يضع رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد، “أبي أحمد علي”، على قمة أولوياته هدف إعادة وحدة شعوب بلاده، التي كادت تفقدها الأخيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، تحت وطأة اضطرابات واحتجاجات شهدتها عدة مناطق، خاصة إقليمي “الأرومو” و”الأمهرا”.
بعض هذه الاحتجاجات انزلقت إلى أعمال عنف وصفت بـ”القبلية”، وهو ما كاد يعصف بالدولة الإفريقية، التي كانت تنعم بوحدة شعبية حققت من خلالها نموا اقتصاديا متسارعا على مستوى القارة السمراء.
ويبدو أن “أبي احمد” (42 عاما)، وهو أول رئيس وزراء من قومية “الأورومو”، وضع خطة لإعادة الوحدة الشعبية، في بلد تقطنه أكثر من ثمانين قومية، وذلك عبر لقاءاته النوعية وزياراته الميدانية.
استهل “أبي أحمد” زياراته بإقليم “الصومال” (جنوب شرق)، في السابع من أبريل/ نيسان الجاري، ثم مدينة أمبو في إقليم “الأرومو” (جنوب)، في الحادي عشر من الشهر الجاري، وإقليم “تجراي” (شمال)، في الثالث عشر من الشهر نفسه.
أما لقاءاته النوعية فتمثلت في دعوة أحزاب المعارضة إلى مأدبة عشاء في القصر الرئاسي، في الثاني عشر من الشهر الجاري، إضافةً إلى لقاء مع عشرين ألف شاب إثيوبي، في الخامس عشر من الشهر الجاري، ومنتدى لرجال الأعمال والمستثمرين، في اليوم التالي.
– صفحة جديدة
تلك التحركات تظهر أن لدى “أبي أحمد” رؤية واضحة لمعالجة أحد أهم التحديات، وهي الوحدة الشعبية، والتي ستكون توطئة لمعالجة القضايا الداخلية المعقدة، وأبرزها الإصلاحات والفساد والحكم الرشيد والعدل والتنمية والبطالة.
وخلال زياراته ولقاءاته، اتسمت خطاباته بإعلاء قيم الوحدة بين الشعوب الإثيوبية وثقافة التسامح وأهمية السلام والاستقرار.
ومثّل لقاءه مع ممثلي المعارضة وشخصيات وطنية بارزة وممثلي المجتمع المدني، مبادرة نادرة، ووجد اللقاء استحسانا بين الأوساط السياسية.
وفي كلمة مقتضبة خلال اللقاء، تعهد “أبي أحمد” بإتاحة الحريات السياسية والمشاركة لأحزاب المعارضة، وأعرب عن استعداد حكومته للعمل مع أحزاب المعارضة لتعزيز سياسة التعددية الحزبية.
ودعا رئيس الوزراء، قادة أحزاب المعارضة إلى فتح صفحة جديدة، واتخاذ مواقف إيجابية للمساهمة في تطوير الديمقراطية في إثيوبيا.
– ارتياح وتفاؤل
ومنذ تولي “أبي أحمد” السلطة، في الثاني من أبريل/ نيسان الجاري، يسود الشارع الإثيوبي ارتياح وتفاؤل بأنه سيقود البلاد نحو الوحدة والسلام، وسيجري إصلاحات حقيقية.
وفي أول خطاب له، تعهد بضمان سيادة القانون والديمقراطية ومحاربة الفساد وتحقيق مصالحة شاملة عبر الحوار.
وتحظى زياراته ولقاءته بأهمية خاصة، نظراً للظروف التي سبقت توليه السلطة، حيث شهدت إثيوبيا احتجاجات منذ عام 2015، واستمرت ولو بصورة متقطعة، حتى بعيد استقالة سلفه، هيلي ماريام ديسالين، منتصف فبراير/ شباط الماضي.
وهو وضع أحدث اهتزازات داخل الائتلاف الحاكم (الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا)، الذي يقود البلاد منذ قرابة ثلاثة عقود.
– نزاع حدودي
يعتقد كثيرون أن زيارات ولقاءات “أبي احمد” تهدف إلى إرساء دعائم عمله للمرحلة المقبلة، من خلال إعادة الوحدة، وأن استهلال مهمته بهذه الزيارات سيكون له مردوده الإيجابي، خاصة زيارته للأقاليم الثلاثة: الصومال، وأروميا، وتجراي.
الكاتب والصحفي الإثيوبي، زكريا محمد، قال إن “أبي أحمد مُطالب بالعمل على تهدئة المناطق الساخنة (..) انتخابه جاء في ظروف بالغة التعقيد، في ضوء ما تشهده البلاد من احتجاجات منذ سنوات”.
وشدد محمد على أن “المرحلة الراهنة تحتاج إلى توفير جو من الأمل للمطالبين، خلال السنوات الثلاث الماضية، بإصلاحات حقيقية”.
وتنبع أهمية زيارة “أبي أحمد” لإقليم الصومال من أن الإقليم يشهد خلافا حدوديا مع إقليم “أوروميا”، أدى الى نزاع أسفر عن نزوح المئات من الجانبين، في سبتمبر/ أيلول 2017.
وخلال كلمته في الإقليم، دعا إلى حل عاجل للنزاع الحدودي، وشدد على أن هذا النزاع كان “أمرا مخالفا للثقافة الإثيوبية وعملا مخزيا في تاريخنا”.
واعتبر محمد أن “أبي أحمد حقق نجاحًا كبيرًا خلال زيارته لإقليم الصومال، حيث تمكن من كسب حاكم الإقليم (عبدي محمد) للعمل إلى جانبه على إحلال السلام وحل النزاع الحدودي”.
وفي حضور “أبي أحمد”، شدد حاكم إقليم الصومال، في كلمة أمام حشد من الجماهير، على استعداد حكومته للعمل من أجل “استعادة السلام والهدوء بين الشعبين الشقيقين (في الإقليمين).
ومضى قائلا “زيارة رئيس الوزراء للإقليم بعد تعيينه بأيام تظهر استعداده لحل المشكلة في المنطقة والالتزام بوحدة البلاد”.
– معقل المعارضة
أما أهمية زيارة “أبي أحمد” لمدينة “أمبو” في إقليم “أوروميا”، الذي ينحدر منها، فتنبع من أن المدينة تعد معقلا للمعارضة، وقد تعهد في كلمته أمام لقاء جماهيري في المدينة، بــ”العمل على رفع المظالم وتعزيز السلام والديمقراطية في البلاد”.
ودعا الشعوب الإثيوبية، وخاصة شعب مدينة “أمبو”، إلى “العمل بروح الوحدة الوطنية لتعزيز السلام والديمقراطية”.
وأعرب عن تقديره لـ”الجهود التي يبذلها شباب الأورومو، ونضالهم الثابت من أجل الإصلاحات”.
وتابع بقوله إنه “يجب مواصلة العمل بروح الوحدة الوطنية لتعزيز السلام والديمقراطية (..) قضايا السلام والديمقراطية تتطلب وحدة العمل من أجل تحقيق النمو الاقتصادي”.
و”أمبو” هي أول مدينة اندلعت فيها احتجاجات مناوئة للحكومة، عام 2015، اعتراضا على خطة لتوسعة العاصمة أديس أبابا، وشكلت مركزا للاحتجاجات في إقليم “أوروميا”، في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2016.
– معقل السلطة
كما زار رئيس الوزراء الإثيوبي، إقليم تجراي، وهو معقل حزب “جبهة تحرير شعب تجراي”، الذي يقود الائتلاف الحاكم منذ وصله إلى السلطة، عام 1991.
ويضم الائتلاف الحاكم أحزاب: جبهة تحرير شعب تجراي، والجبهة الديمقراطية لشعب أورومو، والحركة الديمقراطية لقومية أمهرا، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا.
وعقد “أبي أحمد” لقاءً نوعيا ضم قطاعات من شعب إقليم” تجراي”، بحضور رئيس الجبهة، دبراصيوان جبراميكائيل، وأمين عام الائتلاف الحاكم، شفراو شجوتي.
ودعا شباب الإقليم إلى “الحفاظ على الوحدة والتضحيات التي قدمها شعب تجراي وثواره من أجل الدولة الإثيوبية”.
وتابع بقوله إنه “على الشباب حماية هذا الإرث التاريخي، بما يعزز وحدة وتسامح الشعوب الإثيوبية”.
وإقليم “تجراي” هو الذي قاد النضال ضد نظام الحكم العسكري، بقيادة مينغيستو هيلي ماريام، من خلال “جبهة تحرير شعب تجراي”، وذلك حتى سقوط نظام مينغيستو، عام 1991.
الأناضول