أخبار

هل هناك هجمة ضد المساجد في إثيوبيا؟

بقلم: ا. محمد سالم الراشد

اطلعت على مقاطع مرسلة عبر «واتساب» ومنشورة على «يوتيوب» تستنجد فيها فتاة إثيوبية، من قيام أطراف الحكومة الإثيوبية بهدم مساجد في منطقتهم، وتتحدث عن هجمة حكومية على مساجد المسلمين، وأرسل لي بعض الإخوة الكرام استفساراً حول هذا الموضوع، وبعد التثبت من مصادر ثقة في إثيوبيا ومنطقة الحدث إليكم أصل القصة والحدث:

هناك 5 مدن حول أديس أبابا ومحيطة بها، تم دمجها في مدينة واحدة سمّيت «شغر»، هذه المدن التي أصبحت مدينة واحدة اتصلت جغرافياً بالعاصمة أديس أبابا، وكل هذه المدن بما فيها أديس أبابا تقع في إقليم الأرومو، هذه المدينة نظراً لانخفاض إيجاراتها يؤجر فيها الموظفون والناس العاملون في أديس أبابا وكذلك من يريد الهروب من بعض الأقاليم والبادية لأسباب مختلفة تهاجر لها.

جزء كبير من مدينة «شغر» مساكن لم يرخص لها وكان النظام السابق قبل كل انتخابات عامة يسترضي الناس فيها بمنح صكوك بشكل غير قانوني للبيوت التي تقام فيها.

وقد تزايدت البيوت العشوائية والخدمات غير المرخصة ومنها المساجد.

ومع الثورة ضد حكومة تيغراي واستلام أحمد آبي الحكم أتت إدارة جديدة للمدينة وقررت إعادة التنظيم وفق مخطط هيكلي قانوني جديد.

بالطبع بدأت حملة الإزالة لآلاف البيوت العشوائية، وبالطبع أُزيلت معها مساجد غير مرخصة وخلاوي قرآنية وغيرها.

فالمساجد التي بُنيت رديئة البناء وغير مرخصة ولا توفر الخدمات أو الاحتياجات الصحية ومتطلبات السلامة اللازمة.

ونظراً لأن المنطقة تسكن فيها العرقية الأرومية وغالبيتهم مسلمون بالطبع، هناك أقلية جداً مسيحية، ولديها عدد قليل من الكنائس، وبكل أسف أنها مرخصة ومتقنة ومصممة صحياً بسبب الحكومة السابقة التي اضطهدت المسلمين.

فالمبدأ الذي تم لإعادة تنظيم المدينة أنه «أي شيء غير مرخص قد تم إزالته»، مع ملاحظة أن الحكومة غير معنية ببناء دور العبادة أو المساجد للمسلمين أو المسيحيين أو غيرهم، وإنما تعطي فقط قانونية الترخيص للبناء؛ إذ إن كل ديانة مسؤولة عن بناء دور العبادة الخاصة بها.

ونظراً لعدم التنسيق ما بين الإدارة البلدية للمدينة والمجلس الأعلى للمسلمين فإنه تم الهدم بشكل عاجل وسريع.

الخطأ الذي وقعت فيه إدارة المدينة أن المقاولين هدموا المساجد دون ملاحظة طبيعتها؛ حيث هدمت بعض المساجد دون إخراج بعض المصاحف أو الأثاث مما أثار حفيظة المسلمين، وخرجت مظاهرة صغيرة تستنكر هذه الإزالة.

وهناك تخوف عند المسلمين في هذه المنطقة من ألا يضمنوا أن تبنى نفس عدد المساجد الأهلية التي بنيت التي تلبي متطلبات المسلمين؟

لكن هذا ممكن إذا قام المجلس الأعلى للمسلمين بدوره المفروض من أخذ موافقات التراخيص اللازمة من الجهات المعنية، وألا ينشغل بالأمور الشكلية والفرعية.

وقد قام بعض المعارضين للنظام الحاكم ولإدارة المدينة في ظل صراع سياسي بتحويله إلى صراع طائفي ضد المسلمين لاعتبارات انتخابية وسياسية ولتهييج المسلمين ضد حكم آبي أحمد.

وفي الحقيقة، أن حكومة آبي أحمد ليس لديها تحفز ضد المسلمين، أو أنها خططت لحملة ضد المساجد الخاصة بالمسلمين، والمسألة خاصة بإدارة المدينة لإعادة تنظيمها لتحويلها إلى مدينة مرخصة قانونية وإزالة التعديات العشوائية.

فالحدث خطأ إداري فني في التحوط عند هدم المساجد من المقاولين ومن إدارة المدينة مع عدم تنبه المجلس الأعلى للمسلمين بترخيص المساجد وليس هناك أي توجه طائفي من الحكومة ضد المسلمين.

وهناك مشكلات أخرى تتعلق بتسكين الناس، حيث يسري تخوف من أن تستقطع بعض المساحات والمناطق في المخطط الجديد على حساب السكان المسلمين.

فالأروميون يشكلون النسبة الأكبر في المدينة وأغلبهم مسلمون وسيعطون ما يقارب 70%، لكنهم أيضاً يرفضون أن تعطى الأقليات المهاجرة الأخرى من الأقاليم (ومنهم أيضاً مسلمون) نسباً في البناء والخدمات على حسابهم عندما يعاد البناء وفق المخطط الجديد.

والاعتراض أيضاً ليس فقط على موضوع المساجد، وإنما أيضاً على النسب الممنوحة للسكن.

جذور الأزمة

في الحقيقة أن المسلمين طوال العهود الماضية قبل مجيء حكومة آبي أحمد كانوا مضطهدين، ولم يعترف بهم رسمياً، ووضعهم كان بائساً لفترات طويلة والعرقيات والديانات الأخرى، وبالأخص تيغراي «الأرثوذكس» كانت لهم اليد الطولى والقوة والتمكن بعد حكم «الأمهرة».

حتى البروتستانت كانوا مضطهدين في فترات الحكم السابقة، والمسلمون للأسف غير موحدين بالرغم من أنهم يشكلون أكثر من 50% من العرقيات والقوميات في إثيوبيا، ولا توجد لهم قيادة مركزية توحدهم وتقدمهم ككتلة واحدة وتغلب عليهم مركزية القومية على مركزية الدين.

حيث يشكل الصوماليون الإثيوبيون 10 ملايين، والعفر ما يقارب 2.5 مليون، وعرقية الأرومو 50% فهم مسلمون عددهم يقارب 55 مليون نسمة، وكذلك هناك الأقاليم الجنوبية بها نسبة قليلة من المسلمين وهم الأقوياء مالياً، وكذلك إقليم «بني شنغول» المتاخم للسودان، وكان قد اقتطع لإثيوبيا وهم حوال سد النهضة.

خطة «Addis Master Plane»:

كانت عرقية «الأمهرة» الحكام التاريخيين لإثيوبيا، وهم يشكلون الدولة العميقة في إثيوبيا إلى اليوم، ولهم اليد الطولى في الإدارة المدنية.

ولكن مع وصول «منغستو مريام» انتهى حكم «الأمهرة» وتوالى حكم التيغراي على إثيوبيا إلى أن وصل آبي أحمد إلى حكم إثيوبيا بتحالفات سياسية واجتماعية ودعم من قومية الأغلبية «الأرومو» التي يشكل غالبيتها المسلمون.

وقبل مجيء آبي أحمد وضعت خطة «Addis Master Plane»؛ وهي خطة هدفها التمدد المدني للعاصمة إلى المدن ذات الأغلبية الأرومية، وحيث إن هذا التمدد هدفه السيطرة على مدن الأرومو، فالخطة ووجهت باعتراضات قومية الأورومو، وكانت من أحد أسباب سقوط حكم التيغراي.

في أديس أبابا لا يشكّل المسلمون أغلبية بسبب تواجد قوميات وهجرات متعددة للعاصمة؛ مما يفقد الأرومو موقعهم السياسي حال تمدد العاصمة لمدنهم القريبة من أديس أبابا، علماً بأن أديس أبابا هي من ضمن إقليم الأرومو.

ويأتي حدث إعادة تنظيم مدينة «شغر» وهدم المساجد وغيرها في إطار خطة إعادة تنظيم المدينة.

إلا أن أصابع بعض المسؤولين في الإدارة المسؤولة في أديس أبابا عن تنفيذ مخطط التطوير التي يعتقد أنها في صراع مع آبي أحمد عملت بطريقة تثير سكان الأورمو في منطقة «شغر» وتخوفهم من إعادة تنفيذ خطة «Addis Master Plane».

فالحالة الحادثة تأتي ضمن سياق صراع سياسي على النفوذ وليس توجهاً دينياً ضد المسلمين كورقة ضغط ضد حكومة آبي أحمد.

المسلمون في عهد آبي أحمد

عندما استلم الرئيس آبي أحمد زمام الحكم أعطى للمسلمين الكثير من الحقوق التي حرموا منها طوال العهود الماضية.

فقد أعطى للمسلمين حق تشكيل المجلس الإسلامي دون تدخل، فقد كانت حكومة التيغراي السابقة قد عينت مجموعة من الأحباش ممثلين في المجلس الإسلامي، وحالياً مكّن آبي أحمد تيار أهل السُّنة والجماعة، لكن المشكلة تكمن في ضحالة التفكير الإستراتيجي والأولويات عند هذا المجلس الذي انشغل بالأمور الفرعية وبعض أعمال الترخيص للهيئات الخيرية والمناسبات.

في حين آبي أحمد هو أول من اعترف بالمسلمين وأعطاهم تسهيلاً لبناء رئاسة المجلس الأعلى على مساحة تقدر بـ30 هكتاراً وكان وجودهم غير رسمي.

كما فتح في عهده 4 بنوك إسلامية بدءاً عام 2018م، حيث حظرت الحكومات السابقة حق إصدار تأسيس بنوك للمسلمين.

بل حتى لم يستطيعوا فتح نوافذ إسلامية في البنوك الربوية في عهد التيغراي.

كما منح الفرصة لزيادة نشر اللغة العربية والتدريس بها في الجامعات؛ مثل جامعة أديس أبابا، وهناك 5 جامعات تدرس اللغة العربية الذي لم يكن متاحاً في السابق.

كما أتيح فرصة فتح العمل الخيري والتطوعي والتعاوني وفق القانون.

أما بالنسبة للحجاب، فإنه ترك الأمر مباحاً للمدارس وأتيح للطالبات المسلمات ارتداء الحجاب في المدارس وبعض المدارس المسيحية المتشددة رفضت ذلك لكن أصبح المسلمون في حرية في نقل أبنائهم للمدارس التي يريدون.

المسلمون.. وضعف العمل السياسي

المسلمون بشكل عام ككتلة دينية ليس لهم حضور سياسي، وفي فترة زيناوي حرص أن يحصل على أصوات المسلمين لصندوق الاقتراع، وحاول ذلك مع المجلس الإسلامي عبر تعيين عبدالله حبش، أحد شيوخ الأحباش، وذلك عام 2013م، وهي جماعة منحرفة، والتيغراي أتوا بهم ومنحوهم رئاسة المجلس بصرامة قهرية، والمسلمون اعترضوا على هذه التعيينات إلا أن الشباب الذين اعترضوا قد سجنوا.

ثم شارك المسلمون في جهود الحراك السياسي تحت مظلات تحالفات وطنية ومع نجاح آبي أحمد في الوصول لسدة الحكم أصبح لهم فرصة للعمل السياسي والاجتماعي والديني، لكن للأسف أن المسلمين لم يتجمعوا تحت حزب قوى واحد بسبب قوة العرقيات المنتمين لها، وتوزعوا بين الأحزاب القومية والتحالفات السياسية مع أنهم يشكلون الأغلبية في إثيوبيا.

حيث أسس آبي أحمد تحالف الجبهة الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (C.P.R.D.F) مع حزبه (حزب الازدهار) الذي استطاع أن يفتح له فروع في كل المحافظات، وحاولت مجموعة من شباب الأرومو تأسيس حزب خاص بهم.

أما في باقي المحافظات والقوميات المسلمة، فإنه لا توجد أحزاب، وإنما هناك مساهمات لبعض المسلمين في أحزاب مختلفة، ومنها حزب الرئيس (حزب الازدهار)، فالمسلمون تنازعهم النزعة الإقليمية والقومية، والمجلس الإسلامي في إثيوبيا متواضع في أدائه وقدراته؛ بحيث لا يستطيع تشكيل رؤية موحدة للمسلمين، وعلى هذا الأساس فإن كتلة الأكثرية من المسلمين لا تمثل قوة إستراتيجية قوية في إثيوبيا.

وتتوزع ولاءاتها بين القوى السياسية المتنافسة على مرور الأجيال والزمن.

وتأتي هذه الحادثة وحال مسلمي إثيوبيا مشتتون عن أهداف التمكن والتعاون على أساس إستراتيجي للمستقبل.

المصدر: المجتمع

اترك تعليقاً

إغلاق