أخبار
“الانتخابات الرئاسية الجزائرية 2024: تبون يفوز بولاية ثانية”
شهدت الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي أقيمت خلال هذا الشهر في الجزائر انتصار كبير للرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وقد أثارت العملية الانتخابية ونتائجها العديد من التجاذبات والاتهامات بين الأطراف السياسية الجزائرية بين منتقد ومشكك وبين مرحب بهذه النتائج، ومع ذلك إعادة انتخاب الرئيس تبون لولاية ثانية تضع أمام إداراته العديد من التحديات على مستوى الداخلي والخارجي.
الإطار الانتخابي
في عام 2019، شهدت الجزائر نقطة تحول مهمة في المشهد السياسي مع ظهور الحراك. بدأت الحركة كسلسلة من الاحتجاجات السلمية ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، مما أجبره في النهاية على الاستقالة. طالب الحراك بإصلاحات سياسية أعمق، والشفافية، ورفض هياكل السلطة الراسخة، وخاصة تلك المرتبطة بالجيش والنخبة السياسية، وخاصة الاصلاحات فيما يتعلق بالنظام الانتخابي.
فالنظام الانتخابي في الجزائر هو نظام شبه رئاسي، حيث يتمتع الرئيس بسلطات كبيرة، على الرغم من أن الإصلاحات الأخيرة تهدف إلى لامركزية السلطة. وتجرى الانتخابات عموما في ظل نظام التمثيل النسبي للهيئات التشريعية، في حين يتم انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الجمهور. ومع ذلك، لا تزال المخاوف بشأن النزاهة والشفافية والمشاركة العسكرية قائمة.
المشهد السياسي الجزائري منذ حراك 2019
تهيمن جبهة التحرير الوطني والأحزاب المتحالفة معها على المشهد السياسي في الجزائر، على الرغم من أن الحراك الشعبي الذي قام بحركات احتجاجية بدأت في عام 2019 جلبت دعوات واسعة النطاق للإصلاحات الديمقراطية. أجبر نفوذ الحراك الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة، مما أدى إلى زيادة النشاط والمشاركة الشعبية في شأن السياسي العام، وخاصة بين السكان الأصغر سنا، بعد أن كانت هناك بوادر وآمال للتغيير. ومع ذلك، فإن دفع الحراك نحو الإصلاح السياسي العميق لم يتحقق بالكامل بعد في العملية الانتخابية.
وقد أقيمت انتخابات في الجزائر سنة 2019 شهدت حينها اقبال ضعيف من الناحية العديدة بسب دعوات المقاطعة من قبل الحراك إذ بلغت نسبة مشاركة قرابة 40% من الناخبين المسجلين، أفرزت هذه الانتخابات صعود الرئيس الحالي عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم. وحظي حينها بنسبة 58% من أصوات الناخبين، ليحسم الأمر لصالحه ويفوز بالانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.
ومن ثم تم تنظيم الانتخابات التشريعية في سنة 2021 وانخفضت فيها نسبة المشاركة إلى 23% فقط من أعداد الناخبين المسجلين، وهي تعتبر أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الجزائرية، وفازت خلالها جبهة التحرير الوطني بـ 105 مقاعد من أصل 407، بينما فاز المرشحون المستقلون بنسبة كبيرة من المقاعد (حوالي 78). وعلى الرغم من ذلك، لا تزال القوى السياسية التقليدية تهيمن على البرلمان.
نتائج الانتخابات 2024 ونسب المشاركة
أعيد انتخاب الرئيس الحالي عبد المجيد تبون بنسبة 94.65٪ من الأصوات، وفقا للنتائج التي أعلنتها الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات. حصل تبون، الذي كان يترشح لولاية ثانية، على 5،320،000 صوت من أصل 5،630،000 صوت مسجل. وعلى الرغم من الدعم الساحق لتبون، واجهت الانتخابات تدقيقا كبيرا بسبب التناقضات في معدلات المشاركة المبلغ عنها.
ففي البداية، أبلغت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات عن معدل مشاركة بلغ 48.03٪ عند إغلاق مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات. كان هذا الرقم أقل بكثير من معدل المشاركة البالغ 55٪ في عام 2019. ومع ذلك، نشأت خلافات مع التشكيك في أرقام المشاركة. كان العدد النهائي البالغ 5.6 مليون ناخب، يمثلون 23٪ فقط من الناخبين، متناقضا بشكل حاد مع معدل المشاركة المبلغ عنه، مما أدى إلى مزاعم بالتزوير الانتخابي والمخالفات.
الخلافات وردود أفعال المعارضة
شابت الانتخابات اتهامات بالمخالفات والاحتيال. حيث أثار مرشحو المعارضة، بمن فيهم عبد العالي حساني من حركة مجتمع السلم (MSP) ويوسف عوشيش من جبهة القوى الاشتراكية (FFS)، مخاوف جدية بشأن نزاهة العملية الانتخابية. وانتقدوا الهيئة الوطنية للانتخابات بسبب التناقضات والتناقضات في النتائج المبلغ عنها.
وندد حساني وعوشيش بما اعتبروه عملية انتخابية معيبة، متهمين الهيئة الوطنية للانتخابات بتشويه النتائج لصالح تبون. وطالبوا بالتحقيق في المخالفات، بحجة أن التناقضات تقوض مصداقية الانتخابات والديمقراطية نفسها.
السياق والتداعيات
أجريت الانتخابات على خلفية صراع اقتصادي واجتماعي مستمر في الجزائر. تميزت فترة ولاية تبون الأولى بالجهود الرامية إلى معالجة التحديات الاقتصادية وتعزيز البنية التحتية العامة. وركزت حملته لانتخابات 2024 على مواصلة هذه الجهود، ووعد بالإصلاحات الاقتصادية، وتطوير البنية التحتية، وخلق فرص العمل.
ومع ذلك، تم التشكيك في مصداقية الانتخابات بسبب انخفاض نسبة المشاركة في التصويت والتفاوت الكبير بين معدلات المشاركة المبلغ عنها والمشاركة الفعلية للناخبين. يزعم المنتقدون أن هذا الإقبال المنخفض يعكس خيبة أمل عامة أوسع نطاقا وتشككا في العملية السياسية، والتي تفاقمت بسبب الصعوبات الاقتصادية المستمرة والافتقار إلى الإصلاحات الديمقراطية.
السياق الدبلوماسي
على الصعيد الدبلوماسي، من المتوقع أن يؤثر إعادة انتخاب تبون على العلاقات الخارجية للجزائر، وخاصة مع مالي والمغرب. إن العلاقات المتوترة بين الجزائر ومالي، والتي أبرزتها التوترات الأخيرة واتهامات التدخل، قد تؤثر على التفاعلات الإقليمية ومزيد من التعقيدات والأزمات في المنطقة. وسوف يحتاج تبون إلى التعامل مع هذه العلاقات المعقدة بعناية للحفاظ على الاستقرار والتعاون الإقليمي.
الخاتمة
أعادت الانتخابات الرئاسية الجزائرية لعام 2024 التأكيد على زعامة عبد المجيد تبون، لكنها شابها جدل كبير ومخاوف بشأن نزاهة الانتخابات. ويشير انخفاض نسبة المشاركة في التصويت والاتهامات بالتزوير إلى القضايا والمشكلات المستمرة داخل النظام السياسي الجزائري ويؤكد على الحاجة إلى الإصلاحات لضمان عملية ديمقراطية أكثر شفافية وشمولا.
فوز الرئيس تبون بولاية ثانية تضع أمامه العديد من التحديات على داخليا وخاصة في الملف الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة الأزمة الاقتصادية وتفاقم ظاهرة البطالة، أيضا مواصلة نهج الاصلاحات السياسية وأسباب عزوف الفئة الشبابية عن الشأن السياسي العام، أما خارجيا فهنالك العديد من الملفات وخاصة منها الخلاف مع المغرب والخلاف الاخير مع الحكومة العسكرية في مالي الذي يمكن أن تكون له تداعيات كبيرة جدا على الأمن الإقليمي في المنطقة (شمال إفريقيا والساحل الإفريقي).
المصدر / افروبوليسي