في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2022، وقّع المكون العسكري في السودان مع عدد من قوى المدنية اتفاقاً إطارياً لحل الأزمة السياسية في البلاد، وتضمن الاتفاق عدداً من المحاور الأساسية شملت: المبادئ العامة (15 مبدأ) قضايا ومهام الانتقال (10 قضايا) هياكل السلطة الانتقالية (13 بنداً) كان اللافت من بينها النص على أن تقوم “قوى الثورة الموقعة على الإعلان السياسي بالتشاور لاختيار مستوى سيادي مدني محدود بمهام شرفية يمثل رأساً للدولة ورمزا للسيادة وقائداً للأجهزة النظامية”، كما تضمن الاتفاق عدداً من النصوص حول الأجهزة النظامية في جمهورية السودان (القوات المسلحة، قوات الدعم السريع، الشرطة، جهاز المخابرات العامة) مؤكداً على أن القوات المسلحة مؤسسة نظامية قومية احترافية غير حزبية مؤلفة ومنظمة هيكليا طبقاً للقانون وتضطلع بواجب حماية الوطن ووحدته وسيادته والحفاظ على أمنه وسلامة أراضيه وحدوده.
أما قوات الدعم السريع فهي وفقاً لنص الاتفاق “قوات عسكرية تتبع القوات المسلحة ويحدد القانون أهدافها ومهامها ويكون رأس الدولة قائداً أعلى لقوات الدعم السريع”، و”ضمن خطة الإصلاح الأمني والعسكري والذي يقود إلى جيش مهني قومي واحد يتم دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية المتفق عليها”.
وتمحورت قضايا الاتفاق النهائي حول العدالة والعدالة الانتقالية، وفيها تم النص على شمول (كافة الذين تضرروا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن)، وقضية الإصلاح الأمني والعسكري، واتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال السلام، وتفكيك نظام 30 يونيو (قال النص إنه: اختطف الدولة السودانية ومؤسساتها .. ولا بد من تفكيك بنية نظام 30 يونيو على نحو يلتزم بسيادة حكم القانون واحترام الحقوق الأساسية) والالتزام بحل أزمة شرق السودان.
الاتفاق يؤسس لمرحلة انتقالية مدتها 24 شهراً، تبدأ من تاريخ تعيين رئيس للوزراء وتنتهي بإجراء انتخابات شاملة.
ومع التأكيد على أهمية ردود الفعل المرحبة والمؤيدة للاتفاق، من داخل وخارج السودان، وكذلك بعض ردود الفعل الرافضة أو المُتحفَّظ عليها، كان من اللافت تصريحات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان التي قال فيها: “إن ما جرى ليس اتفاقاً بين المكون العسكري وقوى سياسية بل هو توافُق”، وإنه “لا إقصاء لأحد”، و”إن المجموعات التي ترفض الاتفاق الإطاري قد تكون لديها أجندة خارجية، واتهم بعض القوى السياسية بأنها “تكابر وتطالب بالوجود في مقصورة القيادة”.
وكذلك قوله: “تم رصد مجموعات تنتمي لتنظيمات إسلامية تريد استعادة السلطة عبر استغلال القوات المسلحة”، مؤكداً أنه لن يسمح لأي جهة باستخدام الجيش للاستيلاء على السلطة، ورفض الحديث عن وجود إملاءات خارجية وراء توقيع الاتفاق، قائلاً: هذا “يخالف المنطق والواقع”.
وبين النصوص والتصريحات يمكن الوقوف على عدد من الملاحظات الأساسية:
أولاً: إن هناك تحديات حقيقية تحول دون الالتزام بنصوص هذا الاتفاق، ترتبط بطبيعة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية شديدة الهشاشة التي تعاني منها الدولة السودانية.
ثانياً: إن الحديث عن أنه توافُق وليس اتفاقاً ينفي صفة الإلزامية من جانب المكون العسكري، الذي ضمنت رموزه أن تبقى على رأس السلطة وتتحكم في مؤسساتها وأدواتها خلال مدة الاتفاق.
ثالثاً: إن الاتفاق جاء برعاية إقليمية ودولية، والأطراف المُشارِكة لم تقف حدود دورها عند الرعاية ولكنها مارست ضغوطاً حقيقية على كل الأطراف المشاركة للقبول بالتوقيع، فالقوات المسلحة بقيادة البرهان لها امتداداتها الخارجية، وقوات الانتشار السريع لها امتداداتها الخارجية التي قد تتوافق أو تتعارض في بعض الأحيان مع امتدادات القوات المسلحة، وكذلك قوى الحرية والتغيير لها امتداداتها، وهذه الامتدادات عند جميع الأطراف تراهن على سياسات احتوائية لاكتساب مزيد من الوقت، تستطيع من خلاله إعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وتفاعلاتها الإقليمية والدولية.
رابعاً: إن النص في ملف العدالة الانتقالية على “الذين تضرروا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989” يفتح المجال لملاحقات أمنية وعسكرية وقضائية لكل من شارك في منظومة النظام السابق، وهو ما لا يبشر بالتأسيس لاستقرار سياسي حقيقي.
خامساً: وجود تعارُض بين القول “لا إقصاء لأحد” والنص على الاستهداف والتفكيك لبعض القوى والمنظمات، دون إدراك أن كل مَن شارك في المشهد السياسي السوداني دون استثناء خلال العقود الثلاثة الأخيرة بما فيهم مَن يتحكمون اليوم لهم أخطاؤهم السياسية، واستثناء البعض من الحساب على حساب البعض الآخر، يفتح المجال للتوتر، الذي يمكن أن تزيد حدته مع وجود أطراف رافضة بالأساس لهذا الاتفاق.
ومن هنا يمكن القول: إن التحديات التي تكتنف الاتفاق أو التوافق، لا تقف عند حدود النصوص المكتوبة، ولكن بالسياقات الداخلية السياسية والاقتصادية والأمنية، وكذلك بالتفاعلات الإقليمية والدولية، وقدرتها على إدارة هذه التحديات ومنع الانفجار الكامن في التفاصيل.
المصدر : أبعاد للدراسات الاستراتيجية