تعتبر أحداث الأسبوع السابع متميزة بكل المقاييس، حيث اتسعت ميادين المواجهات، بين الطرفين في المنابر الدولية والإقليمية وتحرك ملف أزمة السودان خطوة نحو الاهتمام على مستوى الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد والجامعة العربية، وبدأت العقوبات تطل براسها من واشنطن، ليتوسع جبهات المواجهة، هذا فضلا عن سخونة المعارك ميدانيا.
الموقف العملياتي
على الرغم من محدودية العمليات العسكرية في بداية الأسبوع إلا أن القتال اشتد بشكل أكثر ضراوة منذ منتصف الأسبوع، واتسع نطاقه وزاد عنفوانه بشكل كبير، بما في ذلك عدد من المناطق في دارفور، خاصة بعد احتجاج الجيش على عدم التزام الدعم السريع بما اتفق عليه، وانسحب من مفاوضات جدة وأعلن تجميد تفاعله مع العملية التي تتوسط فيها السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
– استمرار العمليات في مناطق جنوب الخرطوم حيث تم ضرب معسكر طيبة التابع للدعم السريع بالطيران يقول الجيش بانه كبد فيها الدعم السريع خسائر كبيرة في المعدات والأرواح واستولت على المعسكر بينما نفت قوات الدعم السريع استيلاء الجيش على المعسكر
– عمليات قصف جوي ومدفعي لمنطقة بحري ــ حلفاية الملوك، شمبات، الصافية، المزاد والصبابي وعمليات قصف جوي ومدفعي أيضا لمنطقة الحزام في الخرطوم، والرياض.
– عمليات مختلفة من الاشتباكات والتمشيط في أم درمان ــ العباسية ــ الموردة ــ شارع الأربعين ــ حي الضباط وبيت المال ومنطقة الفتيحاب
– اشتباكات متقطعة ومختلفة في الخرطوم في المنطقة المجاورة لقيادة مدرعات الشجرة واللاماب ومنطقة القوز
– قصف مدفعي كثيف على منطقة جنوب غرب المرابيع بشرق النيل وقصف بالطيران على منطقة الباقير قرب سوبا.
هجمت قوات من الدعم السريع على مدينة الأبيض وتصدت لها قوات الهجانة حسب تصريحات الجيش
– أدخل الجيش لواء من المشاة إلى وسط الخرطوم لإسناد عمليات التمشيط وحفظ الأمن بالمنطقة المركزية في الخرطوم وجنوب الخرطوم.
– ظهور الفريق البرهان وسط جنوده حاملا كلاشنكوف وخاطبهم قائلا: لم نستخدم القوة المميتة بعد وإذا لم تنصاع مليشيات الدعم السريع فإننا قد نضطر لذلك.
– اندلاع عمليات عنيفة في دارفور ولايات وسط وغرب دارفور وفي مدينة كتم التي أعلن الدعم السريع على الاستيلاء عليها فيما نفى الجيش ذلك، وكذلك في معسكر كساب وأجزاء من مدينة نيالا.
– في ذات السياق أعلنت الأجهزة الأمنية في ولاية البحر الأحمر أنها تمكنت من القبض على خلية تتبع الدعم السريع في حي “هدل” في مدينة بورتسودان فيما تعتقد أنهم كانوا يخططون لتفجير الأوضاع في مدينة بورتسودان.
– وجه حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بالتعامل العسكري الفوري والمباشر مع كل من يقترب من الأسواق والأحياء.
الجيش يعلق استمراره في المفاوضات
أعلنت القوات المسلحة السودانية تعليق استمرارها في مفاوضات جدة احتجاجا على ما أطلقت عليه الخروقات المتكررة من قبل قوات الدعم السريع، إلى جانب عدم تنفيذهم لأي من النقاط التي تم الاتفاق عليها، وأهمها الخروج من الأحياء السكنية والكف عن استخدام المدنيين كدروع بشرية وإخلاء المؤسسات والمستشفيات العامة ومرافق الخدمات ومراكز الشرطة إضافة إلى فتح الطرق، انسجب وفد الجيش من المفاوضات ولكنه بقي في جدة على أمل ان تتخذ الوساطة منهجا عادلا وأكثر فعالية يضمن الالتزام بما يتم الاتفاق عليه، وكان الوفد الحكومي قد قدم مصفوفة تم التشاور حولها بشكل غير رسمي مع الوسطاء بغرض تنفيذ الاتفاق بشكل يؤسس لاستمرار التفاوض.
وفي وقت سابق انتقد مسؤول عسكري في الجيش السوداني موقف الإدارة الأمريكية محتجاً على أنهم سلموا الوساطة 91 انتهاكا تثبت خروقات الدعم السريع التزامات اتفاقية الهدنة الموقع بينهما.
الهدنة الرابعة عشرة
وقع الجيش والدعم السريع على تمديد الهدنة ووقف إطلاق النار والترتيبات الإنسانية لمدة 5 أيام حيث يستمر النقاش بين الوفدين لإجراء تعديلات على الاتفاق بما يضمن تجنب وقوع الجانبين في خروقات تعرقل الهدنة، وصرح المبعوث الخاص لرئيس مجلس السيادة في السودان السفير دفع الله الحاج مؤكدا على عدم سعيهم للحرب ويجب ان تكرس الجهود للأغراض الإنسانية ومؤكدا على تمسك الحكومة برايها بشان بديل عن فولكر مبعوث الأمم المتحدة مشيرا غلى أن الحل هو أن تكون عملية سياسية شاملة لتحقيق الانتقال الديمقراطي وأن الحل النهائي سنقوم به بعد حسم التمرد نهائيا، وفي واقع الأمر تستغل الأطراف الهدنة لتوسع مناطق السيطرة والنفوذ دون التزام ببنود الهدنة إضافة إلى غياب الرقابة التي تحدد مناطق واتجاه الخروقات، يزيد من مساحة المواجهة دون أن يخفف عن المدنيين الذي تزاد أوضاعهم سوءً.
عقوبات أمريكية على أطراف الصراع في السودان
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أربع شركات تتبع الجيش والدعم السريع باعتبارها تساهم في تأجيج الصراع وجاءت على النحو التالي:
1- شركة الصناعات الدفاعية ( Defense Industry System) التابعة للقوات المسلحة السودانية وتنتج معدات وأسلحة للجيش
2- شركة سودان ماستر تكنولوجي لدورها في دعم شركات انتاج سلاح ومركبات عسكرية للجيش
3- شركة تراداف للتجارة العامة وهي حسب وزارة الخزانة الأمريكية عبارة عن واجهة يسيطر عليها شقيق قائد الدعم السريع ويدعى القوني حمدان دقلو، تشرف على شراء مركبات لقوات الدعم السريع، وبالتالي متواطئة بطرق مباشرة وغير مباشرة في تأجيج الصراع الحالي
4- شركة الجنيد لتعدين الذهب، والتابعة لقوات الدعم السريع، وحسب وزارة الخزانة فهي شركة سودانية قابضة يسيطر عليها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وشقيقه نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو. مقرها في الخرطوم، الجنيد تدير 11 شركة تابعة عبر قطاعات اقتصادية متعددة، بما في ذلك صناعة تعدين الذهب. منذ مصادرة قوات الدعم السريع لمنجم الذهب في جبل عامر في عام 2017، أصبح تعدين الذهب وتصديره مصدرًا حيويًا للدخل لعائلة دقلو وقوات الدعم السريع.
مبادرة الكتلة الديمقراطية بالحرية والتغيير
بعد اجتماع عقدته قيادة قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية برئاسة دكتور جبريل إبراهيم ونائبه الناظر محمد الأمين ترك وعدد من رؤساء الحركات الموقعة على السلام دعت في ختامه إلى مبادرة تكوين جبهة وطنية عريضة تضم كل السودانيين الحادبين على شأن الوطن ورسم خط سياسي يحدد وجهة السودان في المرحلة المقبلة، والتواصل مع المجتمع الدولي والتواصل مع الحركات الغير موقعة على سلام جوبا ـــ الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور ــ من أجل حل أزمة البلاد حلا لا يستثني أحدا من خلال عمل لجان لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية.
المعارك الدبلوماسية
تخوض الأطراف المتصارعة حربا دبلوماسية على المستويات المختلفة، فقد صرح مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة أن السودان لن يتعامل مع وصي يتم فرضه من قبل قوى إقليمية لأهداف معينة، وفولكر بالنسبة للسودان كمبعوث أممي انتهى ولم يتم التعامل معه.
كما ترفض الحكومة أية قرارات من الاتحاد الإفريقي أو الإيغاد دون إشراكها أو استشارتها وهددت بالانسحاب من الاتحاد نفسه.
في المقابل يقوم يوسف عزت مستشار قائد الدعم السريع بجولات خارجية ترويجا لموقف الدعم السريع، وتعزيزا لروايته، فقد التقى الرئيس الكيني وليم روتو في نيروبي والذي يعتبر أحد الرؤساء الثلاث الذين كلفهم مجلس السلم والأمن الإفريقي للتوسط في الشأن السوداني، وقد أكد في لقاء عزت قائلا: تظل كينيا ملتزمة بالوقف العاجل للأعمال العدائية في السودان، ونحن على استعداد للتعامل مع جميع الأطراف وتقديم أي دعم نحو حل دائم.
المبادرات الإقليمية والدولية
شهد الأسبوع المنصرم حراكا كبيرا على المستوى الإقليمي والدولي، حيث تحركت المحافل المختلفة في محاولات للبحث عن مخرج للأزمة السودانية:
منظمة الإيغاد
تنعقد قمة لمجموعة الإيغاد في جيبوتي في الثاني عشر من يونيو الجاري ويتصدر جدول أعماله الأزمة السودانية، وافاد مصدر بالمنظمة أن السودان بحاجة إلى عملية سلام جادة مع الشركاء الأفارقة تحت آلية رئاسة الإيغاد. وفي ذات السياق التقى المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي السفير مايك همر بالأمين التنفيذي للإيغاد السيد ورقيني جيبيو فيما يتعلق بالتحرك الدولي والجماعي لإنهاء القتال في السودان.
الاتحاد الإفريقي
عقد مجلس السلم والأمن الإفريقي اجتماعا خاصا بالشأن السوادني وفي ختام الاجتماع أصدر بيانا أدان فيه بشدة النزاع العبثي وغير المبرر داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار دون أي شروط مسبقة ووقف التعزيزات والانسحاب من المواقف المتفق عليها وتبني حل سلمي.
كما شدد البيان على ضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق واستئناف عملية الانتقال السياسي نحنو حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية، مؤكدا على أنه لا مجال لأي حل عسكري لهذا النزاع.
واعتمد المجلس خارطة طريق الاتحاد الإفريقي لحل النزاع في السودان مطالبا المجتمع الدولي لدعم تنفيذ الخارطة. وشدد على الأهمية القصوى لعملية سلام موحدة وشاملة من أجل السودان يتم تنسيقها تحت الرعاية المشتركة للاتحاد الإفريقي والإيغاد وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وباقي الشركاء الذين يؤمنون بنفس الأفكار، مشددا على ضرورة مواصلة الاتحاد الإفريقي للتنسيق الفعال لأنشطة الآلية الموسعة حول النزاع في السودان.
كما وافق المجلس على مبادرة الرئيس لإرسال مبعوثين إلى الدول المجاورة للسودان ومنطقة القرن الإفريقي بهدف تعزيز البحث عن مقاربة مشتركة لإيجاد حل دائم للأزمة متعددة الأوجه في السودان.
المبادرة القطرية المصرية
أطلق أمير قطر والرئيس المصري مبادرة جديدة تهدف إلى دعم وإغاثة السودانيين وللتخفيف من آثار وتداعيات الأزمة الراهنة عليهم وخاصة اللاجئين منهم وشملت المبادرة:
– تقديم الخدمات الإنسانية والإغاثية العاجلة على أن تولى الجهات المعنية في الدولتين وضع الأطر والآليات التنفيذية ذات الصلة وفق نص البيان.
– شددت المبادرة على أهمية العمل المكثف لاحتواء الأوضاع الإنسانية بالسودان وتسهيل انسياب المساعدات الإغاثية وتجنيب المدنيين تداعيات القتال.
– يؤكد المختصون والمراقبون للشأن السوداني أن المبادرة القطرية المصرية يمكنها أن تصيب نجاحا، خاصة وأن قطر لديها معرفة سابقة في التعامل مع الشأن السوداني وهو ما يعطيها المقبولية، ومصر حاضرة في الشأن السوداني بطرق متعددة ويعنيها الأمر بشكل مباشر.
صحيح أن المبادرة تبدوا محصورة في المجال الإنساني لكن الذين يقيمون تباطؤ وضبابية وسطاء جدة يذهبون أكثر بالتفاؤل بها لتصبح منبرا لتسوية الأوضاع السياسية عبر حوار يتبناه اصحاب المبادرة.
مجلس الأمن الدولي
أصدر مجلس الأمن الدولي بيانا حول السودان معربا عن قلقه العميق من استمرار الاشتباكات واستهداف المدنيين وموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين والجهات الفاعلة الإنسانية، والعاملين في المجال الطبي والمرافق الطبية، ودعا البيان إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية بسرعة دون عوائق في جميع المناطق وشدد على ضرورة قيام الأطراف بوقف الأعمال العدائية على الفور ووضع ترتيب دائم لوقف إطلاق النار، وأهمية استئناف العملية السياسية وصولا إلى تسوية سياسية دائمة وشاملة وديمقراطية في السودان.
وأكد المجلس على تجديد دعمهم لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان(يونيتامس) كما شدد المجلس على الحاجة إلى تعزيز التنسيق الدولي والتعاون المستمر مؤكدين دعمهم مجددا للقيادة الإفريقية وخارطة طريقها لحل الصراع في السودان.
الأوضاع الإنسانية
يشهد الوضع المعيشي تدهورا مستمرا بسبب نقص المواد الغذائية والاحتياجات الضرورية مع ندرة في الخبز فيما لا يزال هناك ضعف في الخدمات الطبية للمرضى لا سيما اصحاب الأمراض المزمنة مثل السكر وارتفاع ضغط الدم الذين نفدت ما لديهم من الأدوية، إلى جانب معاناة أصحاب أمراض السرطان وغسيل الكلى التي تزداد تفاقما كل يوم.
يقول مكتب اليونيسيف بالسودان أن 13 مليون طفل وأكثر من نصف السكان في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة ويفيد مكتب اليونيسيف أنه أطلق نداء عاجلا طالبا مبلغ 838 مليون دولار أمريكي لإيصال المساعدات ل 12 مليون شخص منهم 9,4 مليون طفل تضرروا من الأزمة حيث يواجه اليونيسيف فجوة تمويلية بنسبة 95% حسب المسئولين.
وحتى نهاية مايو فإن عدد النازحين بلغ 1,2 مليون نازح ـــ عاد ما يزيد على 378,000 إلى مناطقهم الأصلية مع وجود 3,7 مليون نازح داخليا، وقد أعلنت الأمم المتحدة وصول ما لا يقل عن 100 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية إلى مناطق مختلفة في ولايات السودان بما فيها الخرطوم.
فيما أعلن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي أعلن الإقليم منطقة منكوبة بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة من كل دول العالم.
خلاصة
فيما تدخل الحرب يومها ال 50 وتزداد ضراوة المعارك بين الطرفين، دون أن يكون لهدن وقف إطلاق النار أي مفعول، وتحاول قوات الدعم السريع توسيع المعركة في ولايات السودان في محاولة لتدارك أخطاء البدايات، وتركيزها على العاصمة فقط، تزداد معاناة سكان الخرطوم الذين يحاولون التأقلم مع الأوضاع المستجدة ولكن هناك معاناة حقيقة وعميقة في مستوى تدني الخدمات الصحية وتوفر المواد الغذائية مع شكاوى من تضاعف الأسعار مع ندرة توفرها، وهي بلا شك معاناة فوق قدرة المنظمات الإنسانية العاملة إذا لم تتضافر فيها الجهود، وفوق هذا وذاك وضح حد للحرب الدائرة منذ ما يقرب من شهرين لا غلبة لطرف على طرف حتى الآن.
المصدر: المركز الإفريقي للابحاث ودراسة السياسات