أخبار

صعود داعش في إفريقيا: الدور والمظاهر والتداعيات المستقبلية

يستكشف هذا المقال ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) وتوسعه في إفريقيا، ويدرس العوامل المتعددة الأوجه التي ساهمت في صعوده. وتتناول هذه الورقة السياقات التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي وفرت أرضا خصبة لتجنيد التنظيم وعملياته في القارة.

مؤخرا صدرت العديد من التقارير الدولية والأممية تشير إلى خطورة تنظيم الدولة في إفريقيا وإمكانية تحول مركزه إلى القارة. ففي السنوات الأخيرة ومنذ بداية سنة 2015 انضمت العديد من الجماعات الجهادية بالقارة إلى تنظيم الدولة وخاصة بعد صعوده الكبير في كل من سوريا والعراق.

وبالرغم من هزيمة التنظيم والقضاء على كيانه الذي أسسه في الشرق الأوسط في 2019، إلا انه في إفريقيا يزداد قوة يوم بعد يوم. ويعود ذلك لعديد العوامل والظروف التي تميزت بها نشأة التنظيم في القارة عن باقي فروعه الأخرى ولفهم هذه الظاهرة ينطلق المقال في البداية بالبحث عن جذور التنظيم في إفريقيا وعن العوامل المساهمة في صعوده ومستقبله فيها.

جذور التنظيم في إفريقيا:

إن تواجد تنظيم الدولة الإسلامية في القارة الإفريقية هو شأنه شأن تنظيم الدولة بالعراق، فقد قام أسس تنظيم القاعدة وعلى أنقاض  الخلافات بين المنتسبين للقاعدة التي وجد فيها المعارضين للقاعدة أو متخالفين مع قياداته فرصة في تنظيم الدولة الإسلامية لإعلان الانشقاق أو الحصول على دعم وشرعية أكبر لجماعاتهم الجديدة.

شمال إفريقيا:

يعود أول ظهور لتنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا إلى سنوات 2013- 2014 في ليبيا، وذلك على خلفية خلاف بين جماعات جهادية ليبية المتمركزة بكثرة في منطقة الشرق الليبي التي تعتبر معقل لتيارات الجهادية منذ زمن حكم القذافي.

ومع سقوط نظام معمر القذافي في سنة 2011 برزت هذه الحركات إلى العلن وكان أشهرها تنظيم أنصار الشريعة أحد أفرع تنظيم القاعدة بليبيا رفقة تنظيمات أخرى، وفي أكتوبر من سنة 2014 أعلن “مجلس شورى شباب الإسلام” بمدينة درنة في شرق ليبيا على مبايعته تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن قبيل أشهر قليل عن قيامه ” كخلافة إسلامية” وتحول اسم التنظيم إلى ” تنظيم الدولة الإسلامية ولاية برقة”، وقد كان بين هذا التنظيم بدرنة وفصائل الجهادية الأخرى وخاصة تنظيم أنصار الشريعة بشرق ليبيا خلافات حادة وكبيرة منذ سنة 2011، كما أن هذا الإعلان تزامن مع وصول مجموعة كبيرة من فرقة البتار الليبية من العراق وسوريا، هذه الكتيبة التي يعود تأسيسها إلى بداية الحرب العراقية الأمريكية زمن أبي مصعب الزرقاوي، كما أن هذه الكتيبة ضمت في صفوفها مقاتلين ليبيين بدرجة أولى وتونسيين بدرجة ثانية واشتهرت بدمويتها وخاصة في تنفيذيها لمجزرة الشعيطات في سوريا.

وفي نوفمبر 2014 أعلن زعيم التنظيم الراحل أبو بكر البغدادي في تسجيل صوتي عن قبوله بيعة مؤيديه في خمس دول ومنها ليبيا حيث اعترف بقيام كل من ولاية برقة في الشرق الليبي، وفزان بالجنوب الليبي، وولاية طرابلس في الغرب. ويبرز الاهتمام الكبير للتنظيم بإفريقيا وليبيا بصفة خاصة التي اعتبرها التنظيم بوابته للقارة، من خلال إرساله لأهم شخصياته إلى ليبيا وهي أهم شخصية تابعة لتنظيم زارت القارة الإفريقية.

ففي سنة 2014 أرسل التنظيم أبو نبيل الأنباري أحد أبرز مساعدي البغدادي وصاحب عملية سيطرة التنظيم على مدينة تكريت وبيجي بالعراق، وهو ضابط سابق بالشرطة العراقية ومن أحد أكبر القيادات المعروفة بدمويتها في التنظيم وبقربها من الزعيم البغدادي، وكانت مهمة الأنباري تتمثل في ترسيخ هيكلة تنظيمية قوية للتنظيم في ليبيا وتزعم فروعه الثلاث بها، وفي سنة 2015 قتل الأنباري في قصف للقوات الأمريكية بمدينة درنة الليبية معقل التنظيم.

وبالانتقال إلى تونس التي تعتبر المزود الأول لتنظيم في العراق وسوريا بالمقاتلين والتي كانت مسرح لعمليات عديدة لتنظيم الدولة، إلا أن التنظيم لم ينجح في إيجاد موطئ قدم له بالرغم من المحاولات العديدة له على يدي أهم شخصية أجنبية في تنظيم الدولة الإسلامية ” أبو بكر الحكيم” الذي وقف وراء عديد العمليات في تونس، وفي النهاية تعتبر بقية نشاطات التنظيم في تونس مجرد امتداد للتنظيم المتمركز بالتراب الليبي.

أما بالنسبة للجزائر ومنطقة الساحل والصحراء والتي تعتبر نواة نشأة الجماعات الجهادية في إفريقيا ومركز تنظيم القاعدة في إفريقيا، فقد شهدت انشقاق للمنطقة الوسطى في الجزائر عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب سنة 2014 ومبايعتها لتنظيم الدولة وتحولها لاسم ” جند الخلافة”.

منطقة الساحل والصحراء (غرب إفريقيا):

أما أهم مبايعة لتنظيم الدولة من إفريقيا فقد جاءت على أيدي أبو وليد الصحراوي من مواليد العيون بالصحراء الغربية، وانظم الصحراوي إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب من ثم إلى جماعة المرابطين المتمركزة بشمال مالي، وعلى الرغم من وصوله إلى أعلى هرم في التنظيم إلا وأنه على ضوء الخلافات مع مختار بالمختار الجزائري أبرز القيادات الجهادية بتنظيم المرابطين ومنطقة الصحراء، قام بمبايعة تنظيم الدولة لاستغلال الفرصة والاستقلال عن التنظيم عبر مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية.

وكان الصحراوي يعول كثيرا في انشقاقه على دعم القوى الجديدة المنضوية تحت راية تنظيم الدولة ومنها “جند الخلافة” المنطقة الوسطى بالجزائر والولايات الليبية وخاصة على ولاية غرب إفريقيا المعروفة سابقا تحت مسمى ” بوكو حرام ” بنيجيريا، فقد أعلن ” أبو بكر شيكاو” زعيم الجماعة عن بيعته لأبي بكر البغدادي في مطلع سنة 2015، ومن هنا نجح تنظيم الدولة في وضع موطئ قدم له في إفريقيا وفي منطقة غرب إفريقيا بتحديد ( منطقة الساحل والصحراء، وحوض بحيرة تشاد) التي تعتبر أكبر مسرح حاليا للجماعات الجهادية في العالم.

منطقة شرق ووسط إفريقيا:

وبالنسبة للمنطقة الشرقية والوسطى للقارة الإفريقية فقد قامت مجموعة منشقة عن “حركة الشباب” الصومالية والتي كانت أحد أفرع الحركة بمنطقة بونتلاند بقيادة عبد القادر مؤمن بريطاني من أصول صومالية، حيث عاد من بريطانيا إلى الصومال في سنة 2010، وانضم إلى حركة الشباب وتولى قيادة أحد فروعه في إقليم بونتلاند في سنة 2014، ليعلن في سنة 2016 عن مبايعة “تنظيم الدولة”، وكانت المجموعة ترتبط ارتباط وثيق بفرع ” تنظيم الدولة” المتواجد باليمن، كما أن التنظيم بالصومال كان يجني أرباح كبيرة أشارت تقارير أمريكية، إلى أن هذه الأموال سخرها التنظيم بالصومال لتمويل بقية الأفرع في كامل إفريقيا.

وقد أطلقت هذه المجموعة على نفسها تسمية ” تنظيم الدولة الإسلامية ولاية وسط إفريقيا” (الصومال، كينيا، وأوغندا، وتنزانيا) إلا أن التنظيم انحصرت أنشطته بين الصومال وكينيا فقط، ولكن في أواخر سنة 2017 نشر مقطع فيديو لمجموعة مسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية تعلن عن ولائها لتنظيم الدولة ويقال أن هذه المجموعة هي في الأصل فصيل مسلح متمرد في شرق الكونغو المعروفة بقوات الحلفاء الديمقراطية ADF أعلن عن ولائه لتنظيم لحشد عدد أكبر من الدعم والمقاتلين له.

وفي سنة 2018 ظهرت أيضا أنشطة للتنظيم في وسط إفريقيا بشمال موزمبيق ووصلت عمليات التنظيم حتى أوغندا، وفي سنة 2019 نشر مقطع فيديو دعائي لتنظيم الدولة يعلن فيه ” موسى بالوكو” زعيم ADF  ولائه لتنظيم الدولة بعد قبول التنظيم لبيعته.

عوامل ظهور تنظيم الدولة في إفريقيا:

العوامل الداخلية للجماعات:

إن العوامل التي أدت إلى ظهور تنظيم الدولة في إفريقيا متشابكة ومتشعبة جدا، وتحتكم لعديد من الظروف التي تعيشها القارة الإفريقية من ضعف وهشاشة للأنظمة الأمنية والسياسية فيها أو الجغرافيا القاسية خاصة في منطقة الساحل والصحراء، أو نتاج لديناميكيات وتنافس داخل المنظمات الجهادية في حد ذاتها.

فكما أشارنا في العنصر الأول لظهور التنظيم في القارة، فهو قد قام على إنقاذ جماعات وكيانات كان تدين في الولاء بالسابق للقاعدة، وجاء ضمن سياق تنافس وصراع بين هذه الجماعات كما كان الحال في ليبيا وبين القيادات كما هو في وضعية أبو وليد الصحراوي وعبد القادر المؤمن.

وأن أغلب المبايعين لتنظيم الدولة في الجماعات الإفريقية عرف عن قياداتها أنها ذات توجه أكثر دموي وتطرف من باقي القيادات الجهادية الأخرى كما هو في حال أبو بكر شيكاو ومجموعة ” مجلس شباب شورى شباب الإسلام” درنة بليبيا أو في الحالة التونسية لأبوبكر الحكيم.

أيضا من أهم العوامل أيضا هو بحث هذه الكيانات عن انتشار إعلامي أكبر ودعم مالي وهو ما دفعهم بمبايعة التنظيم خلال أوج قوته وشهرته في العالم بين سنوات 2014-2017، كما أن الدعاية لتنظيم الدولة حينها كانت قادرة على دفع العديد من المقاتلين للانضمام إلى فروعه وهو ما قام به أحد المقاتلين الفرنسيين خلال فيديو دعائي للتنظيم بسوريا، إذ قام بدعوة مريدي التنظيم بالالتحاق بأفرع التنظيم بإفريقيا وخاصة بعد فرض الدول الأوروبية قيود على السفر نحو الشرق الأوسط.

العوامل الأمنية والسياسية:

هشاشة المنظومة الامنية والأنظمة السياسية في إفريقيا تعتبر أهم عامل لصعود تنظيم الدولة، فعدم استقرار الأنظمة السياسية وكثرت الانقلابات العسكرية رفقة الصراع الدولي كلها عوامل ساهمت في صعود التنظيم على مسرح الاحداث في إفريقيا.

ففي ليبيا استغل التنظيم الفراغ الأمني والسياسي التي خلفته ثورة 11 فبراير التي أسقطت نظام معمر القذافي وانتشار عديد الميلشيات والجماعات المسلحة بالبلاد، نجح تنظيم الدولة في السيطرة على مدينة سرت شرق ليبيا وأطلق عليها اسم ” ولاية برقة” في إشارة إلى كامل منطقة الشرق الليبي، وفي ظل الانقسام والضعف الأمني التي تشهده ليبيا من انقسامات سياسية بين منطقة الشرق والغرب وسطوة الميلشيات المسلحة في البلاد نجح التنظيم في السيطرة على عديد المناطق بليبيا وقيامه بالترويج والدعاية لنفسه عبر مقاطع دعائية أبرزها عملية إعدام الأقباط المصريين على شواطئ مدينة سرت.

أما بالنسبة لتونس فهي امتداد لليبيا بحكم الترابط بين البلدين وتواجد العديد من المقاتلين التونسيين في صفوف التنظيم في ليبيا، و بالرغم من فشل التنظيم في ايجاد هيكلة له في تونس أو استقطاب الجماعات المتواجدة هناك له لبيعته حيث ظلت هذه الجماعات على ولائه السابق للقاعدة، لكنه قام بتنفيذ عمليات في تونس كان جلّها منطلقها ليبيا كعملية متحف باردو سنة 2015 وعملية بن قردان الواقعة في الحدود الليبية التونسية والتي قامت بها كتيبة البتار الليبية.

وفي الجزائر كانت أنشطة المنطقة الوسطى التابعة للتنظيم والتي لقبت نفسها ب “جند الخلافة” تعمل ضمن نطاق عمليات صغيرة ومتفرقة، وبتوجه نحو منطقة الساحل والصحراء وغرب إفريقيا، فإن التنظيم نجح هناك في السيطرة على أراض واسعة بحوض تشاد في ما يعرف بالمثلث الحدودي بين كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وفي شمال نيجيريا المنطقة التقليدية لنفوذ بوكو حرام التي تحولت إلى فصيل تابع لتنظيم الدولة، كما أن التنظيم صار يسيطر على مناطق في وسط مالي بعد انشقاق مجموعة من حركة ماسينا التابعة للفولان والمبايعة للقاعدة ومبايعة هذه المجموعة لتنظيم الدولة.

وتشهد هذه المناطق حاليا مواجهة كبرى بين كل من تنظيم الدولة ضد جماعة نصرة الإسلام التابعة للقاعدة ببلاد المغرب والمواجهة مع الجيوش المحلية (مالي، بوركينافاسو، النيجر، تشاد، نيجيريا) وجماعة فاغنر الروسية المتواجدة هناك. وقد كان للانقلابات الأخيرة التي حدثت في هذه الدول وانسحاب القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة من بعض دول الساحل، على صعود تنظيم الدولة بمنطقة الساحل وغرب إفريقيا.

أما بالنسبة لتنظيم ولاية وسط إفريقيا، فتعود أصول بداية التنظيم إلى فترة سقوط رئيس جمهورية أوغندا عيدي أمين سنة 1979، وتأسيس مجموعة من الجنود السابقين لمجموعة مسلحة على حدود أوغندا والكونغو الديمقراطية بتداعي اضطهاد أوغندا للمسلمين. وفي سنة 1995 تم الإعلان عن تأسيس مجموعة قوات الحلفاء الديمقراطية على أيدي ” جميل مولوكو” في شمال أوغندا، وكانت أهداف هذه الجماعة محاربة حكومة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني المضطهدة للمسلمين، وفي نفس السياق والمنطقة الجغرافية وقبيل سنوات تأسست مجموعة مسيحية متطرفة بشمال أوغندا تعرف ب “جيش الرب” هدفها الإطاحة بحكومة “موسيفيني” وإنشاء دولة دينية في البلاد.

وقد نفذ جيش الرب العديد من المجازر ضد المسلمين بأوغندا والعديد من المناطق بوسط وشرق إفريقيا، وأشهرها مذبحة ليرة سنة 2004، استهدفت مخيم لللاجئين المسلمين عبر إحراقهم داخل المخيم وراح ضحية هذا الهجوم قرابة 200 شخص.
ومن هذه الصراعات ولد تنظيم قوات الحلفاء الديمقراطية وفي سنة 2015 بعد إلقاء القبض على مؤسس التنظيم جميل مالوكو في تنزانيا تولى زعامة المنظمة موسي سيكا بالوكو الذي أعلن عن ولائه في 2017 عن بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية.

العوامل العرقية والاقتصادية: 

 تعتبر العوامل الاقتصادية والعرقية من أهم محركات الصراع في القارة الإفريقية وفي مسيرة صعود تنظيم الدولة على مسرح الاحداث في القارة.

فالعامل الأنثروبولوجي والمتمثل في المكونات العرقية وطرق نمط عيش هذه الجماعات ساهم كثيرا في تصعيد العمليات وايجاد حاضنة شعبية للجماعات الجهادية بالمنطقة. ففي إفريقيا تعتبر قومية الفولاني أحد أكبر القوميات المتواجدة في إفريقيا والتي تمتد في وسط القارة من شرقها إلى غربها، أما ثاني أهم مجموعة عرقية متواجدة في المنطقة فهي قومية الهوسا.
ففي حين تتبع مجموعة الفولاني العرقية نمط الانتجاع والرعي وينحدر منها أغلب الرعاة، فقومية الهوسا تنتهج النمط الزراعي وينحدر جلّ المزارعين منها، كما أن محركات الصراعات التاريخية في سابق كان يحدث بين منتهجي النمط الرعوي والنمط الزراعي بسبب تضارب المصالح الاقتصادية لكلا النمطيين، فإن هذا الصراع يلقي بظلاله حاليا في إفريقيا وخاصة في منطقة الساحل الإفريقي والتي تعاني أساس من الجفاف وندرة المياه.

فقد تحول في السنوات الأخيرة أغلب الرعاة من مجموعة الفولاني إلى مسلحي في صفوف التنظيمات الجهادية وخاصة تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، فلم تكن مشاكل الفولاني مع الهوسا فقط، فقد كانت للفولاني مشاكل مع مجموعات الطوارق المسلحة والتي بالرغم من أنها تنتهج نفس النمط الرعوي للفولاني إلا أن خلافات نشبت بينهم حول سرقة قطعان المواشي وخاصة بعد عودة مجموعات كبيرة من الطوارق بأسلحة من ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، ودارت أحداث عنيفة بين الطرفيين وخاصة في سنوات 2012-2013 وهو ما دفع بالفولاني للتفكير بالتسلح والتوجه نحو الانضمام للجماعات المسلحة لحماية أنفسهم وقطعانهم.

وقد نجح أبو وليد الصحراوي في تجنيد العديد من شباب الفولاني لصفوف تنظيمه في سنة 2012 حينما كان تابعا لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب، وفي السنوات المتتالية نجح الصحراوي فاستقطاب العديدين إلى صفوفه وخاصة بعد إعلانه مبايعة تنظيم الدولة، وكان كبار القادة الصحراويين في التنظيم من الفلان، وتحول العديد من الفلان من مجرد راعي بسيط إلى أخطر وأكبر الشخصيات المتطرفة التي تقود عمليات في الساحل الإفريقي كالشاب تشيفو الذي قاد هجوما عنيفا ضد القوات الأمريكية والنيجرية بالنيجر.

مستقبل التنظيم في إفريقيا:

تمثل القارة الإفريقية حاليا أكبر مسارح العالم التي تنشط فيها الجماعات الجهادية والإرهابية، فبالرغم من أنشطة وثقل جماعات كالقاعدة وتنظيم الدولة كان مجالها التقليدي الجغرافي متمركز بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إلا أن زخم العمليات وقوة هذه التنظيمات حاليا وتوسع رقعة السيطرة الجغرافية أصبح إفريقيا.

فكما توسع نشاط تنظيم الدولة في إفريقيا وشمل العديد من البلدان فيها مؤخرا كالكاميرون وبنين، وموزمبيق، وتركيز المنظومة الدعائية للتنظيم على إفريقيا وخاصة مؤسسة النبأ الإعلامية التابعة للتنظيم التي بدأت بإصدار العديد من المقاطع والمقالات باللغات المحلية في إفريقيا.

وبدأت العديد من التقارير الدولية والأممية تتحدث عن إمكانية انتقال مركز التنظيم وقياداته المركزية إلى إفريقيا وخاصة بعد سقوط التنظيم في الشرق الأوسط سنة 2019، ومقتل العديد من قياداته وضعف باقي فروع التنظيم مقارنة مع فروعه في إفريقيا، ففي آسيا الوسطى وبعد صعود طالبان للحكم صار التنظيم أكثر ضعفا وأما في اليمن فعيش فرع تنظيم انقسامات ومشاكل كبرى.

ولكن إمكانية تحول تنظيم الدولة إلى إفريقيا أمر في غاية التعقيد فعلى عكس تنظيم القاعدة ذو الهيكلة اللامركزية، فإن تنظيم الدولة مركزي ويرتكز في قياداته وزعماته على المكون العراقي، كما أن شرط قرشية القائد يحول ضمن تمكن شخصية إفريقية من قيادة التنظيم.

أما على مستوى تمدد التنظيم في إفريقيا وصعوده مستقبلا فهو يحتكم لعديد المعطيات، أولا صراعه مع الجماعات التابعة للقاعدة وخاصة بمنطقة الساحل والصحراء، وان كانت الجماعات المحسوبة على القاعدة ك “نصرة الإسلام والمسلمين” تتجه نهج الدخول في مفاوضات وتحالفات مع المكونات المحلية والعرقية في المناطق التي تسيطر عليها، فإن تنظيم الدولة في إفريقيا ينتهج نفس نهج التنظيم الأم في الشرق الأوسط من حيث دخوله في صراعات وصدامات مع المحليين وهذا هو أحد أهم أسباب سقوطه في سوريا.

وفي منطقة الساحل الإفريقي بدأت تتصاعد مشاعر العداء ضد التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها بسبب سياسته الصارمة تجاه المحليين وهذا ما يجعل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تخوض صراع ضده تتفوق عليه من ناحية هذه النقطة.

أما في شمال إفريقيا فقد تم القضاء نسبيا على التنظيم بليبيا مما أضعف نشاطه كثيرا في المنطقة وجعل أغلب مقاتليه يتجهون جنوبا نحو منطقة الساحل والصحراء، وفي الشرق الإفريقي تختلف المعادلة عن البقية فالقيادة محلية وفي ظل الهجمة الشرسة ضد المدنيين بزعم محاربة تنظيم الدولة يستمد التنظيم شرعية أكبر له في المنطقة.

خاتمة:

ان هشاشة الأنظمة الامنية والسياسية بإفريقيا كانت أهم عامل وراء صعود تنظيم الدولة في القارة، كما أن الصراعات داخل الكيانات الجهادية التقليدية أدت إلى توجه بعض القيادات لتنظيم الدولة لاكتساب نفوذ ودعم أكبر لاستقلال بجماعات خاصة بهم.

كما أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية رفقة الصراعات الأهلية والعرقية كانت عامل رئيسي أيضا في ذلك، وهو ما مكن التنظيم في وقت وجيز من الصعود في إفريقيا، وان كان التنظيم قد بدأ في القارة من ليبيا وتم القضاء عليه بها إلا أنه وجد في منطقة الساحل وغرب إفريقيا مجال حيوي له نجح في الصعود فيه والهيمنة على عديد المناطق به.
وتبقى الظرفية الإفريقية في الوقت الحالي لما تشهده من اضطرابات سياسية وصراعات دولية وتواجد عديد القوات الأجنبية والغير حكومية مصدر هام لمواصلة التنظيم في عملياته وسيطرته ودعم بعض الجهات له في القارة، وإن يبقى مستقبل التنظيم غامضا إلا أنه يرتبط أساسا بصراعه مع تنظيم القاعدة وبمدى نجاعات الأنظمة السياسية في إفريقيا في تحقيق التنمية والعدالة والمساواة والاستقرار الأمني والسياسي بها.

اترك تعليقاً

إغلاق