أخبار
انتخابات السنغال التشريعية لعام 2024: ماذا تعني بالنسبة للحكم والاستقرار السياسي؟
لطالما اعتُبرت السنغال نموذجاً واعداً للديمقراطية في غرب إفريقيا؛ لكنها شهدت لحظة حاسمة في تطورها السياسي خلال الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في 17 نوفمبر 2024م التي يستعد فيها التحالف الحاكم للاحتفاظ بالسلطة الأغلبية البرلمانية، بينما تُلَوّح المعارضة برفع الراية البيضاء. إذْ جاءت هذه الانتخابات وسط تصاعد التوترات السياسية، وزيادة الاستياء الاجتماعي والاقتصادي، وانتشار الدعوات إلى الإصلاح.
ولقد أسهمت الفجوة المتزايدة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على مدار السنوات، في تزايد الإحباط الشعبي، ما خلق مشهداً سياسيّاً مشحوناً. وعلى هذا الأساس، شكّلت الانتخابات اختباراً حقيقياً للتحالف الحاكم بقيادة حزب باستيف (PASTEF–Les Patriotes)، بقيادة الرئيس بشيرو جومايْ فايْ ورفيقه عثمان سونكو، اللذين صعدا إلى السلطة بوعود بالعدالة والمساءلة. وفي هذا المضمار، يُطرح تساؤل جوهريّ، ألا وهو: ما تداعيات الانتخابات التشريعية السنغالية في عام 2024 على الحَوْكَمَة، والاستقرار السياسي، وتوازن القوى بين الائتلاف الحاكم والمعارضة؟
وللإجابة عن هذا السؤال المحوري، ستتناول هذه المقالة أربعة جوانب رئيسة للانتخابات السنغالية التشريعية وتداعياتها على المشهد السياسي، وهي: الاختبار الذي يواجهه التحالف الحاكم الجديد، وتأثير فوز التحالف الحاكم على إدارة البلاد، وحالة التشتت أو التخبط داخل الأحزاب المعارضة، وأخيراً، الحاجة الملحة لتحقيق التوازن بين الحَوْكَمَة والإصلاح. هذه الجوانب مجتمعةً، ستساعد على تحليل التحديات والفرص التي ستحدد المسار السياسي للسنغال في السنوات المقبلة.
انتخابات السنغال التشريعية لعام 2024 تضع التحالف الحاكم تحت المجهر
يمثل صعود حزب باستيف إلى الهيمنة البرلمانية تحولًا كبيرًا في السياسة السنغالية. فبعد سنوات من العمل كحزب معارض، وجد التحالف نفسه الآن في موقف حرجٍ يتطلب منه الحكم في ظل توقعات عالية. وسعى الرئيس الحالي، بشيرو جومايْ فايْ، مهندس التنظيم داخل التحالف، وعثمان سونكو، الشخصية الشعبية البارزة، إلى استغلال الدعم الشعبي لتعزيز تفويضهم. ومع ذلك، فقد واجهت فترة حكمهم، رغم قِصَرها، بالفعل شكوكا كبيرة، خاصة فيما يتعلق بقدرتهم على التعامل مع تعقيدات الحَوْكَمَة.
ويتركز التدقيق بشكل أساسي على كيفية تعامل التحالف مع الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما في المناطق الريفية التي لا تزال تعاني من الفقر والتخلف. ورغم أن خطاب حزب باستيف وجد صدى بين شباب السنغال، فإنّ وعودهم بإجراء إصلاحات شاملة تواجه واقع الموارد المالية المحدودة، والتحديات البيروقراطية المتأصلة. ويراقب الجمهور عن كثب ما إذا كان التحالف سيتمكن من تحويل رؤيته الطموحة إلى تحسينات ملموسة.
وفضلاً عن ذلك، تعرضت قيادة سونكو المثيرة للجدل لانتقادات واسعة النطاق. فرغم أنّ كاريزميته، ومنصته المناهضة للفساد جذبت الناخبين الشباب؛ لكنّ أسلوبه التصادمي نفّر قطاعات أكثر اعتدالاً من الناخبين. وأثار ذلك تساؤلاتٍ حول قدرة التحالف على التحكم بمقاليد الحكم بشكل شاملٍ، والحفاظ على قاعدة دعم واسعة. وتسود المخاوف بشأن ما إذا كان حزب باستيف قادراً على تجاوز هويته كحزب معارض؛ ليصبح قوة حاكمة عملية وفعالة.
وزادت من تعقيد هذه التحديات الاتهامات بتزوير الانتخابات وقمع الناخبين. ويرى النّقادُ أنّ مثل هذه التكتيكات تقوض شرعية فوز التحالف، وتشوه صورته كمدافع عن العدالة والشفافية. وقد أعطتْ هذه الاتهامات ذخيرة سياسية لقوى المعارضة، حتى مع استمرار مواجهتها لانقسامات داخلية.
وفي نهاية المطاف، ستحدد قدرة حزب باستيف والأحزاب المتحالفة معه على مواجهة هذه التحديات ما إذا كانت فترة حكمه ستُعرف بالتقدم أو الفرص الضائعة. وفي ظل تسليط الأضواء على أدائهم في الحكم، يجب على التحالف أنْ يفي بوعوده، بينما يعيد بناء ثقة الجمهور في النظام السياسي، أو عليه أن يضع الشعب ومؤيديه في الصورة الحقيقية لأسباب الفشل أو عدم الوفاء النبي بوعوده الانتخابية.
تداعيات فوز حزب باستيف بالأغلبية على المشهد السياسي
قد يحمل انتصار حزب باستيف في الانتخابات البرلمانية تداعيات كبيرة؛ حيث يوفر الفوز فرصة كبيرة بالنسبة للحزب لتحقيق وعوده؛ ولكنه في الوقت ذاته يجلب معه مخاطر جسيمة على الحَوْكَمَة في السنغال. فمن جهة، يمتلك التحالف الأغلبية البرلمانية اللازمة لتنفيذ إصلاحات جذرية. ويمنح هذا التفويض فرصة نادرة لمعالجة القضايا الملحة مثل بطالة الشباب، الفجوات بين المناطق الحضرية والريفية، وتطوير البنية التحتية وغيرها. وإذا أُدِيرتْ هذه الإصلاحات بشكل فعال، فقد تمثل نقطة تحول في المسار الاجتماعي والاقتصادي للسنغال.
وتركز أجندة التحالف بشكل كبير على قطاع الطاقة الناشئ في البلاد. لأنّ اكتشافات النفط والغاز الأخيرة وضعت السنغال في موقع يؤهلها لتصبح مركزاً للطاقة في غرب إفريقيا، مما يوفر شريان حياة اقتصاديٍّ يمكن أنْ يُسْهم في استقرار المالية العامة، وخلق فرص عمل. وأكد حزب باستيف على أهمية الإدارة الشفافة للموارد؛ لضمان استفادة المجتمعات المحلية من العائدات بدلاً من إثراء النخب السياسية. فالنجاح في هذا المجال يمكن أنْ يُعيد ثقة الجمهور في قدرة الحكومة على تحقيق نمو عادل.
ومع ذلك، فإنّ مخاطر سوء الإدارة تبقى كبيرة. قد يؤدي تجاوز التحالف الحاكم في تعزيز سلطته، خاصة إذا سعى إلى تركيز القوة، إلى تفاقم التوترات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. لأنه تاريخيًا، أدّتْ مثل هذه الاختلالات في السلطة إلى تآكل استقلال البرلمان، وزيادة الاستياء الشعبي. فإذا فشل حزب باستيف في الحكم بشمولية، فإنه يخاطر بإبعاد شرائح من السكان والتي دعمت صعوده إلى السلطة.
هناك تحدٍ آخر يتمثل في التعامل مع التعددية السياسية النابضة في السنغال. على الرغم منِ انتصار التحالف الذي سيوفر استقرارا على المدى القصير؛ إلا أنّ الفشل في الانخراط البَنَّاء مع أصوات المعارضة، يمكنُ أنْ يعمق الاستقطاب. بالفعل بدأت تظهر اتهامات بالنزعة الاستبدادية، لا سيما في التعامل مع المعارضة، مما يلقي بظلال من الشك على حوكمة التحالف.
أمّا على المدى الطويل، فيعتمد نجاح التحالف على قدرته على تحقيق توازن بين الإصلاحات الجريئة، والحفاظ على المعايير الديمقراطية. فمن خلال تعزيز الحوار، وإظهار المساءلة، سيمتلك حزب باستيف فرصة لإعادة تعريف الحَوْكَمَة في السنغال وتعزيز إرثها الديمقراطي.
أحزاب المعارضة في حالة من التشتت والاضطراب
لقد كشفت انتخابات 2024م عن حالة التشتت التي تعيشها الأحزاب المعارضة في السنغال. فعلى الرغم من الاستياء الواسع من حوكمة التحالف الحاكم، فقد شلت الأحزاب المعارضة في تقديم جبهة موحدة. حيث كافح قادة رئيسيون، مثل خليفة سال من حزب تاكسوو السنغال، وإدريس سك من حزب ريومي، للتغلب على خلافاتهم، مما سمح لحزب باستيف بالسيطرة على السرد السياسي.
أحد أبرز التحديات التي تواجه المعارضة هي هيمنة عثمان سونكو، الذي طغت جاذبيته الشعبوية على بقية القادة. ورغم أنّ خطابه الناري الذي نجح في تنشيط قطاعات من الناخبين؛ إلا أنّ أسلوبه الاستقطابي جعل من الصعب على المعارضة التوحد حول أجندة مشتركة. وترك ذلك الناخبين المعتدلين، وسكان المناطق الحضرية دون بديل مقنع لباستيف.
فضلا عنْ ذلك، لقد أضعفت التنافسات الداخلية قدرة المعارضة على استثمار التظلمات العامة. وسلط غياب التنسيق الاستراتيجي خلال الحملة الانتخابية الضوء على عدم قدرتهم على تحدي سياسات التحالف الحاكم بشكلٍ فعّالٍ، أو تقديم حلول قابلة للتنفيذ للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه السنغال. وأدّى هذا التشتت إلى تقويض مصداقية المعارضة كقوة معارضة حقيقية لحزب باستيف وحلفائه.
ومع ذلك، لا تزال أمام المعارضة فرصة لإعادة تقييم نهجها، وذلك من خلال التركيز على بناء التحالفات، وإعطاء الأولوية للدفاع القائم على السياسات، يمكن للأحزاب المعارضة تقديم نفسها كبدائل قابلة للحياة. وتوفر قضايا مثل إصلاح التعليم، وخلق فرص العمل، والتوزيع العادل للموارد نقاط تجمع محتملة لأجندة معارضة متجددة.
أمّا في السنوات المقبلة، قد تكون قدرة المعارضة على محاسبة حزب باستيف، وتقديم رؤية موحدة لمستقبل السنغال أمرا بالغ الأهمية. فبدون إصلاحات جوهرية، فإنّ حالة التشتت تهدد بترك المشهد السياسي في السنغال غير متوازنٍ، مما يضر بالحكم الديمقراطي.
أهمية التوازن بين الحَوْكَمَة والإصلاح
بينما تمضي السنغال قدما في العملية الديموقراطية، سيكون التفاعل بين الحَوْكَمَة، كعملية تنظيم وتوجيه فعّال للموارد والمؤسسات لتحقيق أهداف المجتمع، وبين الإصلاح، الذي يمثل خطوات منهجية لمعالجة القصور وتحسين الأداء، عاملاً حاسماً في تشكيل مستقبلها. وتمنح الأغلبية البرلمانية لحزب باستيف وحلفائه فرصة قمية لتحقيق تغييراتٍ ذاتُ مغزىً؛ لكنّ التحالف يجب أنْ يتجنب الوقوع في فخ التجاوز والإقصاء. وستكون الحَوْكَمَة الشاملة، التي تضمن الإدارة العادلة والشاملة للموارد، ضرورية لضمان أنْ تُترجم الإصلاحات إلى منافع حقيقية تشمل جميع شرائح المجتمع، وخاصة الفئات الأكثر تهميشًا.
ويجب أنْ تكون معالجة بطالة الشباب على رأس أجندة التحالف. حيث يمثل النمو السريع في عدد السكان الشباب في السنغال تحديّاً وفرصة في الوقت نفسه. فمن خلال الاستثمار في التدريب المهني، والتعليم، وريادة الأعمال، يمكن للحُكُومة الاستفادة من هذه الفرصة الديموغرافية؛ لدفع عجلة النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإنّ الفشل في معالجة هذه القضايا قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات، وخيبة الأمل بين الشباب.
وبالمثل، يتعين على التحالف أنْ يدير تعقيدات إدارة الموارد في قطاع الطاقة بحنكة وذكاء. إذْ يمكن للسياسات الشفافة التي تعطي الأولوية للتوزيع العادل للعائدات أنْ تُحوِّل آفاق السنغال الاقتصادية. ومع ذلك، فإنّ أيّ تصوُّرٍ لوجود فسادٍ، أو سوء إدارةٍ، يمكن أنْ يقوِّض هذه المكاسب، ويؤدي إلى تآكل الثقة العامة، وتعزيز موقف المعارضة.
وعلى الجانب الآخر، ينبغي للمعارضة أنْ تتبنى دورها كقوة بنّاءة في ديمقراطية السنغال. فمن خلال الانخراط مع الحكومة في القضايا الرئيسية، واستغلال الآليات البرلمانية لمحاسبة حزب باستيف وحلفائه، يمكن لقادة المعارضة الإسهام في خلق مشهدٍ سياسيٍّ أكثر توازنًا. وستكون قدرتهم على التحول من حركات احتجاجية تفاعلية إلى تحدياتٍ سياسيةٍ استباقيةٍ ضروريةٍ للحفاظ على الحيوية الديمقراطية.
وفي النهاية، ستعتمد المسيرة السياسية للسنغال على التوازن الدقيق بين الإصلاح والمساءلة. فإذا نجح كلٌّ من التحالف الحاكم والمعارضة في مواجهة التحديات، يمكن للسنغال تعزيز مكانتها كقائدٍ ديمقراطيٍّ في غرب إفريقيا؛ بل وفي ربوع إفريقيا. ومع ذلك، فإنّ الفشل في تحقيق هذا التوازن، قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات، وتعريض الاستقرار المكتسب بشق الأنفس للخطر.
الخاتمة
إنّ الانتخابات التشريعية لعام 2024م تشكل لحظة محورية في مسيرة السنغال الديمقراطية؛ حيث تحمل في طياتها وعوداً بالمستقبل ومخاطر مبطنةٍ وغموض في المشهد السياسي. بالنسبة للتحالف الحاكم، توفر الانتخابات تفويضاً لمعالجة التحديات العميقة، واستعادة ثقة الجمهور من خلال حَوْكَمة جريئة وشاملة. أمّا بالنسبة للمعارضة، فإنّ النتائج تؤكد الحاجة إلى الوحدة، ورؤية استراتيجية لمواجهة هيمنة حزب باستيف.
وفي المستقبل، سيحدد التوازن بين الحَوْكَمَة والمعارضة مستقبل السنغال. فمن خلال إعطاء الأولوية للسياسات التي تتماشى مع احتياجات السكان المتنوعي،ن وتعزيز المساءلة الديمقراطية، تمتلك السنغال فرصة لبناء نظام سياسي مرِنٍ ومتقدّم. وسيحدد التفاعل بين هذه الديناميكيات ما إذا كانت السنغال ستستمر كمنارة للديمقراطية في المنطقة وإفريقيا، أم ستخضع لضغوط الاستقطاب السياسي غير المتزن وغير المبرر.