أخبار

تقرير الندوة السياسية حول “كونفدرالية دول الساحل: منظور جديد في التحولات الجيوسياسية وإعادة ترتيب الأولويات”

نظم المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة سياسية حول “كونفدرالية دول الساحل: منظور جديد في التحولات الجيوسياسية وإعادة ترتيب الأولويات ” وهي الندوة الخامسة عشر ضمن الندوات الشهرية التي ينظمها المركز. وقد تمت أشغال هذه الندوة عبر تقنية الزووم بتاريخ 13 يوليو 2024 ودامت قرابة ثلاث ساعات، شارك فيها عدد من الأكاديميين ومن المختصين في الشأن الإفريقي وتحديدا من منطقة الساحل الإفريقي.

استهلت أشغال هذه الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد صالح عمر مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي بدأ بشكره لأساتذة المتحدثين وبحضور الندوة وقام بتقديم أهم المحاور التي طرحت في الندوة، رفقة فقرة تمهيدية للموضوع تعرف التحولات الأخيرة التي شهدتها دول الساحل الإفريقي والتحالف الجديد ضمن الكونفدرالية التي جمعت ثلاث دول النيجر، مالي، بوركينافاسو.

افتتحت  أولى فقرات الندوة بمداخلة الأستاذ إدريس آيات  وهو أكاديمي وباحث نيجري، متخصص في القضايا الإفريقية الأمنية والاستراتيجية، وفي بداية كلمته التي تناولت المحور الأول للندوة المتعلق بالمحفزات ودوافع التأسيس لكونفدرالية دول الساحل،  قسم الأستاذ آيات مداخلته إلى أربعة عناصر رئيسية:

أمنيا وسياسيا:

أكد الأستاذ آيات إلى أن نشاطات الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي، من ضمن أحد أهم عوامل نشأة هذه الكونفدرالية، إذ أشار إلى النشطات الكبرى لهذه الجماعات وخاصة في كل من بوركينافاسو التي خسرت قرابة ثلاث ارباع أراضيها لصالح هذه الجماعات ولم يتبقى الا العاصمة واغادوغو وبوبو ديولاسوا تحت سيطرة السلطة البوركينية أما بالنسبة لمالي فإن مناطق شاسعة منها خاضعة لسيطرة الجماعات الجهادية كتنظيم الدولة بالساحل والصحراء وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين ومناطق شمالية تحت سيطرة حركة تحرير أزواد، وأضاف الأستاذ إدريس أن الحدود الثلاثية بين كل من هذه الدول تعتبر خارجة عن سيطرة ومعقل ومسرح لعمليات هذه الجماعات، التي تسبب نشاطها في موجات كبرى من النزوح وعلى غرار سقوط أعداد كبيرة من القتلى وانعدام للأمن، وهو ما يدفع هذه الدول لإنشاء تحالف لمكافحة هذه المعضلة الامنية المشتركة.
أما سياسيا يشير الأستاذ إدريس إلى المشترك الجامع بين كل هذه القوى الحاكمة في الدول الثلاث خلفيتها العسكرية ووصولها السلطة عبر انقلابات عسكرية، وتبنيها خطاب شعبي مشترك مناهض لنفوذ القوى الغربية بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة، واشتراكها في العقوبات المسلطة عليها إثر الانقلاب من قبل المنظمات الاقليمية وتحديدا إيكواس، والتي هددت باجتياح النيجر وهو ما دفع بكل من مالي وبوركينافاسو بالتهديد بالوقوف مع النيجر ضد اي اعتداء خارجي، كل هذه العوامل السياسية حفزت إلى نشأة هذه الكونفدرالية.

إقليميا ومحليا:

أكد الأستاذ آيات إلى وجود ضغوطات كبيرة من قبل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ضد سلطة الانقلابين أو العسكريين الجديدة على حسب تعبيره، إذ كانت في سابق هذه الشرائح السياسية والمدنية شريك للسلطة المدنية في إدارة الشأن العام في البلاد، إلا أن تجميد نشاطاتها بعد الانقلابات جعلها تمارس ضغوطات لكي تعود إلى مسرح الأحداث أو المشهد العام في هذه الدول، عبر إجراء انتخابات في أسرع وقت لعودة المدنيين للسلطة.
أما إقليميا فهناك العديد من الضغوطات وأهم العقوبات السلطة من قبل إيكواس على هذه الدول.

الأيدولوجيات المشتركة:

وهنا أشار الأستاذ إلى وجود خمسة نقاط مهمة أولها الهوية المشتركة وإعادة السيطرة على الأراضي التي خسرتها السلطات لصالح الجماعات المسلحة إذ تمكنت مؤخرا مالي من استرجاع مدينة كيدال، ونجحت بوركينافاسو في إعادة ما يقارب 600 آلف نازح لمناطقهم التي نزحوا منها بسبب وقوعها سابقا تحت أيدي الجماعات المسلحة وتم افتتاح 1000 مدرسة، وتفرز إنشاء قوات أمنية مشتركة ودفاع مشترك، ثانيا ضمان تنقل البضائع بحرية بين هذه الدول، ثالثا اندماج اقتصادي عبر انشاء بنك مشترك، ورابعا انشاء إعلام موحد للاتصال السياسي لمواجهة  الدعاية المضادة، خامسا وأخيرا استراتيجية مشتركة بين هذه الدول عبر تغييرها لتحالفاتها واتجاهها نحو المعسكر الشرقي، اقتصاديا مع الصين وعسكريا وأمنيا مع روسيا وتركيا، خاصة بعد فشل الاستراتيجية السابقة في تحالف مع القوى الغربية وخاصة على المستوى الأمني والعسكري، مؤكدا على أن الاستراتيجية الجديدة تقوم على علاقات ند لند وليست أفقية كما كانت في السابق.

أما المداخلة الثانية فقد كانت لدكتور بكاري تراوري محاضر اللسانيات بجامعة الساحل بباماكو، مالي، وفي مداخلته تناول الدكتور تراوري المحور الثاني المتعلق بالموقف من الكونفدرالية وقسم مداخلته إلى ثلاث عناصر أساسية:

موقف الشعوب:

أشار الدكتور أبو بكر في هذه النقطة إلى وجود العديد من النقاط المشتركة بين شعوب الدول الثلاثة تجعل منها جسم واحد، وأول هذه النقاط هي التاريخ المشترك بين هذه الشعوب التي تحمل تاريخ واحد وكانت تعيش ضمن جغرافية موحدة ولكن الاستعمار هو من قسم هذه الشعوب إلى الدويلات الحالية وأطلق عليها تسميات النيجر، مالي، وبوركينافاسو، فعلى سبيل المثال إثر الانقلاب في النيجر ذكرت القيادات العسكرية النيجرية في خطاباتها هذه الشعوب بالتاريخ المشترك، إذ أشارت إلى الحكام من مالي الذين كانوا يحكمون تلك المنطقة، وهو التاريخ والجغرافيا المشتركة بين هذه الشعوب.
أما النقطة الثانية التي أشار إليها الدكتور أبوبكر فهي البعد الاجتماعي، حيث أن هذه الشعوب كلها تربط بينها علاقات دموية متينة وثقافية وحتى العادات والتقاليد، فعلى سبيل مثال يتكلم الناس في غاو بمالي نفس اللغة التي يستعملها سكان العاصمة نيامي بالنيجر، أما لغة سكان العاصمة باماكو بمالي فهي نفس لغة ثلثي أهل بوركينافاسو تقريبا، حتى أن العائلات أو القبائل تجد نفسها مقسمة بين غاو ونيامي وبوركينافاسو، كما أنه يمكن ان تجد شخص عضو في حكومة مالي وشقيقه عضو في حكومة بوركينافاسو، وهو ما سيتخلص منه حسب الدكتور تراوري أن هذه تحالفات قديمة وقديمة جدا وليست بالشيء الجديد واعتبرها أنها جاءت متأخرة قليلا.
أما النقطة الثالثة للمشتركات بين هذه الشعوب هي البعد الديني، فالدين الإسلامي هو الدين السائد في كل دول الساحل الإفريقي بصفة عامة والنيجر ومالي وبوركينافاسو بصفة خاصة.
أما النقطة الرابعة فهي البعد الأمني، إذ أن هذه الشعوب تشترك منذ سنوات في نفس المعضلة الأمنية وهي انتشار العنف والإرهاب، وعدم ايجاد القوى الغربية وفرنسا بالتحديد طيلة عقديين من الزمن لحلول رفقة حلفائها الغربيين، يجعل هده الشعوب تتحسس أكثر لحلول محلية ونابعة من إرادة شعبية وهو ما يتجلى في التحالف الحالي.

موقف مكونات المجتمع المدني والنخب السياسية:  

أكد الدكتور تراوري على أن كل مكونات المجتمع المدني تساند هذا التحالف، باعتبارها أنها جزء من الشعب وهيئة تمثيلية له تنقل صوته، حيث أن كل الجماعات الدينية والعرقية والقوميات باختلافها تساند هذا التحالف، ويرجع أساس ذلك للظروف الأمنية التي مرت بها وهي نفس الظروف التي أدت إلى نشأتها، لذلك فهي ترى في أن هذا التحالف هو بارقة أمل لاستتباب الأمن، كما أنها كانت تنتظر هذا التحالف وتستعد لأجله منذ فترة طويلة.
أما بالنسبة للنخب السياسية فكلها فأغلبها مساند لهذا التحالف وخاصة أنهم يعتبرونه خروج من تحت مظلة الهيمنة الفرنسية وهم متحمسون له كثيرا، مع قلة قليلة من النخب والأحزاب التي ترفض هذا التحالف ويرجع لذلك لأنها أذرع لقوى خارجية وغربية.

أما المداخلة الثالثة فكانت للدكتور حكيم نجم الدين باحث نيجيري مختص بالقضايا التعليمية ومهتم بالشؤون الإفريقية. وتناولت مداخلته المحور الثالث من الندوة المتعلق بالتعاون الدولي والإقليمي، موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا الايكواس وآفاق المستقبلية لكونفدرالية الساحل، وقسم الدكتور حكيم مداخلته إلى ثلاث نقاط رئيسية:

العلاقات مع دول الجوار والتعاون الإقليمي: 

اعتبر الدكتور نجم الدين أن ردود أفعال دول الجوار من الإعلان عن قيام كونفدرالية الساحل لا يختلف كثيرا عن موقف هذه الدول من الانقلابات العسكرية والتحالف الاخير الذي تم بينهما في سبتمبر العام الماضي، إذ أن هناك دول حافظت على علاقتها كما هي مع هذه الدول، وفي حين بقيت هناك توترت مع دول أخرى بسبب خلافات حدودية وسياسية لها مع دول الكونفدرالية.
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع الإيكواس فإن التصريحات بأن الكونفدرالية لن تختلف كثيرا على منظمة الإيكواس وتصريحات القيادات الانقلابية بأن الايكواس مجرد هيئة خاضعة للهيمنة الغربية فهي تعطل كل محاولة للمصالحة بين الطرفين وتعمق الأزمة بينهما أكثر وأكثر، وهنا أشار الدكتور نجم الدين إلى فشل إيكواس ورئيسها في إيجاد حلول بعد أن وجد نفسه بين مطرقة التدخل العسكري وهو ما سيعبر عنه بمهاجمة دول مجاورة وسندان التراخي وهو ما سيعتبر إهمال للديمقراطية، وهو ما ينبئ بأن إيكواس ستتخذ في الأيام المقبلة إجراء أكثر صرامة ضد كونفدرالية الساحل.
أما بالنسبة لموقف الاتحاد الإفريقي اعتبره الدكتور نجم الدين لين مع الكونفدرالية وحذر بالرغم من أن أغلب قيادة الاتحاد الافريقي ترفض ضمنيا هذا التحالف والقيادات العسكرية، إلا أن تهديد هذه الدول الاتحاد بالانسحاب من المنظمة في حال تسليط أي ضغوطات، يجعل من الاتحاد الافريقية يتعامل معها بأكثر ليونة.

التعامل مع المجتمع الدولي والشركاء الدوليين:

اعتبر الدكتور حكيم أن كونفدرالية دول الساحل تحظى حاليا بدعم ما سماه بزعماء النظام العالمي الجديد وهي روسيا والصين، تركيا وإيران، وهذا الدعم والتحالف الجديد لا يروق لدول الغربية، وهو ما يمكن أن يؤثر على مصالحها مستقبلا في المنطقة وخاصة تنامي مشاعر مناهضة القوى الغربية وهو ما ربما يؤدي إلى تحرك دول في غرب إفريقيا ونسجها على منوال دول الكونفدرالية.
كما أشار الدكتور إلى أن الكونفدرالية بسبب معاداتها للقوى الغربية التي ترتبط بها جل المنظمات والهيئات الدولية وهو ربما سيعيق الكونفدرالية للحصول على اعتراف دولي لها.

الآفاق والتحديات :

عبر الدكتور نجم الدين عن وجود آفاق واعدة للكونفدرالية خاصة وأنها تمتلك نفس الاشكاليات الامنية والاقتصادية والتنموية، كما أن المشتركات التاريخية والجغرافية والعرقية والدينية عوامل قوية لإنجاح الكونفدرالية وهي عوامل لا تتوفر في تكتلات اقليمية أخرى كالإيكواس مثلا الذي عانى صعوبات كبيرة في مسألة توحيد الدول الأعضاء ذات الخلفية الفرانكفونية مع الدول الأعضاء الأخرى ذات الخلفية الأنجلوفونية وهو ما تسبب بتأخير اطلاق عملة ايكو.
وأكد أن كل التحديات التي تواجه الكونفدرالية ذات طابع محلي وهو ما يعزز نجاحها في حال ركزت على النقاط الهامة الأمنية والاقتصادية ونجحت فيها.
وأشار الدكتور حكيم إلى أن هناك امكانية انضمام دول أخرى للكونفدرالية وانسحابها من منظمة ايكواس، أو العكس اذ صعدت حكومات مدنية في السنوات القادمة في الكونفدرالية يمكن أن تنسحب وتعود إلى الايكواس، كما أن توتر العلاقات مع الايكواس سيؤثر على الاقتصاد والتبادلات التجارية في المنطقة وعلى التجار خاصة وأن دول الكونفدرالية دول حبيسة وتعتمد على التوريد من جوارها ووجود حواجز جمكرية بينها وبين دول الجوار يؤثر عليها كثيرا .

وفي نهاية المداخلات الرئيسية أكد كل من الدكتور أبو بكر تراوري والأستاذ إدريس آيات،  على أمالهم الكبيرة المعلقة على الكونفدرالية التي حققت أهم نقاطها وهي خروجها من مظلة الهيمنة الغربية وايجاد لتحالفات دولية جديدة على لا تقوم على مبدأ الهيمنة، وبأن كل التحديات التي ستواجهها الكونفدرالية يمكنها النجاح فيها والمضي قدما للنهوض بمنطقة الساحل الإفريقي.
وقبل الختام خاطب الحضور مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات شاكرا المتحدثين والمعقبين والمتداخلين. وفي الأخير وجه مدير المركز بعض الأسئلة والتعليقات حول الموضوع وتوجه بالشكر لكافة الحضور من الباحثين والمهتمين بالشأن الإفريقي من المتداخلين والمتابعين.

وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسية، تم فتح باب المداخلات أمام الحضور للتعقيب والنقاش، ليتداخل الحاضرين بتساؤلاتهم وإضافاتهم حول موضوع الندوة، بحيث عملت مداخلات الحضور على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع. وتم إعطاء الكلمة الأخيرة للمتحدثين والمعقبين للإجابة عن الأسئلة وتقديم كلماتهم وتعليقاتهم الختامية حول موضوع الندوة.

اترك تعليقاً

إغلاق