استُؤنف القتال الضاري في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير التقراي الأسبوع الماضي واضعا حدا لوقف إطلاق النار الإنساني الذي دام خمسة أشهر فقط، وليدفن الآمال ربما إلى الأبد في التوصل إلى حل سلمي للحرب الأهلية المدمرة.
اندلعت الحرب في 4 نوفمبر 2020 عندما أعلنت الحكومة الفيدرالية حملة أطلقت عليها إنفاذ القانون والتي كانت تهدف بالأساس إلى إخضاع حكومة إقليم التقراي بقيادة الدكتور تسفاطين قبري ميكائيل حيث تحالف رئيس الوزراء دكتور أبي احمد مع الرئيس الإرتري الذي أطلق جبهة قتال من الحدود الشمالية المتاخمة لإقليم التقراي، ثم انسحب الجيش الفيدرالي والجيش الإرتري من الإقليم في يونيو 2020، لتقود جبهة تحرير التقراي هجوما عنيفا معاكسا على إقليم الأمهرا وإقليم العفار على عدد من المحاور حتى اقتربت من العاصمة أديس أبابا، وتحت ضغوط الخسائر الكبيرة والضغوط الدولية انسحبت الجبهة إلى حدود الإقليم ولكن دون ان تتمكن من استعادة منطقتي والقيت ورايا المختلف عليها مع إقليم الأمهرا ولم تفلح مطالباتها واشتراطاتها لبدء التفاوض من ان تحصل على المنطقتين.
حصدت الحرب أكثر من نصف مليون شخص وهجّرت ما يزيد عن مليونين ويتعرض ما يقرب من 9 ملايين شخص في إثيوبيا لنقص الإمداد الغذائي 4,5 مليون منهم في إقليم التقراي المحاصر.
ما الأسباب التي أدت إلى تفجر الحرب من جديد؟
قبل عدة أشهر حذرت أوساط أكاديمية وسياسية من عاصفة قادمة وتفجر الحرب مرة أخرى لضبابية الوضع الذي لم يتحرك نحو السلام المأمول، كما ولم يتحقق لأحد الطرفين أي تفوق عسكري يُخضع الطرف المهزوم لشروطه فضلا عن ضعف الضغوط الدولية والإقليمية على الأطراف المتنازعة ووضعهما أمام مسؤولياتهم التاريخية تجنبا للمزيد من الحروب التي قد تقود إلى فشل الدولة وما يمكن أن يسببه ذلك على السلام الإقليمي وربما الدولي.
– تطالب جبهة تحرير التقراي لوصول المساعدات غير المشروطة وهو الأمر الذي لم يتحقق ما عرض الملايين لأوضاع إنسانية غاية في الصعوبة
– تشترط جبهة تحرير التقراي إعادة الخدمات الأساسية من اتصالات وكهرباء وصيرفة .. الخ قبل البدء في التفاوض وهو ما ترفضه الحكومة إذ انها تضعه ضمن جداول الحوار في المفاوضات
– تشترط جبهة تحرير التقراي انسحاب القوات الفيدرالية والمليشيات الإقليمية إلى ما قبل 4 نوفمبر وهو ما يعني إعادة عدد من المناطق المختلف عليها مع الأقاليم المختلفة إلى التقراي واهمها منطقة غرب التقراي وهي أهم مطالب الجبهة ــ وهذا مطلب ترفضه إثيوبيا ــ وإرتريا أيضا إلى جانب عدد من الشروط من قبيل الافراج عن قيادات الجبهة والإفراج عن ميزانية الاقليم … الخ
– ترفض الحكومة الفيدرالية أي شرط مسبق للبدء في التفاوض وتعتبر أن الجبهة غير مقتنعة أصلا بالحوار والسلام.
– على الجانب الآخر تبدوا ضعف الوساطة الدولية والإقليمية كأهم عنصر يضعف ثقة الأطراف في الوسيط، وهو أمر يحير المحللين والباحثين على حد سواء كمن يلعب دور الميسر لحرب أخرى ينهزم فيها طرف من الأطراف
– رفضت الجبهة مكان انعقاد المفاوضات المقترحة وهي تنزانيا كما رفضت وساطة الاتحاد الإفريقي فضلا عن رفضها مشاركة إرتريا رفضا قاطعا
– يضاف إلى كل ذلك إبقاء إثيوبيا تصنيف الجبهة كمنظمة إرهابية وهو ما تعتبره الجبهة تصميم على المضي في الحرب حتى النهاية ومؤشر على عدم قناعة أبي احمد بالمفاوضات.
ومنذ مارس الماضي الذي قبلت فيه الأطراف وقف العمليات العدائية كانت الأطراف تعد نفسها للحرب وليس للسلام ولعل ما كتبه الناطق الرسمي للجبهة غيتاشو ردأ الأسبوع الماضي في أفريكا ريبورت يدل على ذلك حيث قال: “أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتسوية سياسية لم يعودا أقرب للتحقيق الآن مما كانا عليه وقت تعيين السيد أوباسانجو منذ عام واتهم غيتاتشو الاتحاد الأفريقي بأنه “مدافع عن نظام وحشي يسعى إلى تجويع شعبه وقصفه لإخضاعه، كما صرح رئيس الجبهة تسفاطين قبري مدهن قائلا: إن جانبه مستعد “للتفاوض بحسن نية” لكن عملية السلام “التي تصورها” وسيط الاتحاد الأفريقي والرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو “كانت مهيأة للفشل، فضلا عن تصريح سابق له أن شعبه سيخوض معركته الأخير إذا لم يتمكن الوسطاء من الوفاء بشروط الجبهة وإعادة الحياة إلى الإقليم.”
من بدأ الحرب الراهنة؟
بينما تؤكد الأطراف المتصارعة استئناف الحرب بينها لكنها ترفض التهم المتبادلة ببدء الحرب بينما تتسع رقعة الحرب ساعة بعد أخرى، وسباق على كسب الرهان.
تجمع الأوساط المراقبة بأن جبهة تحرير التقراي هي من بدأت الحرب الأسبوع الماضي بعد أن تحدثت كثيرا عن هجوم وشيك يستهدفها وحشود من الجيش الفيدرالي على حدودها الجنوبية، والجيش الإرتري على حدودها الشمالية، وتدعي بأن الحكومة تستهدف إبادة التقراي بينما الحكومة تقول بأن الجبهة تتجاهل السلام وبدأت بشن الهجوم على عدد من المناطق قائلة: “لقد ارتكبوا هجمات ويصرخون بالدعاية الكاذبة التي أتقنوها بالفعل كما يقول المثل الأمهري”
أهداف الطرفين من جولة الحرب الراهنة
في ظل ضعف استعداد الطرفين للسلام وغياب الوساطات الجادة من الأطراف الدولية لا يستغرب المراقب اندلاع الحرب مرة أخرى خاصة وأن الطرفين لديهما تقدير بأن ثمة أهداف لم تتحقق لكي يلجأوا إلى السلام:
الحكومة الفيدرالية
– انسحبت الحكومة الفيدرالية من التجراي في يونيو 2021 دون ان تحقق أهداف حملة إنفاذ القانون، وقد فجر هذا خلافا عميقا بين رئيس الوزراء وحلفائه في الداخل والخارج، ذلك لأن الجبهة على الرغم من الضربات القاسية التي تعرضت لها إلا أنها خرجت متماسكة لديها القدرة على إعادة ترتيب صفوفها وهو ما قد كان، ما مكن جبهة تحرير التقراي من التخندق خلف شروطها في ظل سيطرة كاملة على ارض التقراي ما عدا بعض الجيوب، هذا بالضرورة يضعف موقف الحكومة التفاوضي وربما هذا هو ما تسعى لتحقيقه الآن عبر كسر شوكة الجبهة وتقوية حلفاء لهم داخل التقراي من الشمال والجنوب.
جبهة تحرير التقراي
– على مستوى الجبهة: بعد انسداد افق المفاوضات ورفض الحكومة على الاستجابة لشروطها بالذات بند إعادة الأوضاع إلى ما قبل 4 نوفمبر 2020 تحس بأن الحكومة الفيدرالية غير جادة في السلام، وأنها تراوغ من أجل كسب الوقت خاصة في ظل ضغط إقليم الأمهرا والحكومة الارترية واتخاذ مزيد من الضغوط على الجبهة لكي تقبل شروط الحكومة أو تتعرض لهزيمة عسكرية قاسية تخرجها من المعادلة في إقليم التقراي، ولكي تتجنب هذا المصير لا بد ان تذهب بعيدا عبر معركة أخرى تستعيد فيها المناطق التي انتزعت منها في الجنوب والغرب وتدفع بشروطها مشفوعة بانتصار عسكري حاسم.
إذا هي معركة كان لابد ان تندلع في كل الأحوال إذ تحس الأطراف بأن المفاوضات والحل السلمي لم يحن وقته.
وقائع الحرب في الميدان
اندلعت الحرب بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير التقراي على 3 محاور
* جنوبا حيث إقليم الأمهرا
* غربا في المناطق المتاخمة للسودان
* شرقا حيث إقليم العفار
* شمالا حيث الحدود الإرترية
– لكن الحرب الشرسة تدور في إقليم الأمهرا حيث تفيد التقارير بان الجبهة استولت على عدد من المناطق من بينها “كوبوا” و “والديا” وتدور معارك قوية شمال قندر التاريخية لقطع الامداد عن القوات الفيدرالية، وقالت الحكومة في بيانات لها انها انسحبت من بعض المناطق تكتيكيا من أجل المحافظة على المواطنين، بينما تقول الجبهة انها حققت انتصارات كبيرة في هذه المناطق وفرضت الحكومة حظرا للتجوال في مدينة ديسي عاصة وللو وكمبولشا ولالي بيلا ودبري برهان وسكوتا كما تدور معارك عنيفة في منطقة ولقايت وهي المنطقة التي تهدف جبهة التقراي إلى استعادتها من الأمهرا.
– عبرت قوات من الجيش الإثيوبي من القاعدة الشرقية الإثيوبية إلى إرتريا لفتح جبهة جديدة وهي جبهة تتواجد فيها عدد من العناصر والقوات التي أعدتها إرتريا خصيصا لهذه المعركة من مليشيات الأمهرا والجبهة المعروفة بدمحيت وهي مجموعات من التقراي كانت قبل تولي أحمد رئاسة الوزراء الحكم تنشط في إريتريا عسكريا كما تمركزت القوات التي عبرت الحدود الإرتيرية في منطقة أوقاروا الإرتيرية استعداد لشن حملة من هناك، كما أفادت تقارير أخرى بعبور القوات الإثيوبية من غرب إثيوبيا إلى إريتريا أيضا.
جبهة الشرق في إقليم العفر بين قوات جبهة التقراي والجيش الإثيوبي والقوات المحلية لإقليم العفر
– تؤكد التقارير أن حربا شرسة تدور بين الطرفين في الحدود الفاصلة بين السودان وإثيوبيا مقابل الفشقة الكبرى وهو تطور مهم لاتجاهات الحرب فضلا عن المثلث الحدودي بين إثيوبيا والسودان وإرتريا.
– وبالتوازي مع الحرب التي اندلعت أخيرا فإن جيش تحرير الأرومو ينفذ هجمات مستفيدا من انشغال الجيش الفيدرالي في الجبهات المتعددة وتفيد بياناته أنه سيطر على ولليغا الغربية والقتال جار في مناطق شوا وقوجي وهو ما تتحدث عنه التقارير بأنه عمل منسق بين الجبهتين.
خلاصة
حدث ما كان يخشاه المراقبون من تجدد القتال، واشتعلت إثيوبيا من جديد، في ظل تخاذل واضح من الاتحاد الإفريقي وعجز بينٌ من المؤسسات الدولية المعنية، وظروف إنسانية ومناخية قاسية لم تشهدها المنطقة منذ 40 سنة تضع ما يقرب من 10 ملايين إنسان في إثيوبيا على حافة المجاعة إن لم تكن المجاعة بعينها فالمنطقة مقبلة على كارثة حقيقية خاصة مع أطراف لم تعرف الحلول السلمية لمعاركها فالجميع يعمل بمعادلة المعارك الصفرية، لكي يفرض رؤيته وشروطه وأجندته ولو إلى حين، مدفوعة بصراع دولي وإقليمي على المنطقة يؤثر تأثيرا مباشرا على مجريات الأحداث ويعقد حساباتها، ويوسع نطاقها، إذا نستقبل اياما صعبة إذا لم يتدخل العقلاء والحكماء وأصحاب المصالح بتهدئة الأوضاع وجر الأطراف المتحاربة إلى طاولة التفاهمات عبر تنازلات وتقديم المصالح الكلية على الجزئية، فالخيار الصفري سيودي بإثيوبيا إلى انقسام تتوفر أسبابه وعوامل نجاحه وتحققه.