فشلت قوات موزمبيق في استعادة مدينة ساحلية من الجهاديين الإسلاميين، وهو أمر مهم لتطوير أحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في إفريقيا، حيث أصبحت موزمبيق، بعد مرور 3 سنوات على تمرد إسلامي، دولة أخرى مصابة بـ “لعنة الموارد”، كما كتب جوزيف هانلون محلل شؤون ذلك البلد.
وهكذا يواجه الرئيس فيليب نيوسي واقع “لعنة الموارد”. وأوضح نيوسي في خطاب ألقاه مؤخرا في بيمبا، عاصمة إقليم كابو ديلغادو، أن المتمردين يجندون المزيد من الأعضاء من خلال استغلال فقر الشباب في شمال موزمبيق.
واعترف الرئيس أنه على الرغم من أن المقاطعات الشمالية الثلاث، كابو ديلغادو ونياسا ونامبولا، تتمتع بثروة طبيعية كبيرة وإمكانات زراعية هائلة، إلا أنها تعاني من أعلى مستويات الفقر في البلاد.
فعلى مدار 15 عاما، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لموزمبيق بأكثر من 6 في المئة سنويا، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الفحم والتيتانيوم والكهرباء المائية والموارد الطبيعية الأخرى، ومع ذلك، لم تستفد غالبية الناس، وزاد الفقر وعدم المساواة.
وأثار اكتشاف مخزونات ضخمة من الياقوت وحقل غاز عملاق في كابو ديلغادو في عامي 2009 و2010 الآمال في الحصول على وظائف وحياة أفضل للعديد من السكان المحليين، لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت.
ويزعم أن نخبة صغيرة في حزب فريليمو، الذي يحكم موزمبيق منذ الاستقلال في عام 1975، تضع يدها على أية عائدات أو مزايا من تلك الثروات.
جذور انتفاضة الإسلاميين
بدأت الحرب في 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 عندما احتلت مجموعة من المتمردين بلدة وميناء موسيمبوا دا برايا لمدة يومين.
وتقع المدينة على بعد 60 كيلومترا جنوب قاعدة تطوير الغاز الرئيسية في بالما، وكان الميناء مهما لتصدير غاز المشروع.
وتم التعرف على المتمردين باعتبارهم من الرجال المحليين.
ومنذ ذلك الحين اتسع نطاق الحرب بسرعة، وقتل ما لا يقل عن 1500 شخص وفر ما يقدر بنحو 250 ألف شخص من منازلهم.
وفقدت الحكومة السيطرة على 3 مناطق ساحلية. واحتل المتمردون موسيمبوا دا برايا مرتين بعد ذلك، وبعد المرة الأخيرة في 12 أغسطس / آب الماضي بقوا، وعلى الرغم من الحملةالعنيفة التي شنتها القوات الحكومية ضدهم فإنها لم تنجح في طردهم.
وفي العقود الثلاثة الماضية، شهدت كابو ديلغادو تدفقا للأصوليين المسيحيين والمسلمين ووكالات المساعدة الدينية الدولية.
وكابو ديلغادو ذات أغلبية مسلمة، وقد قام الدعاة الإسلاميون الجدد، وهم من شرق إفريقيا وموزمبيق وتلقوا تدريباتهم في الخارج، بإنشاء مساجد وجادلوا بأن الأئمة المحليين متحالفون مع حزب فريليمو في الاستيلاء على الثروة.
وقدمت بعض هذه المساجد الجديدة المال لمساعدة السكان المحليين على بدء الأعمال التجارية وخلق فرص العمل، وجادل الإسلاميون بأن المجتمع سيكون أكثر عدلا في ظل الشريعة.
ويعترف رئيس موزمبيق نيوسي الآن بأنه ثبت أن ذلك الطرح كان جذابا للشباب.
تكرار نمط المعركة ضد الاستعمار
ووقعت مواجهات عنيفة في عام 2015 عندما حاولت الشرطة وزعماء مسلمون تقليديون منع الأصوليين الذين تحركوا بعد ذلك لتدريب المسلحين التي شنوا أول هجوم على موسيمبوا دا برايا.
وفي البداية تلقى المتمردون التدريب في موزمبيق على يد الشرطة والجنود الموزمبيقيين السابقين، ثم اجتذبت الحرب الداخلية الدعم الخارجي.
فقد استعانت الحكومة في موزمبيق بمرتزقة أجانب، بينما تلقى المتمردون تدريبات، في مراكز للدراسات العسكرية والدينية في شرق إفريقيا، من جهاديين من الخارج وأقاموا صلات غير رسمية مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ومن المثير للسخرية أن حرب الاستقلال التي شنها حزب فريليمو في موزمبيق كانت قد بدأت في 25 سبتمبر/أيلول 1964 في تشاي التي تبعد 60 كيلومترا فقط غرب موكيمبوا دا برايا.
وجند حزب فريليمو المقاتلين الشباب بخطاب مشابه جدا حين قال إن السلطات الاستعمارية البرتغالية تأخذ كل الثروة وسيكون الاستقلال أكثر إنصافا.
ويبلغ الآن اثنان من قادة حرب الاستقلال، وهما ألبرتو شيباندي ورايموندو باتشينوابا، من العمر 81 عاما وهما أقوى رجلين في كابو ديلغادو.
وكلاهما عضو في اللجنة السياسية لحزب فريليمو، وهي هيئة صنع القرار الرئيسية في الحزب، لكنهما يواجهان تمردا يصمهما بنفس الصفات التي أطلقاها على المستعمرين قبل 55 عاما.
وتعود أصول الحرب الجديدة إلى عقد من الزمان.
ففي عام 2009، تم اكتشاف واحد من أكبر مخزونات الياقوت في العالم في مونتيبويز، واستفاد في البداية عمال المناجم الحرفيون والمزارعون المحليون والتجار.
لكن الامتياز منح إلى باتشينوابا بالشراكة مع شركة تعدين كبرى.
وقد تضرر الآلاف من صغار عمال المناجم والمزارعين في منطقة الامتياز الضخمة.
وفي العام الماضي، وافقت شركة غيمفيلدز على دفع 7.5 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية في لندن رفعها 273 شخصا بدعوى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في إخلاء أراضي المنطقة.
وأعلنت الشركة الفرعية التابعة لها، التي تقول إنها امتثلت لقوانين إعادة التوطين في موزمبيق، في أغسطس / آب الماضي أنه تم الانتهاء من بناء 105 منازل لقرية يجري إعادة توطين سكانها.
ثم في عام 2010 تم اكتشاف أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في إفريقيا قبالة ساحل كابو ديلغادو.
ومرة أخرى استفاد أعضاء النخبة بتوفير الخدمات لشركات الغاز، بينما خسر السكان المحليون. وتقول جماعات مدافعة عن البيئة مثل جاستيس أمبينتال إن التعويض المقدم لم يكن كافيا.
فقد فقد المزارعون المحليون، الذين يزرعون الطعام بدون أدوات سوى المجرفة، أراضيهم، كما تم طرد الصيادين الذين يستخدمون قوارب صغيرة أو الشباك فقط من منطقة الشاطئ.
وفقد الشباب الذين حصلوا على قدر من التعليم، وكانوا يأملون في حياة أفضل من آبائهم الأميين، تلك الآمال.
من شيوعيين إلى أوليغاركيين (حكم الأقلية)
لكن جذور هذا النهج تعود إلى أبعد من ذلك بكثير. فعند الاستقلال، حاولت موزمبيق أن تتبع مسارا اشتراكيا أثار استعداء الغرب وأدى إلى حرب بالوكالة من عام 1982 وحتى عام 1992 قتل فيها مليون شخص.
ومع نهاية الحرب الباردة في عام 1992، فرض الغرب على موزمبيق برنامج العلاج بالصدمة المستخدم في أوروبا الشرقية، لتحويل الشيوعيين بسرعة إلى رأسماليين.
لكن كانت هذه رأسمالية مبنية على التحكم بموارد الدولة، التي تتضمن الشركات والعقود والأراضي واللجان، والتي أوجدت الأوليغاركية (الأقلية) بدلا من رجال الأعمال.
وكانت هناك خصخصة قسرية لمئات من الشركات الحكومية بشكل تفضيلي لحساب قادة الجيش وزعماء حزب فريليمو.
واعترف البنك الدولي لاحقا بأنه قدم قروضا يعلم أنه لا يمكن سدادها لتلك الشركات المخصخصة.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قتل اثنان من نشطاء مكافحة الفساد كانا يفضحانعمليات نهب البنوك التي جرت خصخصتها.
وبعد ذلك بوقت قصير، تلقت موزمبيق 122 مليون دولار أكثر مما طلبت في مؤتمر للمانحين.
وظائف ولكن ليس من أجل الموزمبيقيين
في عامي 2013 و 2014، رتب كبار المسؤولين قرضا فاسدا للغاية بقيمة ملياري دولار، وتم توجيه الاتهام لحوالي 20 شخصا في موزامبيق فيما يعرف الآن بفضيحة “القرض السري”.
وفي البداية امتنع المانحون، ولكن مع اتضاح حجم احتياطات الغاز المكتشفة، تخلى المانحون عن الحديث عن الحكم الرشيد والحد من الفقر، وشددوا بدلا من ذلك على الانفتاح على الاستثمار الأجنبي.
ولم يكن هناك أكثر من اعتراض خجول من المجتمع الدولي عندما تم اتهام حزب فريليمو بالتزوير على نطاق واسع خلال انتخابات عام 2019.
وفي 17 يوليو/تموز عام 2020 تم التوقيع على اتفاقية قرض بقيمة 14.9 مليار دولار لتمويل مشروع الغاز:
• تقدم الحكومة البريطانية تسهيلات مالية بقيمة مبلغ مليار دولار لدعم الصادرات البريطانية في اطار الاتفاقية، وتتفاخر بأنها ستخلق ألفي وظيفة في المملكة المتحدة.
• وافق بنك التصدير والاستيراد الأمريكي على قرض بقيمة 4.7 مليار دولار، والذي سيدعم 16700 وظيفة في الولايات المتحدة.
وسيوظف المشروع 2500 موزمبيقي فقط.
وهكذا يتم خلق أكثر من 7 أضعاف الوظائف في الولايات المتحدة وبريطانيا بالمقارنة بموزمبيق.
ولن يتم شغل معظم الوظائف في موزمبيق بأشخاص من كابو ديلغادو.
وبالتالي فإن هذا لن ينهي الشعور بالتهميش واليأس لدى العديد من الشباب في كابو ديلغادو، والذين سيواصلون الانضمام إلى المتمردين.
والنتيجة هي دولة فاشلة تعاني لعنة الموارد مع تزايد الفقر وعدم المساواة، وحيث تتجه الأرباح والوظائف للشركات الأجنبية وتتجه الأموال للأشخاص الرئيسيين في الحكومة وحزب فريليمو.
ومازالت موزامبيق تبحث عن حل عسكري، ولديها بالفعل مرتزقة من جنوب إفريقيا يحلقون بطائرات مروحية، وهي تتحدث مع جنوب إفريقيا وفرنسا والولايات المتحدة ودول أخرى حول الدعم العسكري المحتمل، بما في ذلك الدوريات البحرية.
لكن ذلك لا يحل مشكلة الشباب الفقراء الذين لا أمل لهم، فبدون معالجة المظالم وخلق العديد من الوظائف، ستستمر الحرب.
جوزيف هانلون كان مراسل بي بي سي في موزمبيق بين عامي 1979 و 1985 واستمر في الكتابة عن تلك البلاد،وهو زميل زائر لمركز التنمية الدولية في كلية لندن للاقتصاد، ومؤلف مشارك في كتاب “الحرب الأهلية والسلام المدني”.
المصدر: BBC