 رهينة غربي، أثبت مدى خطورة الجماعات الإرهابية في الصحراء الكبرى، وفق خبراء.
4 مراحل من عمر “الجماعات الجهادية” في الصحراء الكبرى
يرى الصحفي والخبير في الشؤون الأمنية، محمد الصغير، “أن السبب الرئيس لتعاظم قوة الجماعات السلفية الجهادية في صحراء مالي والنيجر الأزمة في ليبيا”.
وقال في حيث: “يمكننا أن نقسم مسار نشاط الجماعات الجهادية في منطقة الصحراء الكبرى إلى 4 مراحل؛ تبدأ المرحلة الأولى عام 1997، وهو تاريخ أول ظهور لهذه الجماعات في صحراء مالي، حيث فرّ عدد من الإرهابيين من الجزائر إلى شمال مالي، وبدأوا في النشاط وبسرعة التحق بهم مقاتلون من موريتانيا ومالي والنيجر”.
وأضاف: “أما المرحلة الثانية فتبدأ في عام 2007 تاريخ التحاق تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال بتنظيم القاعدة، حيث غير اسمه إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب”.
وتابع: “وبالتالي تحول ولاء الجماعات الجهادية في الصحراء الكبرى التي كانت تابعة لتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر إلى تنظيم القاعدة، وقد شهدت الفترة الثانية بين عامي 2007 و2012 سلسلة من العمليات العسكرية والإرهابية ضد دول المنطقة”.
وأشار الصغير إلى أن “هذه التطورات دفعت دول مالي والجزائر والنيجر وموريتانيا إلى إنشاء حلف أمني وعسكري تحت مسمى مبادرة دول الميدان في يونيو/حزيران 2010، وفي عام 2012”.
ولفت إلى أنه “بعد بداية اندلاع الأزمة في ليبيا بنحو سنة، وبعد تدفق كميات ضخمة من السلاح على منطقة الصحراء الكبرى، تشكلت مجموعات جهادية جديدة هي جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي صار اسمها في عام 2013 المرابطين”.
ومنذ الإطاحة بالقذافي، في 2011، تعاني ليبيا من اقتتال بين كيانات مسلحة، فضلًا عن صراع على على النفوذ والشرعية والجيش في ليبيا، الأول حكومة “الوفاق” في طرابلس (غرب)، المسنودة بالمجلس الأعلى للدولة (تشريعي استشاري)، والمعترف بها دوليًا، والثاني القوات التي يقودها خليفة حفتر، والمدعومة من مجلس النواب شرقي البلاد.
وتشكلت جماعة “أنصار الدين”، التي تتكون من مواطنين ماليين من عرقية الطوارق، كما تكونت جبهة “تحرير ماسينا”، وهي جماعة سلفية جهادية مكونة من عرقية “الفولان”، ثم شهد إقليم “أزواد” تمردًا واسعًا قادته قبائل تنتمي لعرقية “الطوارق” ضد سلطة الحكومة المركزية المالية في باماكو، وسرعان ما سيطرت الجماعات الجهادية على إقليم أزواد، وأعلنت إمارة سلفية إسلامية في عام 2012.
وأردف الخبير الأمني الجزائري: “انتهت المرحلة الثالثة بالتدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي في يناير/ كانون الثاني 2013 في إطار عملية عسكرية، لطرد الجماعات السلفية الجهادية من المنطقة، ثم بدأت المرحلة الرابعة التي نعيشها الآن مع تحول الجماعات الجهادية في صحراء مالي والنيجر لقتال القوات الفرنسية والإفريقية وقوات دول المنطقة”.
الأزمة في ليبيا
واختتم بالقول: “إذا كان لنا من ملاحظة على الوضع في الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل، فإننا سنقول إنه لولا الأزمة في ليبيا التي نتج عنها عودة مئات الآلاف من مواطني دول منطقة الصحراء الكبرى اليائسين إلى بلدانهم، وتدفق كميات ضخمة من السلاح على المنطقة قادمة من ليبيا، لما تحولت الجماعات في الصحراء الكبرى من مجرد مجموعات مسلحة ضعيفة ومعزولة في الصحراء إلى تهديد أمني حقيقي”.
الأناضول