صناعة الجمال لا تحتاج إلى أموال طائلة أو إمكانات كبيرة، وإنما تحتاج إلى ذوق رفيع وسعة أفق وروح وثابة تدفعك إلى تحويل المتاح وتوظيفه إلى ما يروقك ويعجب الآخرين.
هذا ما فعله متقاعد إثيوبي عندما حول جدار منزله المتواضع إلى لوحة جمالية فنية مطرزة بالزهور والورود الطبيعية، مستخدما أدوات بسيطة وقديمة.
اللوحة الفنية جعلت من الشارع الذي يقطن فيه بحي “أولمبيا” وسط أديس آبابا، محط أنظار المارة، ومفخرة أهل الحي.
“إيشوفو زودي” الإثيوبي المتقاعد، بدأ حلمه بعد أن أكمل خدمته في الجيش الإثيوبي عام 2012، التي بدأها في عهد نظام منقيستو هيلي ماريام (1972 ـ 1991)، وتجول خلال عمله في مدن إريتريا قبل استقلالها (مصوع، أسمرا، ودقمحري).
كما عمل على الحدود مع السودان وزار كسلا، وفي مسعى منه للتخلص من الفراغ، أخذ يجمع الأدوات والمقتنيات القديمة من أجهزة وبقايا أحذية وبعض زجاجات البلاستيك الفارغة.
تلك الأدوات البسيطة تحولت إلى أوعية لزراعة الزهور والورود، ووزعها داخل منزلة وعلى جداره في الخارج، حتى تحول جدار المنزل لوحة فنية.
تلك اللوحة داخل وخارج المنزل فرضت على المارة وأهل الحي الاستمتاع بها والمساهمة في تقديم الأدوات والأجهزة المستعملة للاستفادة منها في لوحته التي تسر الناظرين.
وأوضح “إيشوفو زودي” قائلا: أبدأ يومي مبكرا بتفقد هذه اللوحة بألوانها الزاهية، متجولا في رعايتها بالري تارة والتعديل والتحريك لمقتنياتها تارة أخرى.
ويضيف: أحيانا يطلب المارة التقاط صورة تذكارية بخلفية هذه اللوحة، وهو ما دفعني لشراء كاميرا أصبحت تدر علي بعض النقود، حيث يحصل على مبالغ زهيدة مقابل الصورة.
لكنه استدرك قائلا إن الدخل ليس كافيا، فأنا استمتع برعاية هذه اللوحة التي أنفق عليها أكثر من 2000 بر إثيوبي سنويا لفاتورة المياه (الدولار يساوي نحو 27 برا).
وزودي (46 سنة) أب لخمسة أطفال، توفيت زوجته قبل عام متأثرة بمرض السرطان، وبرغم الحزن لفقد زوجته، إلا أنه أصبح مصدر سعادة للآخرين من خلال جدار منزله الذي توحي جمالياته بالأمل والتفاؤل.
اللوحة بجدار المنزل عبارة عن حوض سباحة صغير، وضعت عليه مرآة وسط إكسسوارت قديمة وبعض أحذية النساء ومقتنيات قديمة، مطرزة بالتشجير، أضفت عليها الورود والزهور بعدا جماليا آخر.
وتضم اللوحة كذلك أجهزة تلفاز قديمة مزدانة بألوان مبهجة، وإلى جوارها جهاز راديو حقيقي ينطلق منه صوت الأخبار اليومية لمحطات الإذاعات الإثيوبية كخدمة يستمتع بها أهل الحي كل صباح.
كما تشمل اللوحة صورة ضخمة للرؤساء القدامى في بلاده، وصورة لفنانه الأول “تيدو آفرو” الأوفر حظا في الصور.
“إيشوفو زودي” يقول إنه يسعى لأن يكون هذا الحي محط أنظار الجميع ليعلموا كيف يمكن تحويل الأشياء القديمة إلى تحف تسر الناظرين.
واعتبر أن الجمال هو شيء حسي في داخل الإنسان ونحن من يصنع الجمال، وأول مراحل الجمال النظافة.
ويشير إلى أن جمع هذه المخلفات والأدوات القديمة يساعد في الحفاظ على نظافة البيئة.
وتقول “سنايت قيتاجو” (32 سنة)، إحدى سكان الحي، إن منزل “إيشوفو زودي”، يعتبر نموذجا نفاخر به في الحي، مضيفة أن نساء الحي ينظرن له بكل إعجاب وفخر، وأصبحن ينقلن منه الفكرة لمنازلهن.
وحول صور الرؤساء السابقين لبلاده، يقول “زودي” إن الرؤساء السابقين هم الذين أرسوا دعائم الدولة الإثيوبية، وعلينا أن نحافظ على هذا الإرث الحضاري حتى يعرف الأبناء الدور الذي قاموا به في بناء الدولة.
ويختتم زودي حديثه برسالة حب وتقدير لفنانه الأول تيدو آفرو، الذي يرتدي قميصا عليه صورته منذ 13 سنة، لأنه فنان قومي يغني لوحدة شعوب وقوميات إثيوبيا ويستحق التقدير والحب.
و”تيدو آفرو” مطرب إثيوبي معاصر، بدأ حياته الفنية بأغنيات على إيقاعات محلية وطورها باستخدام الآلات الحديثة.
ظهر تأثيره الفعلي على الساحة الغنائية عندما طرق قضايا كالتسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين، ووحدة الوطن، وغيرهما من القضايا الوطنية.
الأناضول