كانت أخر انتخابات أجريت في تشاد بتاريخ أبريل 2021، وفاز حينها الرئيس إدريس ديبي بولاية رئاسة سادسة، وبعيد أيام قليلة من فوزه وتحديدا في يوم الثلاثاء 20 أبريل توفي ديبي متأثرا بجروحه بعد أن أصيب في معارك شمالي البلاد ضد متمردين على الحكم في تشاد. وفي نفس يوم وفاته قام الجيش التشادي بحل الحكومة والبرلمان وبإعلان تولية محمد إدريس ديبي ابن ادريس ديبي رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي ليتولى قياد المرحلة الانتقالية والتي تم تحديد مدتها الزمنية في البداية ب 18 شهرا.
بالرغم من تشكيله لحكومة انتقالية مطلع شهر مايو 2021 ضمت عناصر من المعارضة، إلا أن الوزرات السيادية بقيت تحت قبضة الحزب الحاكم.
شهدت المرحلة الانتقالية العديد من التجاذبات السياسية بين الحكومة الانتقالية التشادية وحركات المعارضة في البلاد وتخللها استفتاء دستوري سنة 2023 لتحديد القانوني الانتخابي الجديد، وفي مايو 2024 وصلت البلاد إلى مرحلة الانتخابات الرئاسية لتحدد مصير الشعب التشادي.
كل هذه الأحداث تأتي ضمن سياقي داخلي تشادي متوتر بين الحكومة وقوى المعارضة، وسياق إقليمي في غاية الحساسية والتعقيد بمنطقة الساحل الإفريقي، فعلى حدودها الشرقية حرب أهلية في السودان وعلى حدودها الغربية انقلابات عسكرية وصراع دولي على منطقة الساحل والصحراء.
• مسار المرحلة الانتقالية:
الحوار الوطني الشامل:
بالرغم من تشكيل ديبي الابن حكومة انتقالية ضمت شخصيات من المعارضة في مايو 2021، إلا أن انتقادات عديدة طالت هذا التشكيل الحكومي بسبب احتكار الحزب الحاكم للوزارات السيادية، وهو ما جعل العديد من القوى المعارضة تشير إلى أن اشراك المعارضة مجرد إجراء صوري لا أكثر.
كان ديبي الابن في بداية قيادته للمرحلة الانتقالية يرفض أي حوار أو اتفاق مع القوى المتمردة في شمال البلاد خاصة وأنها يتهمها بمقتل والده، إلا و أنه في مارس 2022 انطلقت مباحثات في الدوحة برعاية الاتحاد الافريقي ومنظمات دولية بين الحكومة التشادية والمعارضة، وبعد أشهر من مفاوضات أفرزت هذه المحادثات اتفاقية سلام وقع بين الطرفيين في 8 أغسطس 2022 “اتفاقية الدوحة للسلام ومشاركة الحركات السياسية العسكرية بالحوار الوطني الشامل السيادي في تشاد”.
شاركت في هذه الاتفاقية قرابة 40 حركة معارضة في تشاد، ومن جهة أخرى رفضت 19 حركة التوقيع عليها ومن ضمنها أكبر فصيل تشادي معارض وهو ” جبهة التغيير والوفاق” “فاكت”، وهي المجموعة المسؤولة عن مقتل الرئيس ديبي.
الاستفتاء الدستوري:
في ديسمبر 2023 أجري استفتاء على دستور جديد لتشاد لإعادة ترسيخ الحكم المدني في البلاد، وهو يندرج ضمن وعود المجلس العسكري عند إعلان عن الفترة الانتقالية التي اتسمت بالتعثر وطول مدتها الزمنية وتجاذبات بين المجلس الانتقالي وقوى المعارضة. وقد كان الجدل الذي عقب الاستفتاء في الشارع تشادي حول ثلاث نقاط في غاية الأهمية يتناولها الدستور الجديد.
النقطة الأولى هو محافظة الرئيس على نفس الصلاحيات السابقة واعطاء ديبي الابن امكانية الترشح لانتخابات رئاسية قادمة، ومزيد من ترسيخ نظام حكمه واعطائه صلاحيات مطلقة أكثر.
النقطة الثانية عدم طرح الدستور الجديد القضايا الفيدرالية في تشاد التي تعتبر نقطة هامة جدا لدى الشعب في شمال وجنوب البلاد.
النقطة الثالثة عدم وجود مؤسسة دستورية في البلاد تضمن عملية استفتاء شفافة فيما يتعلق بالدستور.
وبناء على ذلك اعتبرت جلّ قوى المعارضة في تشاد أن عملية الاستفاء على الديتور محاولة من ديبي ابن لإضافة شرعية دستورية لحكمه ولمزيد من بسط نفوذه على مؤسسات الدولة، وهو ما جعلها تدعو للمقاطعة العملية برمتها، وتقوم بطعن في نتائج الاستفتاء اثر صدورها، إذ كانت نسبة التصويت بنعم على دستور الجديد 86%.
توترات إقليمية :
خلال فترة الانتقالية تدخل إدريس ديبي في بعض الملفات الإقليمية لدول الجوار وخاصة في الملف السوداني وإفريقيا الوسطى حسب تقارير ومراقبين، وهو ما تسبب في أزمة ديبلوماسية مع البلدين. وأشارت أطراف عديدة بأن هذا التدخل تم بإيعاز من فرنسا.
وتعتبر أنجامينا أخر معاقل فرنسا في منطقة الساحل الإفريقي، وبعد موجات الانقلابات العسكرية في كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر، وطرد القوات الفرنسية المتركزة في هذه البلدان تحولت هذه المجموعات العسكرية كلها نحو تشاد التي تتمركز بها ثلاث قواعد عسكرية فرنسية وهي آخر معاقل الفرنسيين في الساحل الإفريقي.
لذلك يحظى نظام ديبي بأهمية كبرى لدى الفرنسيين والأمريكان في نفس الوقت وذلك خشية حدوث أي تغيير مفاجئ سواء عسكري أو بعملية انتخابية ديمقراطية يمكن أن يغير سياسات التحالف لتشاد ويأخذها نحو تحالف جديد مع قوى دولية وإقليمية تمتلك مشاريع في المنطقة مغايرة لاستراتيجية باريس وواشنطن.
لذلك تسعى فرنسا بتحديد لتقديم كل شيء للحفاظ على تواجدها في تشاد وهو ما تشير إليه تقارير عديدة واتهامات كثيرة من قبل المعارضة التشادية على أن فرنسا تعتبر أحد أهم ركائز ودعائم ديبي في الحكم.
الانتخابات الرئاسية في 2024:
تقدم لسباق الانتخابي في تشاد 20 مرشح، ولكن تم قبول 10 مرشحين فقط واستبعاد 10 آخرين بحجة عدم استفائهم لمتطلبات الترشح، ومن أبرز المرشحين الرئيس المؤقت ديبي عن حزب الحاكم ” التحالف من أجل تشاد موحدة” ورئيس وزراء الحكومة المؤقتة ساكسيه ماسرا أسيونجار حزب ” المحولون” المعارض.
يعتبر ماسرا من أشد المعارضين شراسة لادريس ديبي، اذ اعتبر توليته رئاسة المجلس الانتقالي بمثابة انقلاب ودعي الشعب إلى التظاهر ضده. وكان ماسرا أحد أهم قيادات الاحتجاجات ضد ديبي وخاصة حادثة الخميس الأسود التي قتل في العشرات من التشاديين المحتجين ضد تمديد فترة ديبي الانتقالية.
وبعد هروبه من البلاد عاد مرة أخرى بعد عقد اتفاق مع ديبي وتم تنصيبه كرئيس وزراء، وهو ما جعل العديد من القوى المعارضة تتهمه بالخيانة والعمالة لديبي، ولكن يعتبر هو أهم مرشح رئاسي ضد ديبي.
نتائج الانتخابات:
توجه يوم 6 مايو التشاديين نحو صناديق الاقتراع لاختيار رئيس لهم، وتشير السلطات التشادية إلى وجود 8.202.207 ناخب مسجل وهو رقم تشكك فيه المعرضة، ومن ضمن هؤلاء مسجلين شارك في العملية الانتخابية الأخيرة 6.224.387 ناخب حسب أرقام التي أصدرتها الوكالة الوطنية لإدارة الانتخابات.
وتم في يوم الانتخابات توقيف 76 عنصر من حزب ” المحولون” بتهمة تزوير بطاقات لتمكن من دخول مكاتب الاقتراع، واعتبر الحزب أن هذه الاتهامات كيدية في حق نشطاء من حزبه وهي تندرج ضمن الاعتقالات التعسفية ومساعي الحزب الحاكم لتزوير الانتخابات وذلك عبر منع نشطاء الحزب من المشاركة في مراقبة العملية الانتخابية.
وفي يوم الخميس 9 مايو قبيل ساعات قليلة من إعلان الوكالة لنتائج الانتخابات الرئاسية، أعلن ماسرا عن فوزه بالانتخابات الرئاسية بناء على إحصائيات مراقبين حزبه خلال عملية فرز صناديق الاقتراع في مختلف أنحاء تشاد، وأكد على وجود مخطط لتزوير نتائج الانتخابية.
وبعد ساعات قليلة أعلنت الوكالة عن نتائج الاولية التي تشير إلى فوز ادريس ديبي بنسبة 61% ويليه في المركز الثاني ماسرا بنسبة 18%، وهذه النتيجة تؤهل ديبي مباشرة للفوز بالمنصب الرئاسي دون الحاجة للمرور إلى دور ثاني بعد استحواذه على أكثر من 50% من الأصوات.
قوبلت هذه النتائج بموجة رفض كبيرة من قبل المعارضة وتحديدا من قبل رئيس الوزراء ماسرا الذي أعلن عن تزوير النتائج قبيل صدورها، وتقدم حزب ” المغيرون” بعريضة للوكالة لطعن في الانتخابات والمطالبة بإلغاء النتائج.
لم تأتي الطعون في نتائج من حزب ” المغيرون ” فقط، قامت أحزاب أخرى مشاركة في السباق الرئاسي بطعن في نتائج الانتخابات التي ذكرت بأنها غير متوافقة مع ما شهدها نشاطاتهم خلال عمليات الفرز في مراكز الاقتراع.
ردود الفعل على نتائج العملية الانتخابية:
جاء أبرز تعليق على العملية الانتخابية في تشاد من قبل الاتحاد الاوروبي، وذلك على خلفية استبعاد تشاد ل 2900 مراقب من المجتمع المدني مدربين من قبل المنظمة عن المشاركة في مراقبة العملية الانتخابية.
وهو ما جعل الاتحاد يشكك في شفافية ومصداقية العملية الانتخابية، ومن جهة أخرى اعتبرت قوى المعارضة اليت رفضت المشاركة في السباق الانتخابي أن عملية تنصيب ديبي مقررة منذ البداية بين الجنرال الشاب وقوى المعارضة التي شاركت معه في المسرحية الانتخابية.
كما أن العاصمة انجامينا شهدت مأساة كبرى عشية الاعلان عن فوز ديبي بعد قيام عناصر عسكرية وأمنية بالاحتفال عبر اطلاق الرصاص في الهواء وهذه الرصاصات الطائشة تسببت في إصابة عشرات من المدنيين.
الخاتمة:
تبقى تجاذبات السياسية في الساحة التشادية بين قوى الحكم والمعارضة، وقد رسخ إدريس ديبي بعد فوزه هذا قدمه في الحكم أكثر وهيمنته على المؤسسات السياسية والعسكرية في البلاد، كل هذا وسط مناخ سياسي يتسم بوجود معارضة تشادية هشة تقف ضده.
تشتت قوى المعارضة وعدم توافقها على توجهات أو حتى حلول سياسية وبدائل موحدة، أو على الأقل توافقها في استراتيجية معارضة المنظومة الحاكمة يزيد أكثر من ترسيخ حكم إدريس ديبي في تشاد.
كما أن الوضع الإقليمي المتوتر في منطقة الساحل الإفريقي يجعل العديد من القوى الدولية تدفع في اتجاه بقاء ديبي في سلطة وتجنب أي تغيير مفاجئ يمكن أن يغير من خريطة التحالفات والتوازنات في المنطقة.