أخبار

رئاسيات السنغال 2024: انتخابات مرتقبة، ومناخ سياسي حارٌّ رطب

رئاسيات السنغال 2024

تمهيد

ينتظر الشعب السنغالي بجميع أطيافه ومكوناته منذ مطلع هذا العام الإعلانَ عن تاريخ اليوم الذي يسمح لهم بالتوجه إلى صناديق الاقتراع لقول كلمتهم واختيار رئيس جديد يقود البلاد إلى بر الاستقرار السياسي، وتحقيق تطلعات الشباب.

إذْ تمثل الانتخابات الرئاسية في السنغال عام 2024 منعطفا محوريا في رحلة البلاد نحو حكم أكثر مساءلة واستجابة وديمقراطية. حيث يتنحى الرئيس ماكي سال بعد فترة ولايته الثانية المحددة دستوريًا، وستؤدي الانتخابات إلى ظهور قيادة وطنية جديدة لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن.

وفي هذا الصدد، حققت السنغال تقدماً ملحوظاً منذ الفترة الانتقالية الأولى بين الأحزاب في عام 2000، عندما خسر الرئيس الحاكم وقتها، عبده ضيوف، محاولة إعادة انتخابه وتنحى مرغما. وفي عام 2012، كانت هناك حالة أخرى لمرشح حزب معارض (ماكي سال) فاز بالانتخابات وتولى منصبه – وهو أحد المؤشرات المميزة لتوطيد الديمقراطية في السنغال.

وفي نهاية المطاف، أعلنت اللجنة المنظمة للانتخابات التاريخ الذي يرتقبه الشعب السنغالي والمراقبين الدوليين، وهو 25 فبراير 2024، إذْ فُتح باب التسجيل للترشح في أكتوبر 2023 وانتهت في 26 ديسمبر 2023. وبدأت الحملات التمهيدية في 5 يناير 2024 بينما من المقرر أن تبدأ فترة الحملة في 4 فبراير القادم. ومنذ نهاية العام المنصرم، كان الناس يتطلعون إلى معرفة موعد تقديم النسخ الإلكترونية لنماذج الاقتراع الذي سيصاحب العملية الانتخابية في هذه المرة.

وفي تاريخ 21 يناير 2024، أصدرت المديرية العامة للانتخابات بيانًا صحفيًا هامًا عقب نشر القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية في 25 فبراير من قبل المجلس الدستوري. أوضح البيان الإجراءات اللازم اتباعها في إطار الاستعداد لهذا الحدث الرئيسي.

دُعِي وكلاء المترشحين الـ20 المدرجين في القائمة لتقديم النسخ الإلكترونية من نماذج الاقتراع إلى مقر المديرية العامة للانتخابات يوم الأحد، الموافق 21 يناير 2024، في العنوان الواقع في شارع الحاج مالك سي، زاوية شارع 6، مدينة الشرطة السابقة، من الساعة 8 صباحًا حتى الساعة 6 مساءً. تأتي هذه الخطوة استنادًا إلى القرار رقم 036714 الصادر في 12 ديسمبر 2023، الذي ينظم التفاصيل الفنية لطباعة بطاقات الاقتراع.

وفي سياق متصل، سيُعقد اجتماع إعلامي مع الوكلاء في يوم الاثنين، الموافق 22 يناير 2024، الساعة 10 صباحًا بقاعة الاجتماعات في مكتب المديرية العامة للانتخابات. سيشمل الاجتماع شرحًا حول كيفية طباعة أوراق الاقتراع والوثائق الدعائية الداعمة من الدولة، بالإضافة إلى مناقشة دور المطابع المكلفة بطباعة وثائق كل مرشح وتسوية النزاعات المحتملة المرتبطة بالألوان المحددة لكل مرشح.

وبناء عليه، يهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على جوانب متعددة لرئاسيات 2024 في السنغال، مع التركيز على الجوانب الرئيسة التي قد تشكل محور النقاش والتحليل في الفترة القادمة.

ولتحقيق هذا الهدف، سيستعرض الكاتب أبرز ملامح النظام الانتخابي السنغالي، ويستكشف كيف يتميز عن غيره في القارة الإفريقية، بالإضافة إلى تقديم نظرة موجزة عن المشهد الانتخابي والسياسي في البلاد، مع التركيز على القائمة النهائية للمرشحين وتسليط الضوء على الشخصيات التي تم استبعادها من السباق. وسيلقي المقال أيضًا نظرة عامة على المناخ السياسي المتوقع خلال فترة الحملة الانتخابية وبعدها، والتأثيرات المحتملة لها على المشهد الوطني.

وفي نهاية المطاف، سيُسَلّط الضوءُ على الضبابية المحيطة بالمشهد السياسي وكيف قد تحجب توقعات النتائج، مما يضعنا في مشهد انتخابي يتسم بالتحديات والتشويق والتشويش.

أولا: أبرز سمات النظام الانتخابي في السنغال

كان النظام الانتخابي في السنغال يتضمن انتخابات رئاسية بنظام الأغلبية وجولة الإعادة؛ حيث يُنتخب الرئيس من خلال الاقتراع المباشر الشامل لمدة سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. لكن تعهد الرئيس المنتهية ولايته، ماكي سال، بتقليص فترة ولايته إلى خمس سنوات، على الرغم من انتخابه لأول مرة لمدة سبع سنوات في عام 2012، وهذا يحسب له مقارنة بنُظرائه في القارة الإفريقية.

تأسس البرلمان السنغالي ذو الغرفة الواحدة، والذي يتكون من الجمعية الوطنية التي تضم 150 عضوًا، في عام 2012 بعد إلغاء مجلس الشيوخ. وتجرى الانتخابات التشريعية كل خمس سنوات، وتتميز بنظام مختلط مع الأغلبية (التعددية)، والفائز يأخذ كل شيء والتمثيل النسبي. ويجب أن لا يقل عمر المرشحين عن 25 عاماً، ويُسمح بالقوائم المستقلة، وتُخصَّص مقاعد الجمعية الوطنية على أساس الديموغرافيا ونتائج نظام الأغلبية.[1]

ويطبق نظام التمثيل النسبي أيضاً على الانتخابات المحلية؛ حيث تُمَثّل القوائم بما يتناسب مع وزنها الانتخابي. ولقد شهد عدد الأعضاء في الجمعية الوطنية تغييرات متنوعة، ومنذ عام 1993، تُجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية بشكل منفصل. ويقترح البعض إصلاح النظام الانتخابي، وإجراء جولة إعادة في الجزء الأكبر، وإلغاء نظام القائمة النسبية والوطنية.

وينبغي أن يشار هنا إلى أن التغييرات الأخيرة في القانون الانتخابي للانتخابات المحلية تتماشى مع الإصلاحات الإدارية، وإنشاء دوائر انتخابية في المقاطعات والبلديات. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة، وافق البرلمان على القانون الانتخابي الجديد، مع الحفاظ على النظام المختلط بنسبة 45% للأغلبية و55% للجانب النسبي. وتشمل التعديلات اشتراط وجود سجل جنائي للمرشحين المنتخبين وتقليص المواعيد النهائية لتقديم الطلبات إلى 60 يومًا[2].

وحسب النظام الأساسي للانتخابات السنغالية، يُنتخب رئيس الجمهورية باستخدام نظام الجولتين؛ ويجب أن يحصل المرشح على أكثر من 50% من الأصوات ليستحق الفوز في الجولة الأولى. وإذا لم يتجاوز أي مرشح العتبة، تُجرى جولة ثانية بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى نسبة.[3]

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قبل انتخابات 2019، عُدِّل القانون الانتخابي لإدخال متطلبات على المرشحين للحصول على توقيعات ما لا يقل عن 0.8% من الناخبين المسجلين، وما لا يقل عن 2000 توقيع من سبعة من الأقاليم الأربعة عشر. ولم يُسمح للناخبين إلا بالتوقيع على مرشح واحد.[4]

يوضح الجدول رقم (1) نتائج الانتخابات السابقة، 2019م؛ حيث بلغ إجمالي عدد الناخبين المسجلين 6,683,043؛ حيث شارك في التصويت 4,428,680 ناخبًا، مما يمثل نسبة مشاركة بلغت 66.27%. وبلغ إجمالي الأصوات المدلى بها 4,386,139، بينما بلغ عدد الأصوات الباطلة 42,541.

وحَدّد المجلس الدستوري السنغالي[5] الأغلبية المطلقة بوصول عدد الأصوات المؤيدة إلى 2,193,070، والتي تمثل 50% + 1 من إجمالي الأصوات المدلى بها. يُشير هذا إلى أهمية الحصول على الأغلبية المطلقة كمعيار حاسم لتحديد الفائز في الانتخابات السنغالية؛ إذْ يُعتبر أيّ مرشح يحقق هذا العدد من الأصوات الفائز الفعلي في السباق الانتخابي.

جدول : 1 نتائج انتخابات 2019م

النسبة المئوية الأصوات الحزب المرشح
20.51 899,556 الرومي إدريسا سيك
4.07 178,613 حزب الوحدة والتحالف عيسى صال
58.26 2,555,426 التحالف من أجل الجمهورية ماكي سال
1.48 65,021 مستقل ماديكي نيانج
15.67 687,523 الوطنيون السنغاليون من أجل العمل والأخلاق والأخوة (باستيف) عثمان سونكو
100 4,386,139 المجموع
99.04 4,386,139 الأصوات الصحيحة
0.96 42,541 الأصوات غير الصحيحة/فارغة
100.00 4,428,680 إجمالي الأصوات
66.27 6,683,043 الناخبين المسجلين/نسبة المشاركة

المصدر: المجلس الدستوري السنغالي، (2019)

1. بم يختلف النظام الانتخابي السنغالي عن غيره في إفريقيا؟

يتميز النظام السنغالي السياسي عن كثير من الدول الإفريقية باتسامه بالتداول الديمقراطي للسلطة، وأساليبه الانتخابية الفريدة. حيث تَستخدم الانتخابات الرئاسية نظام إعادة الأغلبية من جولتين على غرار فرنسا. ولكن تحوّل النظام التشريعي من نظام التمثيل النسبي الخالص إلى نظام مختلط ومتوازي في عام 1983 بهدف الحفاظ على هيمنة الحزب الحاكم مع السماح ببعض تمثيل المعارضة. وتُخصص مقاعد التمثيل النسبي (حوالي النصف) على أساس قوائم الأحزاب الوطنية، باستخدام طريقة الباقي الأكبر، وتُحدد المقاعد المتبقية من خلال تصويت الكتلة الحزبية (PBV) في الدوائر متعددة الأعضاء.[6]

وفي عام 2001، عدّل الحزب الحاكم النظام؛ حيث خفّض حجم الجمعية الوطنية من 140 إلى 120 وتحول إلى 65 مقعدًا، و55 مقعدًا على القائمة الوطنية للتمثيل النسبي. وأدى ذلك إلى تفاوت كبير، حيث فاز الائتلاف الحاكم بنسبة 74.2% من المقاعد على الرغم من حصوله على 49.6% من الأصوات. وأثار التلاعب بالنظام الانتخابي مخاوف بشأن شرعية المجلس التشريعي.

ويرى البعض أن هدف السنغال من تبني النظام الموازي يتلخص في تفتيت المعارضة، وتثبيط التنسيق، وتوفير الأفضلية للحزب أو التجمع الأكبر.[7] ويجمع النظام، المستخدم على المستويات المحلية أيضًا، بين تصويت كتلة الحزب وقائمة العلاقات العامة. إذْ تحولت دعوة المعارضة الأولية للتغيير إلى الدفاع عن الوضع الراهن عندما وصلت إلى السلطة. فالجانب السلبي المحتمل هو أن العودة إلى المعارضة يمكن أن تؤدي إلى مكاسب أكثر من متناسبة من المقاعد، مما يقوض الميزة المقصودة للحزب الحاكم.

ثانيا: لمحة موجزة عن المشهد الانتخابي والسياسي السنغالي

لقد أعلنت عدة أحزاب عزمها الترشح لانتخابات عام 2024 عازمة على إسقاط التحالف الحاكم بقيادة ماكي سال؛ لكن يجب عليها أولا أن تحصل على الدعم الكافي من عامة الناس لتمرير مرحلة الرعاية. ووفقا لهذا النهج، يجب أن يحصل أي مرشح رئاسي على ما بين 0.8% و1% من توقيعات الناخبين. كما يجب جمع هذه التوقيعات بحد أدنى 2000 جهة راعية في كل منطقة من مناطق السنغال السبعة عشر على الأقل.[8] ويمكن أن يكون للمرشحين أيضًا خيار الحصول على رعاية من 13 عضوًا على الأقل في الجمعية الوطنية، أو 120 عمدة ورؤساء مجالس إقليمية. فضلا عن إيداع وديعة قدرها 30 مليون فرنك سيفا في صندوق الودائع والأمانات من طرف مل مرشح.[9]

وتجدر الإشارة إلى أنه في 17 فبراير 2023، أيْ قبل يوم واحد من الكشف عن موعد الانتخابات المقبلة، أُخِذ مرشح المعارضة السنغالية عثمان سونكو بالقوة من سيارته وسط مسيراتٍ خارج محكمة داكار حيث كانت تجري محاكمته، وكان سونكو أمام المحكمة كجزء من دعوى مدنية ضده رفعها وزير السياحة بتهمة التشهير والإهانات العلنية.[10]

وفي 3 يوليو، بعد سلسلة من الاحتجاجات بشأن إدانة سونكو بـ “السلوك غير الأخلاقي” في قضية منفصلة، صرح الرئيس الحالي ماكي سال أنه لن يسعى لإعادة انتخابه لولاية ثالثة، وبهذا حسم الجدل الدائر في الأوساط السياسية منذ نهاية العام المنصرم.

وعلى النقيض من ذلك، في 14 يوليو، أُعْلن عن سونكو كمرشح رئاسي عن حزب باستيف (PASTEF)؛ ولكن لم تكن أهلية سونكو كمرشح واضحة بسبب صدور حكم عليه بالسجن لمدة عامين في يونيو 2023، مما جعله غير مؤهل للترشح وفقًا لبعض الخبراء القانونيين. وعلى الرغم من الإشارة إلى أنه لم يستنفد استئنافه أمام المحكمة العليا، والتي يمكن أن تلغي الحكم الصادر بحقه؛ أمرت الحكومة السنغالية بحل حزبه  باستيف في 31 يوليو،. وكرد فعل أضرب سونكو عن الطعام لعدة أشهر احتجاجًا على الوضع السياسي.[11]

وفي سبتمبر الماضي، رشح الرئيس ماكي سال رئيس الوزراء أمادو با مرشحاً عن التحالف من أجل الجمهورية الحاكم. أما حزب باستيف، فعين أمينه العام باسيرو ديوماي فاي كمرشح للانتخابات في 19 نوفمبر 2023. وكان فاي مسجونًا منذ أبريل 2023 هو الآخر، عندما قُبض عليه لانتقاده سير محاكمة سونكو للتشهير على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي ديسمبر 2023 ، أمرت المحكمة بإعادة سونكو إلى قائمة الناخبين وسمحت له بتقديم ترشيحه.[12]

ومن ناحية أخرى، قدم المرشح ثيرنو الحسن سال، شكوى ضد زميله المرشح كريم واد، الوزير السابق ونجل الرئيس السابق عبد الله واد،، كونه يحمل جنسية مزدوجة، فرنسية وسنغالية، وهذا مخالف لدستور السنغال. ولكن كريم واد تخلى بعد ذلك عن جنسيته الفرنسية، وذلك في يناير 2024.[13]

1. القائمة النهائية لمرشحي رئاسيات 2024

بشكل رسمي، سُجّل ما مجموعه 93 شخصًا للترشح للرئاسة أمام المجلس الدستوري السنغالي،[14] لاحقا ضُيّقت قائمة المرشحين حيث قامت الهيئة بفحص ملفات المرشحين المحتملين حتى 10 يناير 2024 قبل الانتقال إلى فحص المستندات الأخرى ذات الصلة.

وعلى إثر هذا الإجراء، رُفِضت ملفات العديد من المرشحين بسبب نقص الوثائق، وعدم كفاية الرعاية أو الرعاة الذين يدعمون أكثر من مرشح واحدٍ، بما في ذلك رئيسي الوزراء السابقين أميناتا توري والشيخ حجيبو سوماري، بالإضافة إلى صهر ماكي سال أداما فاي. وهذا ما دفع توري و27 مرشحًا آخرين إلى انتقاد نظام مراقبة الكفالة بشكل جماعي.[15]

وفي 20 يناير 2024، نشر المجلس الدستوري السنغالي القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، وشكلت 20 مرشحًا، من بينهم با، ورئيسي الوزراء السابقين إدريسا سيك، ومحمد بون عبد الله ديون، عمدة داكار السابق خليفة سال، وباسيرو ديوماي فاي، الذي لا يزال في السجن في انتظار المحاكمة.[16] كما سُمِح لامرأتين بالترشح، وهما طبيبة أمراض النساء “روز ورديني” ورائدة الأعمال “أنتا باباكار نجوم”.

ولم تتحقق ترشيحات عثمان سونكو وكريم واد؛ حيث أشار المجلس إلى الحكم بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ على سونكو بتهمة التشهير، والذي أيدته المحكمة العليا السنغالية في 4 يناير، كما أنّ تخلي واد عن جنسيته الفرنسية “ليس بأثر رجعي” على الرغم من قسم اليمين، إلا أن إعلان التنازل لم يكن واضحا.[17]

وفي نهاية المطاف، ضمت قائمة المرشحين النهائيين لرئاسة الجمهورية كل الذين اجتازوا مرحلة الرعاية 20 مرشّحا، وسيشاركون في الاقتراع المقرر في 25 فبراير المقبل، وهم: حبيب سي، خليفة أبا بكر سال، أنتا بابكر انغوم، أمادو با، روز ورديني، إدريس سيك، علي مامادو جا، سيرين أ مبوب، بابا جبريل فال، مامادو لامين جالو، محمد بون عبد الله جون، الحاج مالك غاكو، آلي انغوي انجاي، الحاج مامادو جاو، باسيرو جوماي جاخار فاي، تشيرنو الحسن سال، بوبكر كامارا، شيخ تجان جيي، ديتشي فال ديثي، وداودا انجاي.

2. أبرز المستبعدين عن السباق

قائمة المستبعدين طويلة، وأكثرهم لم يحصلوا على النصاب الكافي خاصة في مسألة الرعاية. ولكن ملفي عثمان سونكو وكريم واد يمثلان أبرز الملفات المستبعدة التي تحوم حولها الشكوك ويرى مناصريهما أنها أحكام غير عادلة. فيما يلي، توضيح أسباب الرفض وموقف كل منهما:

• استبعاد عثمان سونكو

في 21 يناير 2024، أعلنت جريدة لا سؤلاي أن زعيم حزب باستيف، عثمان سونكو، لن يشارك في الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 فبراير 2024. هذا الإعلان جاء بعد قرار من المجلس الدستوري بإلغاء ترشحه، مستنٍداً إلى إدانته في قضية قامتْ برفعها ضده عمدة بلدية زيغينشور بتهمة التشهير والإهانة العلنية أمام وزير السياحة مام مباي كان نيانغ.

ووفقًا للقانون الانتخابي والفصل 125 منه، أجرى المجلس الدستوري تحقيقا شاملا في صحة الترشيحات المقدمة، وبناءً على حكم المحكمة العليا، رُفِض استئناف عثمان سونكو ضد الحكم الصادر في مايو 2023. ونتيجة لهذا القرار، أُصْدِر الحكم النهائي بسجن عثمان سونكو لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ، مما يجعله غير مؤهل للترشح لخمس سنوات وفقًا للمادة L.30 من قانون الانتخابات السنغالي.

وفي سياق آخر، أشار المجلس إلى أنّ عدم وجود شهادة دفع الوديعة لم يكن ناتجا عن إرادة عثمان سونكو، بل كان نتيجة لفشل صندوق الودائع والائتمانات (CDC) في تقديم الشهادة المطلوبة، ورفض الجهات الإدارية المختصة إصدارها. ورغم أنّ مراقبة الكفالة وصلاحيتها شرط ضروري، إلا أن المجلس أكد أن اللوم لا يتوجه إلى عثمان سونكو في هذا السياق.

وقدم عثمان سونكو طعنًا إلى المجلس الدستوري بعد استبعاده من السباق الرئاسي في مرحلة الرعاية، وهو ما يظهر تعقيدات قانونية تحيط بالحالة؛ حيث حُكم على عمدة مدينة زيغينشور، عثمان سونكو، بالسجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ في قضية التشهير مع وزير السياحة مام مباي نيانغ، وكان عليه دفع تعويض بقيمة 200 مليون فرنك سيفا.

• رفض ترشح كريم واد

أما كريم ميسا واد (Karim Meïssa Wade) الذي يبلغ من العمر 55 عاما، النجل الطموح للرئيس السابق عبد الله واد، هو الآخر يواجه تحديات كبيرة في مسعاه لتحقيق حلمه الرئاسي بحجة أن “ترشيحه غير مقبول” بسبب الجنسيتين الفرنسية والسنغالية؛ لأن واد ولد في فرنسا لأب سنغالي وأم فرنسية، رغم تقديمه إقرارا تحت القسم بتاريخ 21 ديسمبر ذكر فيه أنه سنغالي أصيل.

وبرر المجلس بأن وثيقة الإثبات التي قدمها واد كانت مرسوما بتاريخ 16 يناير نُشر في اليوم التالي في الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية، ويعتبر المجلس أن آثار تخلي واد عن جنسيته الفرنسية “ليست بأثر رجعي”، كما سبقت الإشارة إليه، وأن أقواله تحت القسم كانت “غير دقيقة” وقت تقديم الطلب.[18]

فبعد رفض المجلس الدستوري لترشحه في انتخابات 2024، تزايدت العقبات أمام واد بسبب فقدانه للجنسية الفرنسية والانتقادات بشأن إدارته لوكالة منظمة التعاون الإسلامي (ANOCI). على الرغم من الدعم الشديد من قبل والده، للتغلب على التحديات القانونية والشكوك المحيطة بإدارته السابقة للمشاريع الوطنية.

كريم واد، المعروف بلقب “السيد 15٪” في أوساط السنغاليين، بات نقطة توتر بين مؤيديه ومعارضيه. على الرغم من نجاحه في تنفيذ بعض المشاريع الكبرى وتوليه مسؤوليات وزارية، إلا أنه يتعرض لانتقادات حادة بسبب مزاعم إهدار الأموال العامة وغياب الشفافية. ويظل تحديه الأكبر هو تحسين صورته العامة وإثبات جدارته للقيادة في ظل التحقيقات القضائية والانتقادات المتزايدة عليه.

من خلال خسارة أسرته في انتخابات محلية وتركيزه على العمل الوزاري، يجب على كريم واد تعزيز تواجده في المشهد السياسي واستعادة دعم الجماهير. بينما يظل تاريخه السياسي متشابكًا بالانتقادات، وهذا يتعين عليه الابتعاد عن الجدل وتقديم رؤية واضحة لمستقبل السنغال.

ثالثا: المناخ السياسي السنغاليّ إبّان رئاسيات 2024

يتسم المناخ السياسي في السنغال بعدم اليقين والنزاعات المتزايدة مع اقتراب البلاد من الانتخابات الرئاسية المقبلة في 20 فبراير 2024م، وهي لحظات محورية في التاريخ الحديث، الانتخابات التشريعية التي أجريت في 31 يوليو 2022، والتي كشفت عن توازن بين أحزاب الأغلبية والمعارضة، وكافح الائتلاف الرئاسي الحاكم من أجل تأمين أغلبية برلمانية، وتمكن من الحفاظ على سيطرته بفارق ضئيل.

حيث كشفت نتائج الانتخابات التشريعية عن مستوى الأزمة السياسية في السنغال؛ إذْ تعرضت شخصيات بارزة، من بينها المرشح الرئاسي الحالي خليفة سال، للمضايقات، بينما سُجن عثمان سونكو، وحُل حزبه باستيف. وشهدت الشوارع مظاهرات عنيفة، ووقعت حوادث نهب للممتلكات العامة واشتباكات مع قوات الأمن التي أدت إلى مقتل أكثر من 20 شخصًا، حسبما وثقت منظمة العفو الدولية. ومما زاد من الاضطرابات أن قرار منع الوصول إلى الإنترنت لعدة أيام أدى إلى زيادة التوترات في مجتمع تؤثر فيه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير على الرأي العام.

وفي خضم هذا الجدل، يتساءل الكثيرون عن مصير هذه الانتخابات وإلى أي مدى يمكن أن تختلف عن الانتخابات التشريعية في31 يوليو 2022، وتخوفوا من أن يجد الشعب السنغالي نفسه أمام ترسيخ لأزمة سياسية لم تستطع الأطراف السياسية تجاوزها؟

ومن بين هؤلاء المتسائلين د. سيدي أحمد ولد الأمير،[19]وأجاب قائلا: “تختلف الأجوبة حول هذا السؤال فهناك من يرى أن المشهد السياسي السنغالي رمم نفسه بنفسه، وأن الشارع عرف هدوءً، وأن المظاهرات الشبابية التي تلت توجيه الاتهام إلى المعارض، عثمان سونكو، لم تتجدد بعد الحكم عليه وسجنه. وأكثر من ذلك فإن السنغال سجلت في عهد الرئيس صال معدل نمو بلغ حوالي 6%، كما تم تشييد بنية تحتية قوية مثل مطار بليز دياني الدولي، وتعبيد الطرق السريعة مدفوعة الأجر، وبناء ملاعب رياضية عصرية”[20]

فمع اقتراب السنغال من الانتخابات المقبلة واستحضار تلك الأحداث، تفرض آثار الاضطرابات التشريعية تحديات كبيرة. ومن الأهمية بمكان بالنسبة لأصحاب المصلحة السياسيين معالجة القضايا الأساسية التي تساهم في المناخ السياسي الحالي. إن تعزيز بيئة تعزز الشفافية والحوار البناء يصبح أمراً ضرورياً لضمان عملية انتخابية عادلة ومستقرة في خضم هذه الظروف الصعبة.

رابعا: ضبابية المشهد تحجب توقعات النتائج

أثارت الانتخابات الرئاسية في السنغال لعام 2024 اهتمامًا وتوقعات كبيرة بين الشعب السنغالي، وخاصة الشباب، وهناك عدة عوامل عدة تجعل هذه الانتخابات جديرة بالمتابعة، أبرزها:

• مشاركة الشباب: زادت مشاركة الشباب في المشهد السياسي، مع تزايد دورهم في تشكيل الخطاب الانتخابي، وكانت مشاركتهم مدفوعة بالرغبة في التغيير وبيئة سياسية أكثر شمولاً.

• الإرث الاقتصادي: خلفت السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس المنتهية ولايته، ماكي سال، وتأثيرها على الشمولية إرثا مختلطا. وقد أدى هذا إلى إثارة النقاشات حول الاتجاه الاقتصادي للبلاد والحاجة إلى سياسات تفيد شريحة أوسع من السكان[21].

• القيم الديمقراطية: تجري الانتخابات على خلفية المخاوف من تراجع القيم الديمقراطية التي اكتسبتها البلاد منذ فجر استقلالها، ويحرص السنغاليون على التمسك بالمبادئ الديمقراطية وضمان إجراء عمليات انتخابية شفافة ونزيهة، وهذا ما يجعل الصراع قوي وذو طعم.

• الأهمية التاريخية: تتمتع السنغال بتاريخ من التحولات الديمقراطية للسلطة، ومن المتوقع أن تستمر انتخابات 2024 في هذا الاتجاه. وهذا ما يميز السنغال عن العديد من الدول الأفريقية الأخرى ويسلط الضوء على التزامها بالحكم الديمقراطي[22].

• الشكوك والنقاشات: هناك شكوك تحيط بالانتخابات، ولا تزال المناقشات مستمرة بشأن نزاهة النظام الانتخابي. ويطالب البعض بإجراء إصلاحات لتعزيز التمثيل والحد من عدم التناسب[23].

باختصار، تتميز الانتخابات الرئاسية السنغالية لعام 2024 بزيادة مشاركة الشباب، والمناقشات حول السياسات الاقتصادية، والالتزام بالقيم الديمقراطية، والأهمية التاريخية، والمناقشات المستمرة حول نزاهة النظام الانتخابي.

ومع صعوبة توقع نتائج هذه الانتخابات، إلا أن العديد من الخبراء والمراقبين يشيرون إلى أن الرئيس المنتهية ولايته، ماكي سال، على الرغم من الانتقادات التي يواجهها جراء سياساته الاقتصادية، يحتفظ بنفوذ سياسي كبير. وإن الميزة التي يتمتع بها في منصبه، إلى جانب السياق التاريخي للتحولات الديمقراطية السابقة للسلطة في السنغال، تجعل ممثل حزبه مرشحاً بارزا.

ومع ذلك، فإن التحديات، بما في ذلك المناقشات حول عدالة النظام الانتخابي وشموله الاقتصادي، تُسْهِم في خلق حالة من عدم اليقين. وقد يشكل مرشحو المعارضة، الذين يلتفون خلف أهداف مشتركة، تحدياً كبيراً، وخاصة إذا تعاملوا بفعالية مع مخاوف الناخبين. ومن الممكن أيضاً أن يلعب الشباب، الذين يؤدون دوراً متزايداً في تشكيل السرد السياسي والانتخابي، دوراً محورياً في تحديد نتيجة الانتخابات.

خامسا: الخاتمة

وفي الختام، على الرغم من أهمية رئاسيات السنغال القادمة في تاريخ 25 فبراير 2024، إلا أنه يجب الاعتراف بعدم القدرة على توقع من سيفوز في هذه الجولة بنسبة معتبرة على الأقل في الوقت الحالي، وذلك لتعقيد المشهد السياسي في ظل غياب أبرز اللاعبين، مكي سال وعثمان سونكو. ولكن في الوقت الذي يتمتع فيه حزب الرئيس ماكي سال بموقف قوي؛ فإن التفاعل المعقد بين العوامل المختلفة يجعل من الضروري أن يراقب الخبراء المشهد السياسي المتطور عن كثب. كما يمكن القول بأن التحالفات السياسية هي التي تكون فاصلة في حسم الصراع، والحزب الحاكم لم يكن ليتراجع عن مرشّحه الأول (مكي سال) إلا بعد تيقنه بقدرته على النزال مقابل هذا العناد الشديد من المعارضة باستراتيجياتها المتعددة.

اترك تعليقاً

إغلاق