أخبار
سحب السفير الجزائري من باريس: تحول دبلوماسي في العلاقات الفرنسية الجزائرية
في الثلاثين من يوليو/تموز 2024، اتخذت الحكومة الجزائرية خطوة دبلوماسية مهمة باستدعاء سفيرها من باريس، في أعقاب تأييد فرنسا العلني لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية. ويمثل هذا القرار منعطفًا حاسمًا في العلاقات الفرنسية الجزائرية، ويعكس التعقيدات التاريخية والسياسية التي أثرت منذ فترة طويلة على التفاعلات بين البلدين.
جاء إعلان دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية، التي صاغها الرئيس إيمانويل ماكرون، في خضم الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لتولي الملك محمد السادس العرش. ويشير هذا التأييد إلى تحول كبير في الدبلوماسية الفرنسية، والتوافق مع خمسة عشر دولة أوروبية أخرى والانحراف عن الموقف التقليدي للأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية التي تدعو إلى حل بوساطة الأمم المتحدة.
التحليل
التداعيات الاستراتيجية لقرار فرنسا: يمكن النظر إلى قرار الرئيس ماكرون بدعم خطة المغرب من خلال عدسة الحسابات الاستراتيجية والسياسية داخليا وخارجيا. فقد حافظت فرنسا تاريخيا على علاقات وثيقة مع المغرب، الحليف الرئيسي في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا. ومن خلال تأييد موقف المغرب، تهدف فرنسا إلى تعزيز تحالفها مع الرباط، وخاصة في ضوء التوترات الأخيرة مع الجزائر. كما تسعى هذه الخطوة إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية والأمنية مع المغرب، الذي يُنظر إليه على أنه شريك مستقر ومتعاون في المنطقة. وعلاوة على ذلك، قد تستغل فرنسا هذا الموقف للضغط على الجزائر، وربما لاستنباط شروط دبلوماسية أو اقتصادية أكثر ملاءمة. ويشير العديد من السياسيين وصناع القرار الفرنسيين إلى أن الغموض في موقف فرنسا كان مكلفا سياسيا، مما استلزم موقفا واضحا، فعلى غرار التوترات الخارجية لباريس تارة مع الرباط وتارة مع الجزائر في العديد من القضايا، فإن هناك عوامل داخلية أيضا كانت هي العامل الرئيسي في اتخاذ هذا القرار ومنها اليمين الفرنسي الذي ضغط على ماكرون للاعتراف بمغربية الصحراء وأخرها الرسالة التي وقع عليها أكثر من 90 نائب وسياسي يميني وجهت لماكرون تدعوه إلى مزيد تعميق وتعميم العلاقات مع الرباط، من جهة أخرى صعود القوى اليسارية في فرنسا وفوزها في الانتخابات البرلمانية الاخيرة واستعدادها لتشكيل الحكومة التي أخرها ماكرون بسبب استضافة باريس للألعاب الأولمبية جعل ماكرون يسارع باتخاذ هذا القرار قبل صعود اليسار إلى الحكم. إذ أن اليسار الفرنسي يتبنى طرح تصفية القضايا الاستعمارية.
ومع ذلك، فإن هذا الموقف الاستراتيجي له ثمن. إذ يُنظر إلى تأييد خطة المغرب من قبل الجزائر على أنه تجاهل صارخ للقانون الدولي وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. ويعكس رد الفعل القوي من جانب الحكومة الجزائرية، بما في ذلك استدعاء سفيرها، تنافسا إقليميا أوسع ومعارضة عميقة لما تعتبره سياسات استعمارية جديدة. انتقدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيانها قرار فرنسا باعتباره خروجًا عن مواقف الحكومات الفرنسية السابقة، ووصفته بأنه تأييد للسياسات “الاستعمارية”.
السياق التاريخي لتطور العلاقات: تعود جذور الصراع إلى الحقبة الاستعمارية، مع استعمار فرنسا للجزائر في عام 1830 وحرب الاستقلال الوحشية التي بلغت ذروتها في عام 1962. ولا يزال هذا الماضي الاستعماري يلقي بظلاله الطويلة على العلاقات الثنائية، مما يتسبب غالبا في الاحتكاك وانعدام الثقة.
في السنوات الأخيرة، أدت العديد من الحوادث إلى تفاقم التوترات بين البلدين. ومن الجدير بالذكر أنه في عام 2021، أدلى الرئيس ماكرون بتصريحات مثيرة للجدل تشكك في وجود دولة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، مما دفع الجزائر إلى استدعاء سفيرها مؤقتا. وعلاوة على ذلك، أدت الخلافات حول سياسات التأشيرات، حيث قلصت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين، إلى زيادة توتر العلاقات. وتؤكد هذه القضايا على الطبيعة الهشة للعلاقات الدبلوماسية، والتي قد تتأثر بالمظالم التاريخية والقرارات السياسية المعاصرة.
التداعيات الاقتصادية والأمنية: إن تداعيات هذا الخلاف الدبلوماسي تمتد إلى ما هو أبعد من المجالات السياسية لتشمل الأبعاد الاقتصادية والأمنية. فقد يؤثر انحياز فرنسا إلى المغرب على الشراكات الاقتصادية والاستثمارات في المنطقة، نظرا للأهمية الاستراتيجية للجزائر ومواردها الطبيعية الشاسعة. ومن الناحية الاقتصادية، قد يؤدي الخلاف إلى تعطيل اتفاقيات التجارة الثنائية ومشاريع التعاون الاقتصادي التي تشكل أهمية حيوية لكلا البلدين، وبسبب الخلاف الذي ذكرناه في سنة 2021 فشلت اتفاقية الغاز الطبيعي التي كانت بين باريس والجزائر.
إن التداعيات الأمنية بالغة الأهمية أيضا. إن منطقة الساحل، التي تعاني من عدم الاستقرار واستمرار الاضطرابات بين عدد من الفاعلين في المنطقة، تتطلب تعاونا قويا بين الدول المجاورة. وقد يؤثر إعادة توجيه التحالفات على الجهود العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وهو أمر ضروري لمكافحة التهديدات الإقليمية. وقد يؤدي التحول في التحالفات نحو روسيا، كما حدث مع تحالف الساحل، إلى تعقيد المشهد الأمني بشكل أكبر.
السياق السياسي في الجزائر: إن التحرك لاستدعاء السفير مرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام الحاكم في الجزائر وإدارة الرئيس عبد المجيد تبون. وكان تبون حازما في الدفاع عن سيادة الجزائر ودعمها للقضية الصحراوية. إن هذه الخطوة الدبلوماسية تتفق مع موقف حكومته بشأن الحفاظ على موقف حازم ضد النفوذ الاستعماري الجديد ودعم تقرير المصير للصحراء الغربية.
التداعيات على العلاقات الجزائرية المغربية: من المرجح أن تزداد العلاقات المتوترة بالفعل بين الجزائر والمغرب توترا بسبب هذا التطور. فالبلدان لديهما نزاعات طويلة الأمد حول قضية الصحراء الغربية، وتأييد فرنسا لخطة المغرب يؤدي إلى تفاقم هذه التوترات. وقد تؤدي هذه الأزمة الدبلوماسية إلى زيادة العداء وتقليل التعاون بين الجزائر والمغرب، مما يؤثر على الاستقرار والأمن الإقليميين.
أوراق الجزائر ضد فرنسا: تمتلك الجزائر العديد من أوراق الضغط التي يمكن أن تستخدمها للتأثير على فرنسا. وتشمل هذه صادراتها الكبيرة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، حيث تعمل كمورد رئيسي. وقد يؤثر انقطاع هذه الصادرات على سوق الطاقة الأوروبية، مما يمنح الجزائر ميزة استراتيجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن دور الجزائر في الأمن الإقليمي، وخاصة في منطقة الساحل، وشراكاتها مع قوى عالمية أخرى مثل روسيا والصين توفر لها نفوذا قويا جدا في المفاوضات الدبلوماسية.
ختاما
إن استدعاء السفير الجزائري من باريس يمثل تصعيدا كبيرا في العلاقات الفرنسية الجزائرية، أما التأييد الفرنسي لخطة الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية يُعدُّ حولا استراتيجيا أدى إلى توتر العلاقات مع الجزائر، وربما تكون تداعيات أكبر في المستقبل إذا لم تراجع فرنسا موقفها فيما يخض ملف الصحراء الغربية وسينعكس على التنافس الإقليمي الأوسع نطاقاً وقضايا السيادة وتقرير المصير.
إن هذا الخلاف الدبلوماسي يحمل آثارا جوهرية على الديناميكيات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة. فمن الناحية الاقتصادية، قد يؤدي إلى تعطيل شراكات التجارة والاستثمار، في حين قد يتعرض التعاون الأمني الضروري لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل للخطر. وقد تتأثر أيضا الروابط الثقافية والاجتماعية بين البلدين، وخاصة الشتات الجزائري الكبير في فرنسا.
وفي المستقبل، سوف تحتاج كل من الجزائر وفرنسا إلى التعامل مع هذه التوترات بعناية. ويتعين على فرنسا أن توازن بين مصالحها الاستراتيجية في منطقة المغرب العربي والحاجة إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع الجزائر. ومن ناحية أخرى، قد تسعى الجزائر إلى تعزيز تحالفاتها مع القوى العالمية والكيانات الإقليمية الأخرى.\
المصدر / افروبوليسي