سلايد 1سياسةشئون خارجيةمالي
مالي على خطى جارتها الجزائر في المصالحة
في خطاب ألقاه رئيس دولة مالي، إبراهيم بوبكر كيتا، نهاية العام الماضي، أعلن عن مشروع للمصالحة والعفو عن “كل أولئك الذين تورطوا في تمرد مسلح”، شرط ألا تكون “أيديهم ملطخة بالدماء”، في إشارة للجماعات المسلحة شمالي البلاد.
خطوة اعتبرها مراقبون، مستلهمة من تجربة الجزائر المجاورة في تحقيق المصالحة وتجاوز أزمتها الأمنية والسياسية التي عاشتها خلال تسعينيات القرن الماضي.
وخلال خطابه الذي ألقاه كيتا بمناسبة نهاية عام 2017، قال إن تلك المصالحة ستكون عبر مشروع قانون “توافق وطني” تقترحه الحكومة خلال أسابيع، وسينص أيضا على “تدابير استثنائية لوقف الملاحقة القضائية أو العفو عن بعض فرقاء التمرد المسلح عام 2012”.
وأكد كيتا أن مشروع القانون سيتضمن أيضا، “برنامج إعادة إدماج لكل أولئك الذين سيسلمون أسلحتهم ويلتزمون علنا التخلي عن العنف”، مشيرا إلى أن مشروع القانون لا يعد مكافأة للإفلات من العقاب، ولا إنكارا لحقوق الضحايا، وأن دولا أخرى واجهت الظواهر نفسها “تبنت مساراً مماثلا”، في إشارة إلى الجزائر المجاورة.
وأجرى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استفتاءً دستوريًّا في 29 سبتمبر/ أيلول 2005 حول ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي تضمن عفوًا مشروطًا عن المسلحين في الجبال مقابل ترك العمل المسلح، لإنهاء موجة العنف المسلح في البلاد، وشرع في تطبيق تدابيره في فبراير/شباط 2006.
وساهمت تلك الإجراءات في نزول 15 ألف مسلح من الجبال، استجابة لنداء العفو، وفقا لإحصائيات رسمية وكان ذلك بداية لإنهاء أزمة أمنية وسياسية اندلعت مطلع عقد التسعينيات بين النظام الحاكم وجماعات مسلحة بعد إلغاء قادة المؤسسة العسكرية لنتائج انتخابات نيابية فاز بها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاد، وخلفت قرابة 200 ألف قتيل حسب أرقام رسمية.
واستثنى قانون المصالحة في الجزائر، المتورطين في المجازر الجماعية والتفجيرات في الأماكن العمومية وجرائم الاغتصاب
ووقعت منطقة شمالي مالي، أوائل عام 2012 تحت سيطرة مجموعات مسلحة على صلة بتنظيم القاعدة، وأدت عملية عسكرية فرنسية شنت في كانون الثاني/يناير 2013 إلى طرد القسم الأكبر من هذه المجموعات.
ومنتصف 2015 وبعد مفاوضات لأشهر بالجزائر وقعت الحكومة المالية اتفاق سلام مع المتمردين الانفصاليين في شمالي البلاد، من أجل تحسين الوضع الأمني في الشمال، إلا أن تنظيمات مسلحة واصلت عملياتها ضد القوات الفرنسية وقوة الأمم المتحدة “مينوسما” والجيش المالي، وقد زادت حدة الهجمات في عامي 2016 و2017 بعد تحالف 4 جماعات تحت مسمى “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”.
وتقود الجزائر حتى الآن لجنة متابعة دولية لتطبيق اتفاق السلام في مالي.
وفي 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، أي بعد نحو أسبوعين من خطاب كيتا، قال وزير الشؤون الخارجية المالي، تيمان هوبرت كوليبالي بعد استقباله من قبل نظيره الجزائري عبد القادر مساهل إن “الجزائر أعلنت أنها مستعدة للمشاركة في أي أعمال إعداد و تفكير من شأنها مساعدة مالي على التوصل إلى قانون حول الوفاق الوطني”.
وأضاف في تصريحات إعلامية، أن “الرئيس المالي سبق وأن ضرب مثلا بالجزائر في مجال المصالحة الوطنية”.
فيما أعلن وزير الخارجية الجزائري آنذاك، استعداد بلاده لدعم هذه المسار في مالي استنادا إلى تجربتها.
وعن مشروع قانون المصالحة الجديد الذي تحدث عنه الرئيس المالي، قال الصحفي الجزائري المتخصص في الشأن الأمني بوعلام فوزي، إن “حكومة باماكو تحاول الاستفادة من التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب عبر تدابير المصالحة والعفو عن المسلحين غير المتورطين في جرائم قتل”.
وبحسب فوزي، “يبدو أن الجزائر التي كانت الراعي الأساسي للمفاوضات والمصالحة بين الحكومة المركزية والحركات الانفصالية الطارقية، تقف وراء المبادرة التي يمكنها تقليص قوة ونفوذ الجماعات السلفية الجهادية”.
غير أنه ذهب في الوقت نفسه خلال حديثه للأناضول، إلى أن “مبادرة السلطات المالية لإجراء مصالحات مع العناصر السلفية الجهادية الموجودة في صحراء شمالي البلاد، ما زالت في بدايتها ويصعب تقييمها، لكن تنفيذها صعب”.
وتابع: “كما أن تجسيدها على أرض الواقع صعب جدا، بسبب اختلاف ظروف التجربة الجزائرية في العفو عن المسلحين والمصالحة”.
“ففي الجزائر كان أكثر من 98 بالمائة من المسلحين الذين تم العفو عنهم جزائريين، اندمج أغلبهم في الحياة العادية، لكن في مالي الوضع مختلف لأن الجماعات السلفية الجهادية في شمال البلاد استفادت من تمرد انفصاليين طوارق وأسست إمارة إسلامية شمالي مالي أو ما يسمى إقليم أزواد”، وفق فوزي.
وأوضح أن “هذه الإمارة مكونة في أغلبها من طوارق يعتبرون حكومة باماكو دولة احتلال ومن عناصر أجنبية لهذا يصعب تجسيدها، وتحتاج للكثير من الجهد”.
وعن الجماعات الموجودة في الشمال المالي، قال الخبير الأمني الجزائري المتخصص في شؤون الجماعات “السلفية الجهادية” في منطقة الساحل، علي الزاوي: “تتكون الجماعات المتشددة ذات التوجه السلفي الجهادي الموجودة في منطقة الساحل الإفريقي والتي تنشط في شمال مالي من 4 منظمات (جماعات) رئيسية”.
وأوضح أن هذه الجماعات هي: “كتائب الصحراء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ومنظمة المرابطون ، وجبهة تحرير ماسينا، وأنصار الدين، لكنها تحالفت تحت قيادة المطلوب للعدالة الدولية إياد إق غالي ضمن منظمة نصرة الإسلام والمسلمين”.
وإياد إق غالي، هو مواطن مالي من أقلية الطوارق، أسس في عام 2012 حركة “أنصار الدين” التي سيطرت بالتحالف مع جماعات متشددة أبرزها “القاعدة في بلاد المغرب” و”جماعة المرابطون” و”كتيبة الملثمين”، على أقاليم شمال مالي طيلة سنة واحدة تقريبا بين كانون الثاني/ يناير 2012، وآذار/ مارس 2013، إلى أن طردتها قوات تدخل فرنسية من المنطقة.
وتكمن خطورة الجماعات المنتشرة بالمنطقة، حسب الزاوي، في كونها باتت مصدر تهديد للأمن في كامل منطقة الصحراء الكبرى، حيث نفذت عمليات ضد أهداف مدنية وعسكرية في كل من مالي، النيجر، موريتانيا، بوركينافاسو، الجزائر وتشاد، كما نفذت العشرات من عمليات الاختطاف التي استهدفت رعايا دول غربية في دول إفريقية ولم تفرج عنهم إلى غاية الحصول على فدى مالية “.
بدوره، قال الصحفي المالي المتخصص في الشأن الأمني، أومولا أبادو: “تشعر الحكومة المالية بخطورة وجود ما بين 1500 و 2200 مسلح سلفي جهادي ينشطون في الشمال، يخططون لتنفيذ عمليات ضد أهداف مدنية وعسكرية في مالي وفي دول الجوار”.
وأضاف أن “الحكومة ترغب في الفصل بين الأغلبية الساحقة من المسلحين التابعين للجماعات السلفية الجهادية وبين العناصر الخطيرة أو الجهاديين الأجانب، من أجل التفرغ للقضاء على الجهاديين القادمين من دول عديدة أبرزها موريتانيا، النيجر، الجزائر، مصر، تونس، وليبيا، وحتى مواطنين رعايا بلدان غربية”.
ووفق “أبادو”، فإن “السلطات المالية تقدر أن 10 إلى 15 بالمائة فقط من مجموع السلفيين الجهاديين الموجودين في شمال البلاد هم الذين سيقاتلون حتى النهاية، نظرا لكونهم من المهاجرين الأجانب، ولهذا السبب فهي ترغب في السماح للغالبية من عناصر هذه الجماعات بالعودة إلى الحياة الطبيعية عبر قانون عفو خاص”.
وأشار إلى أن “الحكومة المالية كانت بصدد دراسة إصدار هذا العفو منذ سنتين على الأقل مباشرة بعد توقيع اتفاقية المصالحة والسلام مع الحركات الانفصالية في صيف عام 2015”.
الأناضول