أخبار

عودة شبح الحرب الأهلية في ليبيا: الخلاف بين طرابلس والقاهرة ينذر بتجدد لصراع

عانت ليبيا من عدم الاستقرار والانقسام منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011. ولا تزال البلاد منقسمة بين حكومتين متنافستين، مما أدى إلى حرب أهلية مستمرة وتوترات متكررة، شهدت تدخلات دولية مختلفة وتحالفات متغيرة. وتشير التوترات الحالية، وخاصة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر في الشرق، إلى عودة محتملة إلى الصراع الأهلي على نطاق واسع. تستكشف هذه المقالة العوامل الجيوسياسية والمحلية التي تساهم في هذا التصعيد والآثار المترتبة على مستقبل ليبيا.

مقدمة:

اتسم المشهد السياسي في ليبيا بالانقسامات العميقة منذ ثورة 2011. فالبلاد منقسمة فعليا إلى سلطتين متنافستين: حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، التي تعترف بها الأمم المتحدة، والجيش الوطني الليبي، المتمركز في الشرق والمدعوم من مجلس النواب في طبرق. وعلى الرغم من محاولات المصالحة واتفاقات وقف إطلاق النار، بما في ذلك وقف إطلاق النار لعام 2020، فإن الوضع لا يزال متقلبا. وتشير التطورات الأخيرة إلى أن ليبيا قد تكون على شفا حرب أهلية متجددة، مدفوعة بالصراعات الداخلية على السلطة والتدخلات الخارجية.

الخلفية: الخلاف بين طرابلس والقاهرة:

تؤكد التوترات الدبلوماسية الأخيرة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس ومصر على هشاشة النظام السياسي الحالي في ليبيا. وقد نشأ الجدل عندما استقبلت مصر محمد حمد، رئيس وزراء الحكومة الموازية غير المعترف بها في بنغازي، مما أثار احتجاجات حكومة الوحدة الوطنية. ويعكس رد طرابلس، الذي تضمن طرد دبلوماسيين مصريين، انعدام الثقة العميق والعداء بين الفصائل الغربية والشرقية في ليبيا. ويؤدي تورط مصر، الداعم الرئيسي لحفتر، إلى تعقيد الوضع، لأنه يشير إلى أن القوى الإقليمية تختار مرة أخرى الجانبين في الصراع الداخلي في ليبيا.

كما أن الخلاف المستمر بين طرابلس والقاهرة، والذي تفاقم بسبب دعم مصر للفصيل الشرقي، يتردد صداه مع الاضطرابات الأخيرة داخل مجلس الدولة الليبي. مع مواجهة المجلس لصراع داخلي بين خالد المشري ومحمد حمد حول الرئاسة، إذ أن المشري رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها محمد حمد برئاسة مجلس الدولة. فإن التفاعلات الجيوسياسية الأوسع نطاقا، بما في ذلك مشاركة مصر في الشؤون الليبية، تضيف تعقيدا إلى الصراعات الداخلية في ليبيا. إن تأثير القوى الخارجية مثل مصر يشير إلى تقاطع السياسة الإقليمية مع المشهد الداخلي الهش في ليبيا، مما يزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى حل النزاعات والتحرك نحو الاستقرار السياسي.

التحركات الاستراتيجية والمواقف العسكرية:

على الأرض، أدت التحركات العسكرية التي يقوم بها الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر نحو جنوب غرب ليبيا إلى تصعيد التوترات. إن هذه الإجراءات تُصاغ رسميا باعتبارها عمليات لتأمين مناطق استراتيجية، وخاصة بالقرب من الحدود الجزائرية، ولكن يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها استعدادات لصراع أوسع نطاقا.

ويمكن قراءة هذه التحركات العسكرية من خلال عدة زوايا أولاها: بأن حشد القوات حول حقول النفط الرئيسية والمعابر الحدودية يشير إلى الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على الموارد الهائلة في ليبيا، والتي كانت منذ فترة طويلة نقطة محورية في الصراع على السلطة.

ثانيا: لا يمكن قراءة المشهد الليبي الحالي بمعزل عن ما يحدث في الساحل الإفريقي وخاصة ما ينقل عن تحول الصراع الروسي الأوكراني إلى الساحل الإفريقي، فقد لاحت جماعات من الطوارق المتوقعة في جنوب غرب ليبيا عن نيتها في الانضمام إلى القتال القائم بين الأزواد في شمال مالي ضد الحكومة العسكرية المالية وقوات فاغنر، وهو ما يفسر تمركز قوات المشير حفتر المدعومة من الروس والتي يتواجد فيها مقاتلي فاغنر في المناطق الغربية مع الحدود الجزائرية ومع النيجر التي تمثل الممر الوحيد لعبور هذه القوات نحو شمال مالي.

ثالثا تشير العديد من التقارير إلى أن التحركات العسكرية لمسير المتقاعد خليفة حفتر على غرار أنها ستستهدف حقول النفط في المناطق الغربية، هي استراتيجية عسكرية لمهاجمة طرابلس من الجنوب.

وتشير هذه التحركات العسكرية والمناورات التي تقوم بها قوات خليفة حفتر إلى انتهاك محتمل لوقف إطلاق النار لعام 2021، مما يثير المخاوف من العودة إلى الحرب الشاملة.

دور النفط في الصراع:

كانت ثروة ليبيا النفطية بمثابة سيف ذو حدين، حيث توفر الموارد المالية اللازمة للحكم ولكنها تغذي الصراع أيضا. والسيطرة على مرافق إنتاج وتصدير النفط هي نقطة خلاف رئيسية بين الفصائل المتنافسة. إن الانتهاء مؤخرا من البنية التحتية في حقل حمادة النفطي وأهداف الإنتاج الطموحة للمؤسسة الوطنية للنفط تؤكد على المخاطر التي ينطوي عليها الأمر. إن الصراع من أجل السيطرة على موارد النفط لا يتعلق فقط بالمكاسب الاقتصادية؛ بل يتعلق أيضا بتأمين الشرعية السياسية والدعم الدولي.

التأثيرات الخارجية والتعقيدات الدولية:

إن الصراع في ليبيا ليس مسألة داخلية فحسب؛ بل إنه متأثر بشدة بالجهات الفاعلة الدولية. فلدى دول مثل مصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة مصالح راسخة في ليبيا، وغالبا ما تدعم فصائل مختلفة لتأمين أهدافها الجيوسياسية. إن دعم مصر لحفتر وانخراطها مع الحكومة الموازية في بنغازي هو جزء من استراتيجية أوسع للحفاظ على النفوذ في المنطقة، كما أن روسيا التي تتواجد عبر ذراعها العسكري فاغنر سابقا والفيلق الإفريقي حاليا منخرطة في العديد من الصراعات الإقليمية في إفريقيا وتسعى للحفاظ على مكاسبها هناك وتعتبر ليبيا أحد أهم نقاط تمركز لها، وفي الوقت نفسه، يعكس دعم تركيا لحكومة الوحدة الوطنية ووجودها العسكري في غرب ليبيا طموحاتها في البحر الأبيض المتوسط. وتؤدي هذه التأثيرات الخارجية إلى تفاقم الانقسامات الداخلية، مما يجعل الحل السلمي لهذه الأزمة أكثر تعقيد ومراوغة.

الجمود السياسي وآفاق السلام:

تظل المؤسسات السياسية في ليبيا منقسمة بعمق، مع وجود القليل من الإجماع على الطريق إلى الأمام. وقد أدى الفشل في توحيد الحكومة والافتقار إلى الاتفاق على القوانين الانتخابية إلى توقف التقدم نحو الانتخابات الوطنية. بالرغم من المجهودات الأخيرة والكبيرة التي قامت بها البعثة الأممية إلى ليبيا بقيادة عبد الله باتلي والتي كانت نهايتها عبارة عن نهاية الأمل في جمع الفرقاء للذهاب نحو انتخابات وطنية، أحد ملامح عودة شبح الحرب الأهلية في ليبيا، وتؤكد الاجتماعات الأخيرة في القاهرة، حيث ناقش البرلمانيون الليبيون تشكيل حكومة موحدة جديدة، من أجل السيطرة السياسية على الصراع المستمر. ومع ذلك، فإن انعدام الثقة العميق بين الفصائل الشرقية والغربية، إلى جانب الضغوط الخارجية، يجعل احتمال تشكيل حكومة مستقرة وموحدة في الأمد القريب غير مرجح.

الخلاصة:

يبدو أن عودة الحرب الأهلية في ليبيا أصبحت أكثر ترجيحا، بسبب الانقسامات الداخلية، والتنافس الاستراتيجي على الموارد، والتدخل الخارجي والصراعات الإقليمية المجاورة. إن السلام الهش الذي تم تحقيقه بموجب وقف إطلاق النار في عام 2020 مهدد، حيث تضع الفصائل المتنافسة نفسها في موقف قد يؤدي إلى العودة إلى الحرب. ولكي تتجنب ليبيا صراعا مدمرا آخر، يجب أن يكون هناك جهد متضافر من قبل الجهات الفاعلة المحلية والدولية لإعطاء الأولوية للحوار والتسوية على الحلول العسكرية. ومع ذلك، ونظرا للمسار الحالي، فإن التوقعات لا تزال قاتمة، مع وجود خطر اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق.

المصدر / افروبوليسي

اترك تعليقاً

إغلاق