أخبار
قمة الاتحاد الإفريقي 37 .. قراءة في أوراق القمة .. قمة عادية في ظروف استثنائية
تعتبر قمة الاتحاد الإفريقي 37 والتي انعقدت بين 17 و 18 من فبراير 2024، من أهم وأخطر القمم الإفريقية قياسا على حجم القضايا والمشكلات التي تهيمن على أولويات النخب السياسية الإفريقية، سواء على المستوى الداخلي أو المستوى الإقليمي، أو حتى المشتبكة مع الفاعلين الدوليين، فكيف قيم القادة التحديات وما هي المقاربات التي تعاملوا بها مع مختلف الأجندة، وكيف تبدوا القارة ووحداتها المختلفة في العشرية الثانية من الأجندة الإفريقي 2063، وما هي القضايا الملحة، نحاول في هذا التحليل تشخيص التركيز على أهم محركات الأجندة الإفريقية وما هي التوجهات الغائبة في راهن الأداء وأين يجب أن تتجه آفاق الأجندة.
غياب كبير بسبب التجميد
جاء انعقاد القمة 37 في وقت دقيق واستثنائي بكل المقاييس، حيث تعيش القارة أوضاعا معقدة ومشكلات تتوالد وتتضاعف بسرعة مذهلة، تعجز معها الآليات التقليدية من الاحتواء وإيجاد الحلول، الناجعة، وأحد أبرز المؤشرات الدالة والمعبرة عن حالة الاتحاد الإفريقي، هي الغياب الكبير لرؤساء الدول وعدد 6 دول غابت مرغمة بسبب التجميد وهي الغابون والنيجر ومالي وغينيا والسودان وبوركينا فاسو، الأمر الذي يزيد من ضعف الاتحاد وآلياته، ومقارباته في الخروج من نفق الأزمات، ومبادرات الحلول التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالعقل الجمعي والمساعدة في حل المشكلات التي تواجهها الدول.
أجندة الاتحاد الإفريقي وأزمات القارة
اشتعال الساحل والصحراء
أكثر الأقاليم اضطرابا وإثارة للأسئلة الكثيفة هو إقليم الساحل والصحراء الذي يمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقا حيث شهد وما زال أوضاعا اقل ما يُقال عنها إنها تزداد تفاقما وتعقيدا، مع احتمالات مفتوحة لأن تتحول إلى فوضى عارمة يصعب التعامل معها، ذلك لأن مستوى التعاطي معها من قبل الاتحاد الإفريقي يتصف بالبطء واللا مبالاة، إضافة إلى تغلغل الفاعلين الخارجيين في شؤون المنطقة ما يزيد من وتيرة الصراعات وتوسع نطاقها، في ظل غياب مبادرات جدية ووساطات لديها القدرة على ممارسة الضغوط، وتقديم الحوافز المشجعة، وفي تناول الاتحاد الإفريقي في قمته الأخيرة لشأن المنطقة ما زاد على التعبير عن قلقه البالغ إزاء ما يحدث هناك، وهو الخطاب الذي يمكن أن يكون مقبولا من الأصدقاء من خارج القارة مثل الصين وروسيا أو الاتحاد الأوروبي، وليس بأية حال من الاتحاد الإفريقي.
حصاد عشرية إسكات البنادق
تبنى الاتحاد الإفريقي في إطار أجندة إفريقيا 2063 ولذي جاء تحت عنوان “إفريقيا التي نريد” وهو الإطار القاري أو خطة العمل الاستراتيجية الحاكمة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وذلك على مدار نصف قرن من الزمان، ابتداءً من 2013 وحتى 2063، تبنى خططا عشرية لتنفيذ الإطار الاستراتيجي، وفي العشرية الأولى(2013 ـــ 2022) تبنت خطة جاءت تحت شعار إسكات البنادق وهو ابرز أجندة هذه العشرية وشدد الاتحاد الإفريقي على ضرورة إسكات البنادق بحلول 2023، في جميع أنحاء القارة، ولكن وبتقييم سريع لأصوات البنادق في إفريقيا فالمشهد يتحدث عن نفسه معبرا عن التدهور واتساع نطاق الحروب وارتفاع أصوات البنادق وليس سكوتها، وهو الأمر الذي كان ينبغي أن ينال حظا وافرا من البحث والنقاش ومزيدا من الجهد لأنه لو تم إسكات البنادق فإن نهوض إفريقيا حتمي الحدوث، وما زال أمر إسكات البنادق يقف متحديا القادة الأفارقة، بدليل تمديده إلى 2030، ويذهب المحللون بعيدا بأن مجرد التمديد لا يعني حلا، فالاتحاد الإفريقي بحاجة إلى تفعيل لآلياته المعنية، وابتكار آليات جديدة تساعد في الوصول إلى إسكات البنادق فعلا لا قولا.
أزمة السودان وعقدة الإيغاد
يتصدر السودان المرتبة الأولى في تصنيف أكثر الدول مأزومية على مستوى العالم، حيث صنفت المنظمات الإنسانية 10 دول تعاني من صراعات مسلحة وخلافات سياسية، ويُتوقع أن تزداد أزماتها في 2024، وتفيد إحصاءات المنظمات العاملة في المجال الإنساني، أن 8 ملايين شخص نزحوا من منازلهم إلى المناطق الآمنة داخل السودان، وأن حوالي مليونين شخص لجأوا إلى خارج السودان حيث يتركز الأغلبية في مصر وتشاد وبأعداد أقل إلى جنوب السودان وإفريقيا الوسطى وإرتريا كما ان ما يقدر بنصف السكان البالغ عددهم 45 بحاجة إلى توفير الغذاء. ومنذ نشوء المنابر وبداية الوساطات ظل الاتحاد الإفريقي يتعاطى مع الأزمة عبر “إيغاد” التي شكك السودان في حياديتها في البداية لعلاقات بعض بلدان المنظومة مع الدعم السريع، وتصريحات الرئيس الكيني ورئيس الوزراء الإثيوبي بالتدخل العسكري وإرسال قوات للتدخل ما دفع السودان بالتهديد بالانسحاب من المحفل الإقليمي، وهو ما حدث لاحقا بإعلان السودان بتجميد عضويته واصبح غير معني باي وساطة تتبناها إيغاد، وفي القمة 37 لم يحالف الاتحاد الإفريقي التوفيق في مقاربة تساعد على إطفاء الحرائق التي تشتعل في مساحة واسعة من السودان، ولم يبارح حث الأطراف على التعقل والعودة للحوار والحل السلمي وهو أمر مطلوب لكن لا بد من توافر وساطة جادة ومحايدة ونزيهة.
إصلاح مجلس الأمن الدولي
تناول القادة الأفارقة قضية إصلاح مجلس الأمن باعتبار أن إفريقيا غير ممثلة في المقاعد الدائمة والتي تملك حق النقض، وفي مسعى لرفع الظلم عن إفريقيا، تعمل لجنة مكلفة برئاسة الرئيس جوليوس ما دابيو رئيس سيراليون، بصياغة المطالب التي اتفق عليها القادة الأفارقة والتي تتمثل في:
• المطالبة بمقعدين دائمين لإفريقيا بما في ذلك حق النقض.
• المطالبة بخمس مقاعد غير دائمة لأن كل القارة نصيبها في الوقت الراهن مقعدين غير دائمين
على أن يترك الاختيار للاتحاد الإفريقي لاختيار ممثليه، وأوصت القمة بمواصلة العمل عبر تعبئة المزيد من الدعم للموقف الإفريقي على النحو المنصوص عليه في توافق “إيزولويني” وإعلان “سيرت” ومتابعة هذه المطالب ومناقشتها مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي من أجل تجاوز الظلم التاريخي الذي عانته إفريقيا. بالنظر إلى التحولات الدولية التي يشهدها العالم، مع بروز أقطاب دولية ذات وزن تطالب وتساند الحق الإفريقي في التمثيل في مجلس الأمن الدولي، وتجاوز معادلات الحرب العالمية الثانية، فإن مزيد من الضغوط وتشكيل تحالفات وزانة مع أطراف أخرى حري بتحقيق العدالة لإفريقيا فيما يخص مجلس الأمن الدولي، وتملك إفريقيا ما تساوم به من موارد متعددة وهائلة إذا عرفت كيف تستثمر فيها.
موقف لا يحتمل التأويل من العدوان على غزة
ابدت الدول الإفريقية وفي مقدمتها الاتحاد الإفريقي إزاء عملية طوفان الأقصى مواقف واضحة ما عدا ثلاث دول أدانت المقاومة تراجعت إحداها تحت الضغوط الداخلية، بينما ذهب دولة مثل جنوب إفريقيا إلى سحب اطقمها الدبلوماسية احتجاجا على الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين العزل في غزة، قبل أن يتطور إلى مقاضاتها في محكمة العدل الدولية.
منع الاتحاد الإفريقي وفدا من الخارجية الإسرائيلية الدخول إلى مقر الاتحاد قبيل القمة بأيام، وقد جاء الوفد تحت حجة شرح وجهة النظر الإسرائيلية وتفسيرها لما يجري في غزة، وكان هذا العنوان مدخلا مهما لفهم السياق الذي سيتعامل به القادة الأفارقة مع الرغبة الإسرائيلية في استئناف طلبها السابق لعضوية الاتحاد، وفي الموقف مما يجري في غزة من وحشية وبربرية كان الاتحاد الإفريقي في أقوى مواقفه منتصرا للقضية الفلسطينية ومنددا بالسياسات الإسرائيلية:
• إدانة إسرائيل القوة العسكرية المحتلة لحربها الوحشية على قطاع غزة واستخدامها القوة المفرطة، ضد 2,2 مليون مدني.
• يندد بالسياسات الإسرائيلية في العقاب الجماعي ضد المدنيين ومحاولات تهجير سكان غزة بالقوة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية
• شجب البلدان الداعمة للاحتلال الإسرائيلي الأمر الذي أطلق العنان لإسرائيل القيام بعملياتها العسكرية التي استهدفت المواطنين الفلسطينيين
• أكد على دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه،
• دعوة جميع الدول الإفريقية لدعم حملة الإغاثة العاجلة لقطاع غزة لإيقاف الكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب
• أشاد بجمهورية جنوب إفريقيا لاتخاذها الخطوة الجريئة لرفع دعوى شكوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بانتهاكات إسرائيل الصارخة
قضايا مستعصية
1. الانقلابات العسكرية:
وهو ما اصطلح عليه في الاتحاد الإفريقي بالتغييرات غير الدستورية وتشمل الانقلابات وغيرها من أساليب الاحتيال على القوانين والتشريعات، وهي أبرز المعضلات التي يقف الاتحاد الإفريقي عاجزا أمامها سواء كان في طرائق منع حدوثه أو العلاج الناجع بعد حدوثه، بحيث لا يتكرر حدوثه في بلد آخر، وتحت نفس الذرائع، وبالنظر إلى الإجراءات التي يتخذها الاتحاد الإفريقي تجاه التغييرات غير الدستورية فهي في الواقع تشجع على مزيد من العقوبات بدلا من الردع، ففي القمة 37 غابت ست دول إفريقية بسبب تجميدها، كعقاب لها على حدوث الانقلابات، وهنا تبرز حجم المعضلة وعمق الأزمة، فالاتحاد الافريقي أمام حالة الانقلابات بحاجة ماسة إلى مراجعات حقيقية وجادة والبحث عن الوسائل الناجعة لإيقاف حالة الارتداد التي تعانيها القارة بشكل عام، حتى لا تنفض الدول الإفريقية عن الاتحاد كمؤسسة جامعة معنية بحل المشكلات الإفريقية، بعيدا عن تأثيرات مخلفات الاستعمار ولوبيات المصالح، ولا زال تناول القادة الأفارقة لشأن الإصلاح في هذا الجانب بعيدا عن المطلوب الذي يجنب القارة مزيدا من الانقلابات.
2. فشل الاتحاد في حل النزاعات الإفريقية
لا يختلف اثنان على أن إفريقيا ورثت من الحقبة الاستعمارية عددا من النزاعات الداخلية في الدول الإفريقية أو تلك التي يمكن وصفها بالنزاعات بين البلدان الإفريقية، ولكن بعد فشل التجارب السياسية الإفريقية في التداول السلمي للسلطة فضلا عن فشلها في العدالة الاجتماعية، وما يعرف لدى النخب السياسية بتقاسم الثروة، بزرت نزاعات جديدة، وتوالدت، وتعاني إفريقيا في الوقت الراهن ما يزيد على عشرين نزاعا، وهو ما يعني أن ما يقرب من نصف دول القارة تعاني حروبا داخلية، قد تكون لها إفرازات خارج حدودها لطبيعة الامتدادات الاجتماعية وتأثيرات البيئة الاقليمية وتعقيداتها الأمنية، وعلى الرغم من أن الاتحاد الإفريقي قد أنشأ مجلسا للسلم والأمن يضلع بمهام الحفاظ على السلم والأمن في إفريقيا، إلا أن أغلب النزاعات في إفريقيا لم يتمكن الاتحاد بآلياته المختلفة من إسكات الحروب وأصوات بنادقها التي تعوي وتحصد الأفارقة وتخلق مزيدا من المشكلات، بل وأن التدخلات وجهود الحلول من خارج القارة هي الأكثر حضورا في النزاعات الإفريقية، وما يزال الاتحاد الإفريقي بعيداً عن الوصول إلى مقاربات من شأنها خلق الاستقرار الذي بلا شك سيسهم في توفير المليارات التي تصرف على السلاح والتسلح للتنمية والإعمار وبناء الانسان الإفريقي الذي يعيش فقرا وبؤسا مقيمين.
العشرية الثانية تحت شعار التعليم الأفضل لإفريقيا
جاء شعار القمة 37 للاتحاد الإفريقي تحت شعار” تعليم أفريقي مناسب للقرن الحادي والعشرين: بناء أنظمة تعليمية مرنة لزيادة الوصول إلى التعلم الشامل مدى الحياة والجودة والملاءمة في أفريقيا ” وما شك فيه أنه شعار ملهم يكتسب أهميته من الضرورات الملحة للتطورات المتلاحقة في التعليم ووسائله في عصر التكنولوجيا، ولكن هناك اسئلة شاخصة تسخر من القادة الأفارقة طرح مثل هذه الشعارات بينما تعاني القارة اختلالات امنية تجعل من التعليم ترف يصعب الوصول إليه فهناك آلاف الأطفال الأفارقة تجندهم الجماعات أو تشردهم الحروب من مكان إلى آخر لا يجدون سبيلا إلى التعليم بسبب عدم الاستقرار فلذا فإن القادة الأفارقة معنيون بالبحث عن المفتاح الرئيس الذي بالحصول عليه تنفك جميع العقد وهو البحث الجاد للحلول عن الصراعات التي تعانيها إفريقيا وتطبيق صارم لشعار” الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية”
قمة عادية في ذروة الأزمات
تابع كثير من المراقبين للشأن الإفريقي فعاليات القمة الأخيرة والتي توقعوا ان تكون على مستوى التحديات التي تواجه القارة، خاصة وأن القارة تشهد اختلالات كبيرة في الأمن والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، كام أن تحذيرات كثيرة برزت في السنوات الأخيرة تشير إلى أهمية إصلاح آليات الاتحاد الإفريقي المعنية بحل المشكلات ومراجعة بعض الأسس القديمة من أجل المواكبة والتطوير، وهو أمر لم ينل حظا كافيا من التداول والمناقشات، ما عدا الجزء الخاص بالمنطقة الاقتصادية القارية التي ربما تكون أحد أهم بؤر النجاح الإفريقي إذا ما تمت الخطوات التي وضعتها الآليات المختصة لذلك.
خاتمة
يدرك القادة الأفارقة قبل غيرهم ان قارتهم في منعطف تاريخي خطير، يستدعي توظيف الطاقات الإفريقية في كل مكان، من أجل إعادة صياغة الأجندة الإفريقية وأولوياتها بشكل يتسق مع ما ينبغي تحقيقه لمستقبل القارة، وأجيالها وإدراك أن إفريقيا ذاخرة بموارد متعددة ونادرة وبكر وكتلة سكانية شابة، وأن الفرصة التاريخية الراهنة جديرة بوضعها في المقدمة إذا أحسنت نخبها وساستها وقيادتها استغلالها بشكل صحيح، وأن إفريقيا حقا في مرحلة انتقال. فالقمم الإفريقية يجب أن تشكل مؤسسات تفكير استراتيجي تبحث في الحلول الجامعة وهو أمر ممكن إذا توافرت عليه إرادة الأفارقة وهو أكثر الناس إدراكا لمشكلاتهم القديمة منها والمتجددة.