أخبار
الاستفتاء الدستوري في جمهورية إفريقيا الوسطى وجدلية توريث الحكم لتواديرا مدى الحياة
من المقرر إجراء استفتاء عام على الدستور في جمهورية إفريقيا الوسطى في يوم 30 يوليو من هذا العام؛ لتتاح الفرصة للشعب بأن يصوت على اعتماد دستور جديد يحل محل دستور عام 2015م. ويهدف هذا الدستور الجديد، بشكل أساسي، إلى السماح للرئيس فوستين أرشانج تواديرا بالترشح لولاية رئاسية ثالثة؛ بل وإلى مدى الحياة الأمر الذي يحظره دستور 2015م جملة وتفصيلا.
مسوغات تعديل الدستور والاستفتاء عليه
انتُخِبَ الرئيس فوستين أرشانج تواديرا في عام 2015م، وأعيد انتخابه لولاية ثانية في عام 2020م، ولا يمكنه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في عام 2025م، حيث يحظر دستور إفريقيا الوسطى لعام 2015 صراحةً على رئيس الدولة الترشح لولاية ثالثة مهما كانت المبررات1. وهكذا تنص المادة 35 على أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال لرئيس الجمهورية ممارسة أكثر من ولايتين متتاليتين أو تمديدها لأي سبب من الأسباب.
لكن رغبة الرئيس تواديرا وحزبه، حركة القلوب المتحدة (MCU) الذي يملك الأغلبية النسبية في البرلمان، لحكم البلاد بولاية ثالثة كانت قوية وتحدث الدستور والنظام. فبدأ تواديرا في عام 2022 مشروعًا لإنشاء لجنة مسؤولة عن تنفيذ مشوع تغيير في الدستور، والذي من شأنه أن يلغي حد الولايتين. حيث بدأ الحزب أولا بتقديم طلب التماس للسماح بكتابة دستور جديد، وطالب توقيع أكثر من 600,000 شخص، وذلك قبل تنظيم مظاهرات في 29 أبريل 2022م في عدة مدن ومناطق.
أصبحت مظاهرات التأييد هذه مطية لتواديرا بتقديم نفسه كمدافع عن سيادة البلاد خلال خطاب عيد الاستقلال في 12 أغسطس، والذي أعلن من خلاله بأنه يريد الاستجابة “لتطلعات الشعب.[3] وفي نهاية اجتماع مجلس الوزراء الاستثنائي الذي نُظّيمه بعد ثلاثة أيام من ذاك الخطاب، أعلنت الحكومة على أنها حصلت على موافقة مجلس الأمة بإنشاء لجنة تأسيسية بهدف صياغة قانون أساسي جديد. وتكونت اللجنة التي شُكّلت بموجب مرسوم رئاسي في 19 أغسطس من 55 عضوًا، تم تعيينهم جميعًا من قبل رئيس الجمهورية.
أثارت هذه الأحداث احتجاجات واسعة من قبل المعارضة، خاصة المعارضة الموحدة داخل الكتلة الجمهورية للدفاع عن الدستور(BRDC) ، والتي أكدت على أن الرئيس لم يذكر أبدًا “الحاجة” لمثل هذا التغيير خلال حملته الانتخابية في آخر انتخابين رئاسيين مضيا، وبالتالي يصف المشروع بأنه “خُدعة” و “خداع سياسي” يمارسه الريس تواديرا. وهكذا، كان الاجتماع الأول للجنة في 15 سبتمبر.
اعْتُبِر مرسوم انعقاد اللجنة غير دستوري في 23 سبتمبر 2022 من قبل المحكمة الدستورية، حيث رأى أعضاؤها أنه لا يمكن إطلاق عملية الإصلاح الدستوري دون موافقة مجلس الشيوخ، المنصوص عليها في دستور 2016. كما ذكّرت المحكمة الرئيس تواديرا بأنه أدّى اليمين الذي جعله يقسم على الكتاب المقدس وأمام الأمة الأفرووسطية بأنه لن يزيد عدد ولايته أو يمددها.
لكن حزب الرئيس ومناصروه استهدفوا المحكمة نفسها عن طريق التهديدات والمظاهرات المعادية لها والتي نُظمت أمام مقرها إلى درجة تطلب الأمر نشر وحدات إنفاذ القانون والخوذات الزرقاء من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى، وأعلنت على الفور بدء إجراءات قانونية ضد العديد من مرتكبي هذه التهديدات، بمن فيهم إيفاريست نجامانا، نائب رئيس الجمعية الوطنية، والمتحدث باسم الحزب MCU ورئيس اللجنة الناتجة عن المرسوم الرئاسي.
في الشهر التالي، في 19 أكتوبر، تقاعدت رئيسة المحكمة، دانييل دارلان تلقائيًا بمرسوم رئاسي على الرغم من عدم دستوريته؛ إذْ تنص المادة 102 من الدستور على أن أعضاء المحكمة الدستورية غير قابلين للعزل لمدة سبع سنوات من ولايتهم، والتي لا يمكن إنهاؤها إلا بالوفاة أو الاستقالة أو العجز الدائم الذي تتحدده المحكمة وتصدر قرارا بشأنه.
ولكن الرئيس تواديرا وحزبها ضربا هذه المواد الدستورية بعرض الحائط، فعُزلت دانييل دارلان، وعُيِّن نائب رئيس المحكمة، جان بيير وابوي، رئيسًا مؤقتًا لها. وبعد عدة أيام من التوتر وعلى الرغم من التذكير بالدستور من بقية أعضاء المحكمة إلى الحكومة.
وفي 25 ديسمبر 2022م، صوّت المجلس على قانون يحكم تنظيم الاستفتاء الدستوري المستقبلي، والذي اعتبرته المحكمة الدستورية هذه المرة متوافقًا في 20 يناير 2023، وصادق عليه رئيس الجمهورية بنفسه. وأعلنت المعارضة على أن هذا الإجراء غير دستوري.
هل الدستور فوق الجميع أم الشعب فوق الدستور؟
بعد مضي ثلاثة أشهر من التجاذب والتدافع بين حزب الريس ومناصوه والمعارضة، أكدّ الرئيس نفسه على أنه “لا شيء يعلو على الشعب ذي السيادة؛ فالشعب فوق الدستور”، وذلك في 30 مايو 2023م، خلال خطاب ألقاه على الشعب. وبناء عليه، دعا فوستين أركانج تواديرا إلى الاستفتاء الدستوري رسميا بمرسوم رئاسي، وتم تأجيل الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في 16 يوليو إلى أجل غير مسمى؛ حيث تواجه هيئة الانتخابات الوطنية (ANE) فك ارتباط الأمم المتحدة والمانحين الدوليين الذين يرفضون الانضمام إلى مشروع الاستفتاء وتمويله. حيث تقدر ميزانية تنظيم الاستفتاء بنحو 3.5 مليار فرنك سيفا (حوالي 5 ملايين يورو).
وجهات نظر مغايرة
على عكس وجهة نظر الرئيس تواديرا وأنصاره حول مشروع الدستور الجديد ومبرراتهم، هناك وجهات نظر مختلفة تعترض بشدة هذا المشروع وتعتبره محاولة لتمديد فترة رئاسة تواديرا إلى فترات متعاقبة قد تكون غير محدودة. بينما يرى الناشطون المسلمون أن الدستور الجديد يحمل في طياته بنودا تستهدف المكون المجتمع المسلم وتضايقه بأشكال مختلفة.
انتقدت قرار مشروع الدستور الجديد في المقام الأول الكتلة الجمهورية للدفاع عن الدستور (BRDC). واتهمت المحكمةبأنها غير مستقة عن القصر الئاسي، حيث تأتمر بأوامر” من الرئيس، وبالتالي تعتبر قراراتها “غير شرعية” و “بلا قيم”. وفي الوقت ذاته وتتهم فوستين أرشانج تواديرا بالرغبة في أن يصبح “رئيسًا مدى الحياة”.[6]
كما أصبحت أصابع الاتهام توجه إلى مجموعة فاغنير كونها هي التي تملي على الرئيس كي ينحى هذا المنحى بحيث تضمن بقاءه على السلطة؛ لأن وجودها في البلاد مرهون ببقاء الرئيس ومجموعته، ومن ثم فهي مستعدة لحرق الأخضر واليابس من أجل إنجاح مشروع الدستور الجديد الذي يمنح تواديرا فرصا غير متناهية ليحتفظ بكرسي الرئاسة مدى الحياة.
البنود الأكثر جدلا في مسودة الدستور الجديد
تقريبا كل المكونات السياسية والاجتماعية في البلاد، باستثناء حزب الرئيس مناصريه، تعتبر الدستور مصمم خصيصًا للإبقاء الرئيس فوستين أرشانج تواديرا في رأس السلطة. حيث يستبدل المشروع بشكل خاص الفترة الرئاسية البالغة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط بولاية مدتها سبع سنوات قابلة للتجديد إلى أجل غير مسمى.
وتحظر مسودة الدستور أيضًا على الشخصيات ثنائية الجنسية الترشح في الانتخابات الرئاسية، التي يجب أن يكون مرشحوها لديهم ممتلكات في جمهورية إفريقيا الوسطى، وقد أقاموا في البلاد لمدة عامين متتاليين على الأقل، وحاصلين على شهادة جامعية.
أما مجلس الشيوخ، الذي لم يتم تشكيله أبدًا منذ صدور دستور 2015، تم إلغاؤه نهائيًا. وبدلاً منه تم إنشاء غرفة للمشيخات التقليدية تهدف إلى تعزيز العادات والتقاليد.
ويُشار إلى المشروع أيضًا لإصلاحه للمحكمة الدستورية لصالح الحكومة. كان يتألف سابقًا من 9 أعضاء، بما في ذلك عضو واحد لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وستة من قبل الهيئات القانونية بمعدل قاضيين ومحامين واثنين من المعلمين والباحثين بداخلها.
الآن، تتكون المحكمة من إحدى عشر عضوًا، ثلاثة أعضاء معينين من قبل رئيس الجمهورية، و ثلاثة من قبل البرلمان، وخمسة من قبل الهيئات القانونية. بالإضافة إلى إلغاء الالتزام بالمساواة بين الجنسين، فإن هذا الإصلاح يعكس بالتالي اتجاه الأغلبية لصالح الرئيس نتيجة للتعيينات الحكومية.
وفي هذا الصدد، ترى “أنا برونو هياسينت جيبيغبا” وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان، أن هذه المحكمة الدستورية، التي أصبحت محكمة “رئاسية حسب تعبيرها”، لن تصدر قراراتها على أساس القانون، ولكن وفقًا لإرادة “الحكام” في السلطة . لذلك فإن المخاوف حول موضوعية هذه المحكمة في تعاملها مع اللجنة المسؤولة عن صياغة الدستور الجديد في محلها.
وفي الاتجاه نفسه، تؤكد هيومن رايتس ووتش على أن الاستفتاء الدستوري القادم قد يزيد من إغلاق الفضاء المدني في جمهورية إفريقيا الوسطى ويهدد بعكس المكاسب الديمقراطية التي تحققت منذ 2015م.
خلاصة
على الرغم من مقاومة المعارضة والتصريحات المثيرة للقلق من بعض أعضاء المجتمع الدولي، واصل تواديرا وحزبه الدعوة إلى تغيير الدستور من خلال اقتراح لجنة فنية مكلفة بالتوصية بالتغييرات اللازمة. وقضت المحكمة الدستورية بأن مثل هذه اللجنة غير دستورية. ورداً على ذلك، أقال تواديرا رئيس المحكمة، مما تسبب في أزمة قضائية لا تزال تهدد شرعية المحكمة.
وعلى الرغم من ذلك كله، تصر المعارضة السياسية والمسلحة على مقاطعة الاستفتاء والرئيس تواديرا يصر على إجراء الاستفتاء ويزز من توجد مجموعة الفاجنير وانتشارها في مناطق مختلفة في ربوع البلاد. الأمر الذي جعل الكثير من المراقبين والمتابعين يتوقعون عواقب وخيمة لهذا الاستفتاء، ولربما تنزلق البلاد في دوامة الفوضى العارمة.
المصدر: المركز الإفريقي للابحاث ودراسة السياسات