أخبار
خمس السكان يبيتون جوعى.. لماذا تعجز إفريقيا عن توفير الغذاء؟
يداهم خطر انعدام الأمن الغذائي نحو 800 مليون شخص في إفريقيا، أي ثلثي السكان البالغ عددهم 1.2 مليار؛ في حين ضرب الجوع فعليا أكثر من 270 مليونا، مما يعني أن واحدا من كل 5 أفارقة يأوي إلى فراشه جائعا.
ومع هذه الأرقام، يطرح هذا السؤال نفسه: ما الذي يجعل قارة إفريقيا التي تمتلك أكثر من 60 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، تعجز عن حل معضلة انعدام الأمن الغذائي؟.
وفقا لمختصين، فإن اتساع ظاهرة انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا يعود لعدة أسباب، هي:
فشل السياسات الحكومية
النمو السكاني المتسارع
القيود اللوجستية الناجمة عن جائحة كوفيد-19
الحرب الروسية في أوكرانيا
التغيرات المناخية وما صحبتها من موجات جفاف وفيضانات ضربت أجزاء واسعة في شرق وغرب القارة.
فشل السياسات
رغم سيطرة إفريقيا على أكثر من 60 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم؛ فإن تسارع انعدام الأمن الغذائي سلط الضوء على فشل السياسات الزراعية في معظم بلدان القارة.
وتتجسد أبرز ملامح الفشل الحكومي في:
عدم الاستغلال الأمثل للمقومات الزراعية والطبيعية الضخمة التي تتمتع بها العديد من بلدان القارة.
القصور الواضح في السياسات الزراعية والإنتاجية.
الاعتماد المفرط على الاستيراد لتوفير السلع الغذائية.
وبعد أن كان العالم يعول على السودان – أكبر بلدان القارة من حيث المساحات الزراعية التي تقدر بأكثر من 200 مليون فدان من الأراضي الخصبة – فإن تلك الآمال ما زالت بعيدة، حيث لم تستغل البلاد سوى 25 في المئة من تلك المساحات.
وتشهد العديد من بلدان القارة تدهورت كبيرا في الإنتاج الزراعي بسبب قصور السياسات التمويلية، وعدم الاهتمام بإدخال التقنيات الحديثة، مما جعل إنتاجية الفدان في إفريقيا تقل بأكثر من 40 بالمئة، مقارنة مع إنتاجية الفدان في أوروبا أو الأميركتين.
القيود اللوجستية
فاقمت القيود اللوجستية التي فُرضت خلال العامين الماضيين بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، من أزمة الغذاء في البلدان الإفريقية.
في حين قلصت إجراءات الإغلاق الطويلة التي فرضتها ظروف الجائحة، من النمو والإنتاج المحلي وبالتالي القدرة على استيراد الاحتياجات الغذائية الكافية؛ شكلت حرب أوكرانيا ضربة قوية لمعظم الدول الإفريقية، التي تعتمد على أكثر من 70 في المئة من وارداتها من الحبوب من البلدين المتنازعين.
بلدان إفريقيا مجتمعة تستورد ما قيمته نحو 8 مليارات دولار سنويا من القمح من روسيا وأوكرانيا.
حسب بنك التنمية الإفريقي، فإن 90 في المئة من تجارة إفريقيا مع روسيا (نحو 4 مليارات دولار) تذهب لتغطية واردات القمح، التي تستحوذ أيضا على 50 في المئة من تجارة القارة السمراء مع أوكرانيا (4.5 مليار دولار).
تتوقع الأمم المتحدة أن ترتفع تكاليف الغذاء بنحو 22 في المئة، إذا استمرت القيود اللوجستية المرتبطة بالحرب الروسية في أوكرانيا.
في الجانب الآخر؛ تتأثر واردات البلدان الإفريقية من الغذاء؛ بارتفاع تكاليف الاستيراد والتراجع الكبير في قيم العملات المحلية في إفريقيا :
فقدت عملات نحو 20 بلدا افريقيا ما بين 3 إلى 15 في المئة من قيمتها خلال الأشهر الثلاثة الماضية؛ لأسباب تتعلق بعوامل اقتصادية داخلية وخارجية.
تداعيات كبيرة أوجدتها عاصفة الديون السيادية التي تفجرت في يناير 2023، بعد ارتفاع مجمل ديون القارة إلى أكثر من تريليون دولار، وإعلان 3 دول على الأقل العجز عن السداد والحاجة لإعادة هيكلة ديونها.
الزيادة السكانية
تشكل الزيادة السكانية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الأمن الغذائي في إفريقيا؛ إذ تضع الحكومات الإفريقية أمام تحد آخر، يتمثل في رفع فاتورة الدعم التي تبلغ نحو 260 مليار دولار سنويا.
وتعتبر إفريقيا واحدة من أسرع مناطق العالم من حيث النمو السكاني؛ بمتوسط يبلغ 3 في المئة سنويا. ووصل عدد سكان القارة في نهاية 2022 إلى 1.2 مليار نسمة.
5 دول إفريقية صاحبة أكبر نسبة زيادة عالمية
5 بلدان إفريقية تستحوذ على الحصة الأكبر من الزيادة التي سجلها العدد الكلي لسكان العالم، الذي بلغ 8 مليارات نسمة، بحسب ما أعلنه صندوق الأمم المتحدة للسكان.
نيجيريا وإثيوبيا ومصر وتنزانيا والكونغو الديمقراطية، سجلت إلى جانب 3 دول آسيوية، النسبة الأكبر من الزيادة العالمية.
وتنعكس الزيادة السكانية سلبا على قدرة الحكومات على توفير السلع الغذائية؛ خصوصا في إثيوبيا والصومال وكينيا والنيجر ومالي، التي تشكل مجتمعة موطنا لنحو 80 في المائة من الأشخاص الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي في العالم.
أرقام مخيفة
3 بالمائة سنويا نمو الطلب على الغذاء، حيث ينمو عدد السكان بنفس النسبة.
278 مليون (ما يعادل 20 في المائة من السكان) يعانون من الجوع المزمن.
46 مليون إفريقي انضموا خلال العامين الماضيين إلى الذين يعانون من خطر انعدام الأمن الغذائي في القارة.
40 بالمئة من احتياجات إفريقيا الغذائية تأتي من الخارج، رغم أن 60 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تتركز بالقارة السمراء.
10 بلدان إفريقية تواجه نزاعات داخلية وهشاشة أمنية وسياسية، مما يعني أنها ستواجه خطرا متزايدا لارتفاع أكبر في مستويات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
التغير المناخي
مشكلة أخرى أدت إلى تفاقم مشكلة الأمن الغذائي في إفريقيا، تتمثل في التغير المناخي والظواهر الطبيعية التي صاحبته.
تراجع الإنتاج الزراعي في إفريقيا بنحو 20 بالمئة خلال العامين الماضيين، بسبب التغير المناخي والظواهر الطبيعية الناجمة عنه.
اتسم عاما 2021 و2022 بظواهر طبيعية قاسية، كشفت عن الوجه القبيح الذي يخفيه التغير المناخي في القارة السمراء.
حسب تقرير حديث لمنظمة “أوكسفام”، فإن معظم بلدان شرق إفريقيا تعيش حاليا أوسع موجة جفاف منذ عام 1980.
غطت الموجة أكثر من 90 في المئة من مساحة الصومال، وأجزاء واسعة من إثيوبيا وكينيا والسودان، في شرق إفريقيا، إضافة إلى النيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا في غرب إفريقيا.
في المقابل، تعرضت بلدان مثل نيجيريا وغانا وجنوب إفريقيا، لفيضانات مدمرة خلال عام 2022.
رؤى وحلول
وفيما يتعلق بالحلول التي من الممكن أن تساهم في تقليص حجم هذه الأزمة الغذائية، أعرب مجموعة من المسؤولين والخبراء عن آرائهم:
المبعوث الصومالي الخاص للاستجابة للجفاف، عبد الرحمن عبد الشكور :
“هناك حاجة ملحة للوصول إلى شراكات استثمارية إقليمية ودولية، في مجال مشروعات الأمن الغذائي والزراعة المستدامة والتكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة الخضراء وإدارة المياه”.
“تداعيات كارثية ناجمة عن اتساع رقعة الجفاف وندرة المياه، والتي برزت ملامحها في ارتفاع معدلات النزوح وزيادة أعداد المعرضين لخطر المجاعة، خصوصا في المناطق الريفية”.
مستشار التنمية الحضرية والتخطيط في الحكومة النيجيرية، جيانغ داليوب، يقول:
“انعدام الأمن الغذائي يصبح المشكلة الأكثر إلحاحا أمام الحكومات الإفريقية، خصوصا في ظل الزيادة السكانية الكبيرة التي تشهدها بلدان القارة”.
الخبيرة الزراعية والعضوة السابقة في البرلمان الكيني، روث أونيانج؛ تقول:
“حل معضلة أزمة الأمن الغذائي في إفريقيا، تحتاج إلى سياسات تمويلية فاعلة للقطاع الزراعي واهتمام أكبر بتمكين المرأة الريفية المنتجة”.
“الخطوة الأولى لنمو إفريقيا وتحقيق أمنها الغذائي، تتمثل في تحسين ظروف من يقفون وراء الإنتاج الغذائي”.
من المهم تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمستثمرين الأجانب من جهة، والمجتمعات الزراعية المحلية من جهة أخرى”.
أحمد التجانى أحمد، الذي عمل لسنوات طويلة في مجال التغيرات المناخية في الأمم المتحدة، حذر بدوره من التداعيات الخطيرة للتغير المناخي على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في إفريقيا.
ويقول :
“دول إفريقيا تفتقر إلى سياسات قطاعية وتنموية؛ إذ يندر أن تجد قطاعا زراعيا وبيئيا موحدا لمجابهة التغيير المناخي ومعالجة مشكلة انحسار المياه”.
“غياب التوازن الإداري والبرامجي الإقليمي داخل الدول الإفريقية، يشكل معضلة خطيرة أيضا؛ حيث تهمل الحكومات مؤسسات الزراعةً وحماية البيئة في الأقاليم النائية، وغيرها من المؤسسات التي تتعرض لتحديات التغيير المناخي”.
المصدر : سكاي نيوز عربية