أخبار
مذكرة التفاهم الجديدة بين اثيوبيا وصومال لاند
مع غرة عام 2024، أي 1 يناير، وقعت أثيوبيا مع صومال لاند مذكرة تفاهم نسميها فيما بعد بمذكرة أديس. وغالبا ما تستخدم كلمة أديس، عند الحديث الشفهي عن العاصمة الأثيوبية اختصارا لاسمها الذي هو بالفعل أديس أبابا. تم توقيع المذكرة من قبل رئيس وزراء أبي أحمد ورئيس صومال لاند موسى بيحي، وجاء توقيعها بناء على طلب من أثيوبيا، وأن صومال لاند كانت الطرف المستجيب على الطلب الأثيوبي وليس هي الطرف المبادر بها.
والمذكرة تحتوي على بنود تتضمن إيجار الأخيرة مساحة 20 كم من المياه البحر المطلة في خليج عدن، وذلك لمدة 50 سنة، وأن تلك المساحة ستكون قاعدة بحرية مسخرة للقوات البحرية الأثيوبية مقابل منحها اعترافا سياسيا كانت تسعى إليه منذ العقود باندفاع، وحصة ثابتة من شركة الطيران الأثيوبي المملوكة للدولة الأثيوبية تعادل قيمة إيجار المساحة السنوية.
وإلى جانب ذلك، تتضمن المذكرة، بنودا أخرى أساسية ذات صلة بمواضيع أخرى اجتماعية وسياسية واقتصادية تعاونية لم يعلن بعد عن تفاصيلها النهائية من حيث اختيار المكان وطبيعة المساحة وفي أي مياه ستكون: المياه الإقليمية أم المياه الاقتصادية وعلاقة ذلك بالميناء البري التي ستستخدم في الخدمات التجارية المضمونة في بنود المذكرة، وكيف أن ذلك ينسجم مع الاتفاقية التي وقعتها صومال لاند مع الإمارات العربية المتحدة عام 2016 المنصوصة بعدم تأسيس موانئ أخرى منافسة لها في المنطقة في مدة الاتفاق بينهما وهي 30 سنة، وإعلان موسى بيحي في منصة التوقيع، بأن بربرة ستكون ضمن الموانئ البحرية المفتوحة للاستخدام الأثيوبي.
السياق الزمني
يأتي توقيت توقيع مذكرة أديس بعد يومين فقط من توقيع بيان مشترك بين الصومال الدولة وصومال لاند في جيبوتي يوم 29 من شهر ديسمبر الماضي القريب وبرعاية رئيسها السيد إسماعيل عمر جيلي وبحضور رئيسي جمهورية الصومال وصومال لاند. ونص البيان، على اتفاق الطرفين على استئناف المفاوضات المباشرة خلال مدة 30 يوما، والتركيز على القضايا المصيرية العالقة والتنفيذ على التفاهمات التسعة السابقة بين الجانبين منذ 2012م وصولا إلى التعاون في المسائل الأمنية والعمل المشترك في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في المناطق غير المستقرة.
وأخيراً، الابتعاد عن التصريحات والبيانات التي تؤثر سلبا على سير المفاوضات بينهما في المرحلة المقبلة، مما يعني اتفاق الجانبين على تهدئة الوضع القائم بينهما والاتجاه نحو مفاوضات تمس بالمسائل المصيرية التي تعنى أساسا بمسألة الوحدة وخيارات التوحد مرة أخرى، كما أن توقيع المذكرة يأتي أيضا بعد توقيع اتفاق آخر بين الصومال وأثيوبيا في أديس أبابا يوم 8 من شهر ديسمبر الماضي القريب على مستوى وزيري الدفاع للدولتين.
وكان الهدف من وراء ذلك الاتفاق، هو دعم الاستقرار الإقليمي والتوافق على توثيق التعاون العسكري في المجالات الدفاعية العسكرية ومواجهة التهديدات القائمة وتشجيع السلام والأمن في منطقة القرن الأفريقي. ويؤكد الاتفاق تجديد الطرفين التزامهما في محاربة الإرهاب والتطرف والقرصنة والتغير المناخي باعتبارها تحديات مشتركة وتشكيل لجان مشتركة تعمل على مراقبة وتسهيل تنفيذ الاتفاق الموقع بين الجانبين في المجالات الموقعة، وهو بالطبع اتفاق تجديدي على اتفاق سابق تم توقيعه بين الدولتين عام 2014م ومغطيا على جوانب أمنية عديدة أوسع وأشمل من الاتفاق الحالي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوة تتزامن مع توترات جيوسياسية صاعدة في مياه البحر الأحمر وخليج عدن ناتجة من استهداف الحوثيين المتكررة على السفن والناقلات الإسرائيلية- الأمريكية المتجهة عبر مضيق باب المندب تضامنا مع حرب غزة، ومن ثم أدت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار الطاقة على المستوى الدولي وإعلان 18 شركات عالمية عاملة في مجال الشحن البحري تعديل مسارها أو توقفها في الملاحة عند مضيق باب المندب الذي تمرّ به 12 % من التجارة الدولية ويمرّ بها ما لا يقل عن 57 ناقلة في اليوم الواحد، وهي توترات تؤثر صعودا وهبوطا على التطورات في وضع عزة وتداعياته السياسية وارتداداته الاقتصادية.
وفضلا عن ذلك، يتزامن توقيع مذكرة أديس هذه في ظل مرور دولة أثيوبيا وصومال لاند بأوضاع سياسية متقاربة من حيث تآكل خريطتهما السياسية والهشاشة في مفاصل نظامهما السياسي وظهور انشقاقات متكررة من بعض المكونات الاجتماعية التي تريد الانفصال عن مركز الحكم والتململ من الاستئثار بالحكم على مدة أطول والاستحواذ بامتيازاته، ومن ثمّ شهدتا نشوء إدارات محلية جديدة من تحتهما سواء في الإدارة الجديدة المسماة بإدارة SSC المعلنة عام 2023م في لأس عانود على مستوى صومال لاند أو القائمة في جبهة تقراي شمال أثيوبيا، وهو مؤشر يعكس على اتساع موجة التنمرات السيو اقتصادية المتزايدة في البلاد، واندلاع معارك عسكرية دموية ما زال رماد نارها ساخنا وقابلا لاشتعال شرارتها من حين لآخر.
الدلالة
تناقض مذكرة أديس على الإعلان المشترك بين الصومال وأثيوبيا بعد اللقاء الذي جمع بين الرئيس فرماجو ورئيس وزراء أ أثيوبيا د. أبي أحمد يوم 16 يونيو 2018م في مقديشو. ويؤكد ذلك الإعلان على التعامل مع السلطات السيادية للبلدين والاتفاق على الاحترام المتبادل في الوحدة الوطنية والترابية واحترام الاستقلال السياسي للبلدين.
ويدعوا الإعلان أيضا جميع الفاعلين الصوماليين العمل بلا هوادة في الوحدة والتماسك الاجتماعي في البلاد، واتخذ د. أبي بعض الخطوات المتقدمة المؤكدة على العمل مع السلطة المركزية في مقديشو، وتقوية دورها في حكم البلاد بغض النظر عن قصده في ذلك.
ويبدو أن مذكرة أديس بذلك، تعكس توجها جديدا لأثيوبيا يتسق مع نهجها القديم القائم على التعامل المنفصل بين الصومال الدولة وصومال لاند اللا دولة بطريقتين منفصلتين وغير مرتبطين عن بعضهما البعض، وهو انعكاس غير قاصر أوخاص فقط في حالة صومال لاند ومعروف المصدر والقصد، وينطلق بالاعتماد على استراتيجية الارتباط المنفصل والتواصل المستقل على المكونات المختلفة للقوى الوطنية الصومالية دون الذهاب أو المرور عبر سلطتهم السياسية المشتركة الموحدة، إيمانا بأن ذلك يؤخر امكانية عودة اللحمة البينية والوحدة الصومالية المقلقة على وجودها التاريخي.
ويمكن القول، بأنه على الرغم من تباين الأسباب المدفوعة للطرفين إلى توقيع المذكرة، إلا أن الرجلين الموقعين في المذكرة يشتركان في أكثر من صفة تشمل في جوانب التكوين الشخصي وطريقة الصعود في الحكم والتهور في اتخاذ القرارالسياسي والمزاج العكر وتجمعهما الرغبة غير الواعية على اتخاذ خطوات متسرعة تعطيهما أسهم سياسية ومالية تمنحهم القدرة على شراء شرعية جديدة للبقاء في سدة الحكم خارج الجداول الانتخابية المنتهية أو المقررة في الفترة المقبلة بطريقة أو بأخرى وبعيدا عن أصحاب المصلحة المشتركة معهم في الحكم على البلاد.
مبررات أثيوبيا من توقيع هذه المذكرة
لم يكن تحقيق أثيوبيا هدفها في الحصول على منفذ في مياه البحر الأحمر مفاجئا على المتابعين على أوضاعها السياسية في السنوات الأخيرة. وكان هناك أكثر من تصريح وإعلان موقفا رسميا في مناسبات ومنابر مختلفة تؤكد على أن أثيوبيا مضطرة إلى إيجاد منفذ بحري لتأمين مصالحها بالطرق الممكنة بما في ذلك خيار القوة، وتتواصل مع جوارها في إيجاد موقف متجاوب معها في تحقيق رغبتها الجامحة وسعيها الجاد. وإن إصرارها في إيجاد ذلك المنفذ هو قضية حياة أو موت.
وتتعدد تبريراتها بعناصر أساسية تتنوع بين المصالح الحيوية والمطامح الطافحة القديمة والمخاوف الداخلية والغرور الشخصي لأبي النابعة من قبل تحقيق مكاسب سياسية عديدة في ميادين مختلفة. وتبررّ أثيوبيا موقفها ذلك بأن عدد سكانها في تزايد حسابي ملحوظ (129مليونا)، وأنه سيصل نهاية العقد الحالي إلى 150 مليون نسمة، مقابل سكان الدول الثلاثة (الصومال، جيبوتي وأريتريا) الساحلية الذي يصل عددهم السكاني جمعيا إلى أقل من الثلث من ذلك العدد وبمياه متنوعة بين محيط وبحر أطول من خمسة الآلاف كم.
وتعتبر أثيوبيا مع زيادة هذا العدد المقلق، فإنها تحتاج إلى موانئ مختلفة لتأمين مصادر أمن اقتصادها المتعثر وحماية أمنها القومي وإيجاد منفذ بحري دائم يمكنها بالخروج من السجن الجغرافي وفق تعبير أبي. وتعتبر أثيوبيا أن منطقة القرن الأفريقي كله هو عبارة عن وحدة سياسية واحدة متجانسة تتمتع هي بالدور الرائد باعتبار أنها الأكبر وزنا (السكان والمساحة) في الحسابات الجيوسياسية المعروفة، ومن ثم تريد فرض واقع معين تكون فيه الثروات والموارد الطبيعية السائدة منقسمة طبقا للاحتياجات المتفاوتة والمعطيات الواقعية والمنفعة المتبادلة.
وفي ظل تلك الهواجس والحسابات، فان صومال لاند تكون هي الأقل كلفة في تحقيق تلك الرغبة، كون أنها تسعى إلى تلقف أي مبادلات يمكنها بالحصول على الاعتراف الدولي، وأن مياهها البحرية مطلة على خليج عدن وقريبة من ميناء جيبوتي الذي تعتمد عليه أثيوبيا بنسبة 95% من استيرادها وتصديرها العام، ويعطي ذلك نظامها الحالي نَفَساً سياسيا ينعش آماله المحطمة في أزمة لاس عانود وميدان غوجعدي (Goojacade) ويضمن لرئيسها تمديد فترة ولاية فترة حكمه إلى ما بعد نهاية العام الحالي من دون الحاجة إلى التوافق بينه وبين الشركاء السياسيين في الحكم.
وتبرّر أثيوبيا مغامراتها الجريئة هذه على أن بينها وبين صومال لاند علاقات طويلة ممتدة مع امتداد ولادتها الأصلية في عام 1992 م وما قبلها، وكان عندها تواجد دبلوماسيا مبكرا وتعاونا مرتكزا في مجالات أمنية وتجارية في أغلبه، وتوجد دول أخرى في الاقليم وخارجه مثل الإمارات العربية المتحدة التي لها علاقات مباشرة مع صومال لاند تجسدها خطوط طيران مباشرة واتفاقيات موقعة بينهما في فترات متوالية تبدء من 2016 وصولا إلى 2021م وذلك بهدف تطوير ميناء بربرة وخلق مشاريع اقتصادية حرّة ومركز تجاري لوجستي ذات قدرة تشغيلية تصل إلى 500 حاوية وبمبالغ مليونيه يصل واحد منها بـ 442 مليون دولار لمدة 30 سنة، وكانت أثيوبيا ضمن الشركاء في بعض تلك الاتفاقيات، وحازت واحدة منها على 19% من حصة الامتيازات.
وأثيوبيا مقتنعة، أن ما قامت به هو خطوة إضافية لخطوات سابقة وأنه غير مختلف من حيث الجوهر والمضمون عما قام به الآخرون سابقا، وتريد أن تحصد استثمارها السياسي الممتد منذ تلك العقود المذكورة في صومال لاند تحديدا قبل غيرها من الأقاليم الصومالية.
وتريد أثيوبيا وجود عامل موحد في جبهتها الداخلية المتصدعة نتيجة الأزمات الداخلية التي يواجهها نظامها الحالي في قضايا تأمين الاستقرار السياسي الداخلي وثبوت التوافق على دور السلطات المركزية في حكم البلاد واحتواء تداعي المؤسسات المركزية للدولة، وتشهد البلاد من حين لآخر تمردات قومية غير مسبوقة الحجم في ميادينها ونابعة من تأجج الشعور بالظلم من قبل النظام، وهي من ضمن الدول العشرة المرشحة للاضطرابات عام 2024 على المستوى الدولي وفق التقرير الصادر من المجموعة الدولية للأزمات (ICG) نهاية عام 2023.
والأزمات تلك منقسمة إلى أزمات بين النظام والحكومات الإقليمية خاصة في إقليم التقراي تتجسد في افتقاد الثقة بين الطرفين وتمسك بعض قيادات الأخيرة بأفضلية الخيار العسكري في التعامل مع النظام في أديس نتيجة تماطله المتعمد عن الوفاء بالالتزامات الموضحة في الاتفاق المبرم بينهما في بريتوريا 2022م وترفض التهادن غير المجدي على الإطلاق مع النظام ورأسه، وتتهم زعيمها جيتاشوا ردا بالموالاة غير الواقعية للحكومة المركزية في أديس وانخداع علاقته مع د. أبي.
وإلى جانب ذلك، توجد جبهة أخرى مشتعلة في إقليم أمهرا بين النظام وقوات فانو منذ فترة هدوء جبهة تقراي وترفض من جانبها هيمنة الحكومة المركزية في الأقاليم وانتقاص دور إقليمهم التاريخي في مسيرة حكم البلاد وتسود عندهم مخاوف جدية من مسعى د. أبي على فرض نظام مركزي سلطوي يلغي أدوار الأقاليم التشاركية في حكم البلاد ويضرب بالمكاسب الفيدرالية السابقة الموضحة فيما عرف بدستور 1994 عرض الحائط ، وذلك بعد إدراجه حوالي 20 مؤسسة شاملة بمؤسسات أمنية واستخباراتية ومالية رئيسية في البلاد تحت حكمه المباشر بعد إعادة انتخابه عام 2021م وتدثره بعباءة الإمبراطور السابع للبلاد،
كما أن هناك جبهة أخرى باسم جبهة أوروميا المسلحة تخوض حربا استنزافية مع الجيش النظامي ولم تلفح محاولات الصلح التي جمعت بينها وبين النظام في تنزانيا، ويتوقع في الفترة المقبلة إمكانية توحد تلك الجبهات الثلاثة ضد النظام بمساندة جهات إقليمية تتربص اللحظة المناسبة للتحرك وبدء تصفية الحسابات القائمة بينهما، خصوصا بعد الحرب الصامتة القائمة بينه وبين أرتيريا الحليفة معه في الحرب الأخيرة مع جبهة تقراي وتراجع علاقاتهم التعاونية سابقا وذلك بعد تحفظها من اتفاق بريتوريا وقلقها من تزايد المطامع الأثيوبية في إيجاد منفذ بحري في مياه البحر الأحمر.
كل هذه الأمور وغيرها من الاقتصاد المنكمش والمجاعة المخيفة التي أعلنت بدايتها بعضا من الأقاليم في البلاد مثل إقليم تقراي تدفع د. أبي إلى اللجوء باتخاذ خطوات يعتقد أنها تساعده في توحيد الجبهة الداخلية غير المتجانسة وإطفاء تلك الحرائق المشتعلة من منطقة إلى أخرى وتعطي له رأسمالا سياسيا يضمن له البقاء في سدة الحكم ما بعد الجدول الزمني المقرر له عام 2026
تناقض الروايات
إن الإيضاحات الصادرة من أثيوبيا من المذكرة بعد الردود المضادة المتوالية من مختلف الدول والتجمعات السياسية الداعمة لموقف السلطة المركزية لا يتطابق مع البيان الصادر في نفس يوم التوقيع على المذكرة من وزارة الخارجية لصومال لاند، ولا تنسجم مع مضمون الخطاب المتلفز للسيد موسى بيحي على منصة توقيع المذكرة، وبالذات ما يخص المدة التي أشار إليها بيان الوزارة بأنها 50 سنة ومحصور في قاعدة عسكرية بحرية فقط. ويؤكد البيان التوضيحي الرسمي الصادر من أثيوبيا يوم 3 من الشهر الجاري، بأنه لا يوجد مدة زمنية محددة في المذكرة، وأن التفاهم الموقع تعطيها قاعدة دائمة ” “Permanent وليست موقوتة أو مؤقتة، وفي مسألة الاعتراف، فأنها تعمل على تقييم عميق لأخذ موقف عن مساعي صومال لاند الهادفة إلى نيل الاعتراف، ولا يتضمن البيان أي اعتراف صريح أو ضمني تبادله أثيوبيا مع صومال لاند على إيجار المساحة البحرية، وفي حالة حدوثه فإنه سيكون مشروطا باستلام المساحة البحرية مسبقا، وأن التفاهم الموقع، يشتمل على مواضع أخرى تجارية سوف تقوم بها أثيوبيا للاستخدام الأمثل في تلك المساحة الممنوحة “Provision” لها وفقا لصيغة البيان. ويؤكد البيان بأن ترتيبات توقيع المذكرة كانت جارية منذ الشهور، وهي ليست مجرد استجابة دعوة عاجلة أو طلب قدمتها أثيوبيا لـ صومال لاند طبقا للتصريح المتلفز لموسى بيحي على منصة التوقيع.
والمذكرة– وفق البيان التوضيح الأثيوبي- تتيح لـ صومال لاند، أن تطلب من أثيوبيا نوع المساعدات والشراكة التي تريد منها والتي لا يمكن حصولها إلا من أثيوبيا!، وأنه بمثابة تحقيق حلم لأثيوبيا كان يراودها منذ الأمد. وإن الخطوة معالجة لضغط وقلق مجتمعي كان يسودها منذ الأبد، وهي تصحيح لأخطاء داخلية أدت إليها بعض الحسابات السياسية التي جعلتها دولة غير بحرية بعد أن كانت سابقا دولة بحرية مطلة على مياه البحر الأحمر. وإن الوصول إلى هذا التفاهم مع صومال لاند حدث تاريخي فاصل يعزز وجودها التاريخي ويثبت مصالحها القومية ويعطيها موقعا مناسبا على مستوى الإقليم والقارة والعالم أيضا. وترفض أثيوبيا ابتداءً، أي إنكار يمكن أن يأتي إليها من دول الجوار ويمنعها من تحقيق مبدأ تبادل المنفعة التي تدفع إليه بإصرار وترفض مبدأ الاحتجاج على أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات عكسية على أوضاعها الداخلية، وهو تهويش أو تلويح مباشر في استعدادها إلى اللجوء إلى الخيار المعاكس في حالة ممانعة دولة من تلك الدول عن التجاوب الطوعي لمطالبها الملحة. ويدعو البيان الأثيوبيين إلى استخدام هذه الفرصة واعتبارها لحظة وحدة وانسجام تام ووضع الفروق والخلافات جانبا وشد أزر بعضهم البعض.
التأثيرات على الوضع في صومال لاند والإقليم بأكمله
سيكون للمذكرة تأثيرات عكسية على الوضع الحالي غير المستقر على مستوى صومال لاند من جهة، وانعكاسات بالغة على مستوى العلاقة الثنائية بين الصومال وأثيوبيا وبين الصومال وصومال لاند من جهة أخرى، وفي نفس الوقت، يعقد طبيعة منظومة العمل الاقليمي المباشر ويعكّر مسالك العلاقة في دول الإقليم كله والتي كانت سائرة نحو التعاون والاندماج في الآونة الأخيرة بدلا من العداء والتوتر السائد في القرن المنصرم بين مختلف دوله.
وفيما يتعلق بالوضع الداخلي لـ صومال لاند، فإن الخطوة، يمكن أن تكون بداية لاضطرابات سياسية. وإن أي قارئ لتلك البيانات الكتابية والشفهية الصادرة من أثيوبيا فقط دون الرجوع طويلا إلى السجلات التاريخية بين الصومال وأثيوبيا، سيدرك أن الخطوة كانت مجازفة كبيرة من قبل رأس النظام في هرجيسا وتحقيق مكسب استراتيجي كبير لصالح أثيوبيا. والخطوة قد تعمق لانقسام الداخلي المنقسم أصلا، وترفع درجة الاحتقان ضد النظام القائم ورموزه، وربما تعزز فرص التآزر والتآلف بين أبناء الصومال نتيجة شعورهم بالتهديد المشترك من جارهم المتسلل إلى مياههم البحرية بعد أن أبتلع سابقا أجزاء من أراضيهم البرية.
ويمكن لمذكرة أديس أن تعشش على شعور الوحدة الكامنة في الكثير من أبناء الشمال التي أظهرتها الخطوة في انتشار وجودها على امتداد الشمال وتعلي صوت المؤمنين بوحدة التاريخ والتحديات وحتمية المصير والوجود، ويؤدي إلى صحوة قومية جديدة قادرة على تجاوز رواسب الماضي وتصحيح الأخطاء السابقة من قبل نظام شبيه بسلوك نظام الثورة في عهد حكم العسكر. وأكثر من هذا، فإن الخطوة يمكن أن تحرك أيدولوجية التطرف وتوقظ موجة العنف المسلح النائمة هناك والفاعلة في المنطقة بشكل عام. وقد يمكن أن نسمع أصواتا تقول بأن ما فعل رموز النظام يكون مبرر شرعي بإعلان الحرب عليهم، وتنظم نفسها للحيلولة دون منح النظام فرصة تنفيذها على أرض الواقع وتجعل الشخصيات المؤيدة والمصالح الأثيوبية هدفا مشروعا لنسفها .
تمتد تأثير تلك الخطوة إلى التجمد في المفاوضات القائمة بين صومال لاند في المرحلة المقبلة وتراجع مد الثقة التي كانت الأنظمة السياسية المتعاقبة الوطنية تبنيها بدرجات مختلفة. وإن الاتفاق الأخير المتجسد على البيان الموقع بين الصومال الدولة وصومال لاند انعكاس لحسن النوايا التي أبدتها مقديشو تجاه هرجيسا، وأن معظم البنود الثمانية التي احتواها البيان غير متوازنة وتخدم مصلحة هرجيسا أكثر من مقديشو، عملا على الاقتراب في تحقيق شعار رئيس الصومال الذي هو”الصومال المتصالح مع ذاته والمتصالح مع العالم” على امتداد البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تأثير الخطوة سيكون كبيراً جدا على المنظومة العملية وروح التعاون بين دول الإقليم والمنطقة بشكل عام، وخلفت أزمة ثقة غائرة بين جيبوتي الراعية للمفاوضات بين هرجيسا ومقديشو وبين أثيوبيا، على أساس أن الأخيرة عملت على سحب البساط من قدميها، وتريد التموضع العسكري قرب مياهها الجنوبية وتؤثر سلبا على المصالح الحيوية المتبادلة القائمة بينهما حيث إن أثيوبيا تعتمد أكثر من 90 % على وإراداتها البحرية منها بتكلفة أعلى من مليار دور سنويا.
ومن الواضح أن مذكرة أديس تقود إلى فصل جديد في العلاقات البينية بين دول المنطقة وأنها تضعف مستوى التعاون القائم بينهم في إطار منظمة إيجاد فضلا عن أن الخطوة تحول العلاقة التكاملية بين الدول في منطقة القرن الأفريقي إلى تنافر جديد يقرب دول متخندقة في خنادق متناقضة فيما بينها وتؤدي إلى تباعد دول متحالفة سابقا، وتسرع خطوات اندماج الصومال البادئة إلى منظمة شرق أفريقيا على حساب حضورها في إيجاد وبالذات بعد موقفها المنحاز والمخجل من الخطوة الأثيوبية غير السلمية.
ما الذي يجب على الصومال فعله للتعامل مع المستجد
هناك الكثير مما يجب فعله والخطوة ربما خلقت لحظة سانحة للتحرك الفاعل نحو الحدث والتعامل مع الموقف برؤية ثاقبة ، وذلك بناء على أن أثيوبيا ماضية في تحقيق سعيها المتعلق بإيجاد منفذ بحري دائم في المياه، وتعلم أن قضايا سيادة الدول واحترام القانون الدولي لم يعد مصونا في عالمنا المعاصر، وأن تجربتها في موضوع بناء سد النهضة وحربها مع جبهة تقراي الذي ارتكبت فيه الجرائم والفظائع حسب تقارير دولية ومحلية أثبت لها ذلك وشجعها على القيام مثل هذه الخطوة.
وماتقوم به من تبريرات ذات صلة حول زيادة عدد سكانها ووجود دول أخرى تتعامل مع صومال لاند في هذ الإطار لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بخطوتها الجديدة، وأطماع أثيوبيا في المنطقة الشمالية تحديدا قديمة وممتدة، وهي بالمناسبة أكثر من الوسط والجنوب في الصومال بشكل عام، وكان الشمال من ضمن المناطق التي ادعت أثيوبيا ملكيتها في القرن الماضي في أكثر من منبر، وأن ما تريده أثيوبيا من صومال لاند مختلف تماما من حيث الوسيلة والهدف عما تريده الدول الأخرى منها.
وتعتقد أثيوبيا أنما حصلت عليه هو عبارة عن منفذ سيادي دائم تستخدمه لأكثر من غرض واكتسبته بثمن سياسي بخس للغاية، وفي حالة النجاح، فانيا ذلك يخفف عنها الأعباء المالية في خزانتها المركزية ويجعلها من ضمن الدول المشاطئه للبحر الأحمر مثلما أصبحت هي من ضمن دول مجموعة بريكس في العام الماضي. وينبغي أن تكون الخطوات التي تتخذها الدولة الصومالية لأكثر من اتجاه مبنية على معطيات كافية في طبيعة الموقف المستجد بما في ذلك العلم، على أن العالم يمرّ بوضع غير متوازن جعله عاجزا عن حل قضايا يوليها اهتماما أكبر من الصومال وشأنها العام وأزمتها الداخلية المعقدة .
ومن الضروري الفهم مسبقا، على أن الذي شجع أثيوبيا على اتخاذ هذه الخطوة هو الانقسام الداخلي المتراكم واستمرار الكثير من الجروحات التي كان يمكن تضميدها مبكرا وترك العديد من الأمور عالقة دون الحل اللازم في وقته المناسب والتأخر عن الكثير من الخطوات السياسية غير المرتبطة بالضعف المرحلي الذي نمر به، ومن ثم اعتبرت الصومال، أنها الفريسة الأثمن والسهلة للصيد، وأنها النقطة الرخوة في المنطقة التي يمكن اختراقها بيسر ربما، وربما لديها الكثير ما يمكن تذرعه ومن الأصدقاء ما يمكن الاعتماد عليهم عند اشتداد الحالة.
ومن أجل هذا، يجب طي الكثير من الصفحات التي تركت مفتوحة في المرحلة الماضية، والتعجيل بحسم المعركة الداخلية في محاربة المجموعات الإرهابية، وإنهاء جميع المسائل العالقة بما في ذلك الدستور وفك السلطات السيادية المذابة عن بعضها البعض واستكمال هياكل الدولة الفيدرالية الموحدة والتحرك نحو تحقيق المصالحة السياسية عن طريق الإسراع في تأسيس اللجنة الوطنية للمصالحة العالق في الدستور منذ الفترة.
ولا يمكن الفصل بين الماضي التاريخي الطويل بين الصومال وأثيوبيا عن السياسيات التقسيمية التي تبنتها أثيوبيا في العقود الماضية للتعامل مع الصوماليين والخطوة التي اتخذتها مؤخرا، وأن التجاوز في ذلك مرتبط بالعمل الصومالي على استعادة ميزان التعادل المائل في معادلة الصراع بينها وبين أثيوبيا وليس غيره.
وغالبا ما يحدث الاحتماء بالجار غير الصديق في حالة حدوث ضعف الروح الوطنية ونمو الشعور بضيق اتساع المظلة الوطنية للجميع وتلجأ الأنظمة السياسية في بعض الأحيان إلى الاستقواء بالقوى الأجنبية غير الصديقة عند بلوغها مرحلة من اليأس عن استعادة الثقة في الشارع، ومن ثم تعمل على اتخاذ تصرفات طائشة تصرف الانتباه عن رؤية الناس عن إفلاسها السياسي أملا في كسب بعض الوقت لصالحها، وهو أمر فعله نظام الثورة في أواخر العهد من حياته السياسية ويعكس عجز النخبة الصومالية عن طرح حلول عملية في معالجة أزماتهم الداخلية على مستوياتها المختلفة، وأن الروح الصومالية الأصيلة أو الفطرية غير متقبلة في تاريخها المذكور أية محاولة لاسترضاء الآخر غير الصومالي على حساب استعداء بني دينه ناهيك عن بني وطنه.
وخطوة توقيع الرئيس للقرار المعتمد من غرفتي البرلمان بداية جيدة، ويجب أن يلي ذلك تعيين وزير كفوء علي مستوى التحدي وقادر على إدارة طبيعة المرحلة وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن لاعتداء أثيوبيا على السيادة الوطنية للصومال، والعمل على استصدار قرار منه يدعو أو يلزم الدول احترام سيادة الصومال الواحد لاتخاذه أساسا في الحركة التي بعدها.
كما ينبغي اعتماد معايير محددة واضحة الأهداف، تتعامل الدولة من خلالها الدول والمنظمات والمؤسسات المعتمدة لديها بدءا من ربط اعتمادها على احترام السيادة الوطنية والانقياد لدستور البلاد وتخصيص أماكن معينة لإقامتها وفرض وجود خدمات قنصلية في مقرات عملها تساعد المواطنين أينما كانوا في توفير تلك الخدمات المختلفة وضبط معايير موضوعية للسماح لتلك البعثات فتح قنصلياتها في الولايات المختلفة الأعضاء في الدولة واتخاذ خطوات صارمة متسقة مع الاتفاقيات الدولية في حالة عدم التجاوب مع تلك السياسات.
ومن الضروري توجيه خطوط الطيران توقف رحلاتها في العاصمة قبل الذهاب إلى العواصم الأخرى وذلك تعزيزا للسيادة المركزية في الولايات، والعمل على تقوية قدرة المؤسسات السياسية بما في تلك الخارجية الصومالية وأجهزة عملها الأساسي عن طريق تحسين أداء المؤسسات المركزية وخلق مراكز علمية داعمة لقراراتها الوطنية وزيادة فعالية عمل البعثات الدبلوماسية الخارجية للبلاد وإعادة هيكلتها بمايتماشى مع التحديات المستجدة على المستوى الإقليمي والدولي ووضع معايير محددة للتأكد من عقيدتهم السياسية ومستوى قدراتهم العملية وخلو سجلاتهم من أية شوائب سالبة تؤثر على العمل الوطني العام، وهو أمر عملي غير مرتبط بقلة موارد الدولة وعجز الميزانية، فضلا عن دراسة بدء تجميد عضوية الصومال في منظمة إيغاد بسبب موقفها المتخاذل من الخطوة وانحرافها الكاشف عن دورها التأسيسي المرتبط أصلا بالتنمية وبعد استخدام أثيوبيا كمعول فتاك لتفتيت الدول وتفكيك وحدتهم على أساس أنها كانت طرفا رئيسيا في عملية فصل السودان عن جنوبه وسكوتها المشهود في انتهاكات إقليم التقراي المشهودة ما بين 2020-2022.
وأخيرا، يجب عدم الركون إلى مواقف الدول الصديقة والتجمعات الشريكة والمنظمات الدولية الداعمة لموقف السلطات المركزية والمتضامنة معها في مواجهة الموقف الإثيوبي المتهور رغم الإشادة بهم في مواقفهم تلك، وكما أنه توجد دول متضامنة مع الصومال في الحفاظ على سيادتها الوطنية توجد دول أخرى مؤيدة مساندة لموقفها، وملتزمة أن تكون معها في تحقيق الحلم.
وإذا اعتمدت أثيوبيا على الانقسام الداخلي القائم فعلا وتناقض المصالح السياسية للصوماليين في المرحلة الماضية، فإن هذا بحد ذاته يمكن توظيفه بتقريب المسافات المتباعدة الموجودة بين الصوماليين، وتجاوز أعباء الماضي المثقلة حملها على الجميع. وفي كل الأحوال لا بد من حليف استراتيجي موثوق يساعد الدولة على الحفاظ على سيادتها الوطنية ويأخذ يدها إلى أن تصل البلاد إلى مرحلة تكون قادرة على الوقوف بقدميها بثقة كاملة، وهو أمر ممكن عمليا، ويحتاج إلى دراسة غير مؤجلة حتى تدرك أثيوبيا بأن ما ينقسم عليه الصوماليون ليس في قضايا السيادة والوحدة القومية ويستوعب الفاعلون الأمر، بأن القرارات الخاطئة والخطوات المتهورة تؤدي حتما إلى نتائج عكسية علي متخذيها .